أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب الإنتفاضة الكبرى

ملحم مسعود – اليونان 20.5.2021

في هذه الساعات تبذل كل المحاولات في صراع مع الزمن ,  في إنتظار الصيغة الأخيرة لوقف القتال من قبل القوى الكبرى والمؤسسات والمنظمات الدولية , , كذلك فعاليات عربية    من أجل وقف القتال خشية من خطر زعزعة الاستقرار و تداعيات سلبية في حال استمرار الأعمال القتالية ,  و خطورة إشتعال الحرائق وتوسعها  بعيدا  مما يهدد الأمن والإستقرار العالمي … وما زالت  الخطوط الساخنة على حالها  لم تتوقف  مع الأطراف المعنية و الوسطاء للضغط لوقف القتال … وحينما تضع الحرب اوزارها ستكون القضية الفلسطينية بدات مرحلة ما بعد : (الإنتفاضة الكبرى … )  

دعونا ننتظر والليالي من الزمان حبالا

كم كان الرئيس الأمريكي لطيفا … عندما تحدث مع النائبة الديموقراطية من أصل فلسطيني رشيدة طليب  على قارعة مدرج مطار مدينة ديربورن يوم الثلاثاء  بولاية ميتشيجان للإطمئنان على جدتها وعائلتها في الضفة الغربية ,  ودعى الله أن يكونوا بخير .  نهرتُه … النائبة  الفلسطينية وقالت له ” كفى يا سيد بايدن  … لن تفعل هذا على مرأى منا  ”   مطالبة إياه بالحديث علانية ضد العدوان الإسرائيلي لمحاسبة نتنياهو وقيادة إسرائيل  … وصلت الرسالة سيدي الرئيس.

الرئيس الذي قال يوما عن القدس إنها يجب أن تبقى ( مكانا للتعيش )  وقبله قال البابا فرنسيس الذي طلب بالبحث عن حلول من ( اجل إحترام الهوية متعددة الثقافات للمدينة المقدسة)

 أمريكا وعلى مدى أيام مضت  تعرقل قرار مجلس الامن بوقف القتال , وتتمهل  حتى يتحقق (  خفضا كبيرا في التصعيد … ) تمهيداً لوقف إطلاق النار . ونتنياهو مصمم على استمرار العملية العسكرية في غزة حتى تحقق الهدف منها , والهدف المماطلة ومزيد من البطش والقتل ضمن جهود نتنياهو التمسك بالسلطة ومنع محاكمات الفساد التي تلاحقه… ويعزز أوضاعه بين في اليمين الإسرائيلي  والأهم بحثا عن إنتصار .

العالم يتعاطف ويتضامن مع الفلسطينيين … وتهيمن  التطورات الفلسطينية سياسيا وإنسانيا  على المشهد الإعلامي والدولي بإمتياز , لا سابق له منذ النكبة وتخلط الأوراق , لتفرض القضية   نفسها على الطاولة بشكل غير مسبوق … وأثبتت أن  أحلام  رئيس الوزراء نتنياهو  بتهميش القضية الفلسطينية أنها سراب ووهم … وعشنا لنرى  إتحاد وتوافق  عالمي  لأول مرة  على نصرة فلسطين وإدانة إسرائيل وإتهامها بإرتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي  … الخ 

جاء في مقال في (  فايننشال تايمز )  لم يعد هناك مكان للحديث عن إخفاء المشكلة الفلسطينية وحجرها وراء جدران بعيدا عن الأنظار. وربما زادت استراتيجية نتنياهو التهديد على بلاده من خلال فتحه … وإن عن غير قصد جبهات جديدة داخل إسرائيل نفسها. وسيظل التهديد قائما حتى بعد ( دَك ) غزة وتسويتها بالتراب.

يبقى السؤال ؟

القضية التي وحدت العالم  … هل توحٍد أصحابها المنقسمون  ؟؟؟

 البناء  على هذا الجديد في المواقف العالمية , يتطلب منا  ترميم الخلافات , وترتيب البيت , وتخاطب القيادة الفلسطينية الموحدة العالم كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني  , وتعيد بناء المؤسسات وتطور علاقاتها الدولية … بمعنى آخر  حان وقت المراجعة … وعدم السماح بإستخدام الساحة الفلسطينية لحروب الآخرين . وإذا كان هناك منتصرا  … فهي فلسطين.   

 تُذكرنا حرب الأيام الستة وما آلت إليه الإمور عام 1967  وما بعدها  … من هزيمة مدوية  باتت معروفة بتسميتها  ( الفنية  … )  بالنكسة  اصبحت لها تاريخ وأدبيات … وباقي الحكاية  اشهر من أن يقال … ومنذ ذلك الحين اصبحت  إسرائيل تمارس سياساتها في المنطقة بعقلية القوة العظمى  … والإنتصار الكبير … مضى الزمن , وشاهدنا ,  وعٍشنا أحداثا … إتفاقيات …  وسلام وتسليم … البارد منها والحار … التقارب بخجل ولا وجل … وهناك من اعطى بلا تردد او حساب … في الوقت الذي توسعت  رقعة المعاناة الفلسطينية من ذلك التاريخ … الخ .

 اليوم  يلوح في افق المنطقة أكثر من مجرد  ( رغبات )  يرى أصحابها ان يقولوا :

إنهم إنتصروا وليكن ما يكون … وما يجري اليوم  على الأرض الفلسطينية مهم ومفصلي وقد يتحول إلى متغير في صيغة تاريخية … بعد تساقط الخرافات الصهيونية  أمام العالم   ويصبح للنصر والصمود  الفلسطيني  تاريخ وأدبيات .

وقل للشامتين صبرا فإن نوائب الدنيا تدور

كما هو معروف منذ 13 إبريل الماضي أخذت  الأوضاع في الأراضي الفلسطينية تتدهور وليس هذا بالجديد  , من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة بحماية قوات الإحتلال , من أجل التسريع  على طريق تهويد الأماكن المقدسة وبداية لإنهاء الوجود العربي  , شعر المقدسيون بخطورة الموقف في غياب الظهير على الأرض , وانفجرت القدس ومعها انفجرت كل فلسطين … وأيقظ تكاملا وتوافقا فلسطينيا , فإذا هي الآن  جمرة تستعر , ثم تتعاظم نيرانها لتعلن عن حياتها وتحرق أعدائها . جراء إعتداءات عنصرية , وبعنف غير مسبوق إرتكبتها الشرطة الإسرائيلية ومستوطنون … في القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح , إثر محاولاتهم لإخلاء منازل تسكنها عائلات فلسطينية لإسكان  مستوطنين إسرائيليين … مما خلق حراك فلسطيني غير مسبوق  توسع وإنتشر في أماكن تواجدهم في الوطن القدس , وغزة , ونابلس , ويافا , ورام الله والخليل … وايقظ الوعي الوطني لدي أبناء فلسطين في المهجر والشتات … وبدأت التعبئة والحشد الشعبي  العربي كما تفاعلت الشعوب العربية متضامنة مع الفلسطينيين  من كل حدب وصوب لحماية الأقصى والمقدسات ابعد من كل  الإنتفاضات  التي سبق و عشناها . رغم الخلل والعجز الواضح على أداء الكثير من  البعثات الدبلوماسية الفلسطينية  , والذي سببه قصور المركز في التخطيط والمبادرة والمتابعة  …  والجديربالذكر أن الشتات الفلسطيني كان له حراك وهبًات . وللحديث عن هذا أكثر من أن يُحاط به في هذا المقام .

إنتفض الشعب … وكما قال شاعرنا الكبيرأبو القاسم الشابي :

إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر.

وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر.

وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر

في يوم الإثتين العاشر من هذاالشهر بدأت اللعبة تتغير .

 رغم شريحة من العقلاء في إسرائيل واليهود  في خارج البلاد كانوا دعاة سلام ويدعون له … ويعتقدون بضرورة  إغتنام الفرصة التاريخية  خوفا من ( ما يمكن ان يحدث من  تقويض )  المجتمع الإسرائيلي من الداخل , بسبب هذه السياسات الإسرائيلية ( بدأت معالمها واضحة … )   بعد كل ما قدمه الفلسطينون  والعرب … واصبح  كل ذلك الآن  متأخر , وراحت الصدامات الأخيرة  التي أخذت طابعها الذي نشاهده كل يوم لتندلع  وتتوسع  وتبدأ إسرائيل معاركها في ساحة الراي العام العالمي … واصوات تعلوا من الداخل لأول مرة  أوقفوا هذا القتال . 

في الوقت الذي تزايد فيه  التصلب والتحايل  … والغطرسة في ممارسة إسرائيل  كدولة عظمى في  المنطقة … لكن إرتجاجات ( العدوان  )  اصابت المجتمع الإسرائيلي  في غفلة … وكانت على جبهات متعددة و أخطرها الجبهات الداخلية وتداعياتها المستقبلية في هذا البلد , لا يمكن العودة إلى الوراء  وإندلعت النيران , وتأكد للقوى الكبرى خطورة توسعها ومن ثم صعوبة تطويقها وإخمادها ,  كما سُجلت الإرتجاجات بشكل واضح في المنطقة   … إنتفض القوم … وبدأت المواقف والتصريحات والمبادرات وكانها صحوة الوعي , بعد حالة اللا  مبالاه بما كان يجري من حولهم منذ عقود .

 ويكفي في ذلك بعض ما جاء في تصريح المحلل السياسي الإسرائيلي ” جدعون ليفي”  بما يشعر به كمواطن إسرائيلي  وهذا بعض ما جاء في  المقال : ( امريكا لن تنفعنا في نهاية المطاف ورؤساءالعرب لن يساندونا لعجزهم في أوطانهم , ولكره الشعوب لهم … شخصيا أعتقد ان النهاية قريبة جدا لنا كدولة … الخ ).

  إن حصاد هذه الأيام المجيدة , سيكون عنوانه :

(  ما بعد الإنتفاضة الكبرى  لن يكون كما قبلها  ) 

ورغم التضحيات الكبيرة التي قدمها أبناء شعبنا العظيم  سيكون الحصاد  وفيرا   وهاما  في تاريخنا المعاصر , وأدبيات المرحلة … أصبحت واقع حقيقي لا يستطيع التشكيك به أحد  على الرقعة  الجغرافية التاريخية اي فلسطين …  بشعبها وعاصمتها القدس الشريف ,  مكتوبة بالدماء  , الأمر الذي  أدركه العالم اخيرا , والتعاطف والتضامن العالمي المستمر مع فلسطين  الذي لا يخفى على احد ,   والحقيقة التي تستعصي على الإنكار هنا   لا مكان لإدعاءات إسرائيلية بعد اليوم  بالنصر …  والتحولات التي بدت بوضوح في مشاعر المواطن الإسرائيلي بعد ان أصبحت مُدنه مستهدفة طالما يحكم هذا البلد سياسي اخرق ملاحق بتهم فساد لا تنتهي … تورط بالعدوان وشعب أشدُ إصرارا على القتال …   ويبحث اليوم عن مخرج يحفظ له ماتبقى من هيبة …, حتى صارالشق أكبر من الرقعة …  ويَفهم أخيرا  : ( أن من شق ثوب الناس شقوا ثوبه ) 

ونسوا درس التاريخ الذي قال:  على أرض فلسطين التي باركنا حولها لا يموت الناس من جوعٍ، فعلى هذه الأرض كوّار الزيت لا ينضب، وخابية القمح لا تفرغ.

 

ملحم مسعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى