أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – الإنتخابات … في غياب المؤسسات

السفير ملحم مسعود، اليونان 11.10.2019

عندما عاد ياسر عرفات للوطن وفي ظل إستقبال جماهيري تاريخي غير مسبوق  كقائد النضال الفلسطيني الذي لا ينازعه أو ينافسه عليه احد … وبإقتراب  الإستخقاقات بإنتخاب رئيس السلطة الوطنية , كان أبو عمار مرشح ” الأمة ” بلا منازع . كانت اجواء الفرحة والبهجة تملأ كل بيت في الوطن والشتات … وبدات الإستعدادات والتحضيرات تتوالى للفرحة الكبرى … أصبحنا على ارضنا وسيكون لنا رئيس   ” محبوب ” من 12 مليون فلسطيني …  كذلك … دولتنا …

في هذه الأجواء  لم يكن هناك مرشحا منافسا ” للزعيم ” إلتقيتُ بمجموعة من الأصدقاء نحسب ونخمٌن  عملية إنتخابية بمثل هذه الأهمية  التاريخية كيف ستكون … والتوقعات والإحتمالاتما بين مبايعة شعبية شاملة ( وتتكرث هذه المقولة ) ام إستفتاء عام بنعم ... او لا  … على مرشحنا الوحيد … وتباينت الآراء والإستنتاجات وكلها تصب في أن القضية محسومة ومعروفة ودعونا من النقاش البيزنطي والنتيجة … 99.999999 .

وكان لي راي آخر : إذا لم يتقدم مرشح آخر على الأقل في هذه الإنتخابات ألأولى من نوعها في الوطن فستكون الديموقراطية المنشودة في الميزان … فكَر القوم وقالوا ما العمل ؟ وما بين هذا وذاك تركنا الباب مفتوحا للتفكير وربما نحتاج إلى من يعلق الجرس ؟؟؟ في هذه الأجواءإقترحت عليهم قبل إنفضاض مجلسنا مابين الجد والهزر … لا بد من عمل شئ حتى لو      ” إستأجرنا ” شخص ما ورشحناه من جانبنا  لننُجٍح ديموقراطيتنا الواعدة !!!

كانت تشغلني هذه الواقعة مع رغبة أكيدة بأننا لا نرغب بمثل  نتائج إنتخابات الزعامات العربية المعروفة … الخ.

بعد أيام قليلة جاءت الأخبار المفرحة لتذكرني بما قاله طرفة بن العبد في معلقته الشهيرة

ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً * ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِ
ويأتيكَ بالأنباءِ من لم تَبعْ له * بَتاتاً ولم تَضْربْ له وقتَ مَوْعدِ

بترشيح سميحة خليل ( رحمها الله ) المراة الفاضلة والمناضلة التي كانت تلقب ب ” سنديانة فلسطين ”  نفسها للإنتخابات امام  الزعيم ” وحصلت على 12.5% من الأصوات لم تصلها للرئاسة لكن نجحت فيإيصال الرسالة وهي تكريث العملية الديموقراطية الفلسطينية وخلق المؤسسات .

وبعد ذلك في إنتخابات 2005 خاض ابو مازن  الإنتخابات الرئاسية ونافسه عليها مصطفى البرغوثي ببرنامج واضح وصريح , أي من دون مواربة مع مواقف تؤكد على خيار المفاوضات , والإبتعاد عن الكفاح المسلح  ( ماجد كيالي ) في مقاله  … وقد كنت في الوطن وشاهدت مظاهرة غير مسبوقة من الوفود المراقبة من كارتر… ومارتر ومنظمات اممية بالعشرات  … ومراسلي الصحافة العالمية  بالمئات , جاءوا للإطلاع والتأكد أن خيار الشعب الفلسطيني بعد ياسر رفات هو صناديق الإقتراع  والتمسك بالديموقراطية , وكان نجاح أبو مازن بنسبة 62 % نجاحا للديموقراطية ولبرنامجه الإنتخابي …  وبقت المؤسسات بعيدا وفي وادي آخر .

في كلمة الرئيس الأخيرة في الأمم المتحدة وضمن اشياء كثيرة وعد بإقامة إنتخابات شاملة في الوطن , هل كان المكان والزمان مناسبا لمثل هذه الوعود  والبرامج  في الاراضي الفلسطينية  ؟؟؟ لا ادري … ربما كان الرئيس يريد من هذه التصريحات وفي هذا اللقاء الأممي شيئا ما… لا نعرفه …

تطالعنا المقالات اليومية , ورغم إزدحام  التطورات في المنطقة وعلى جبهات مختلفة تتناول موضوع الإنتخابات , حيث يقول اخي وصديقي نبيل عمرو في إحدى مقالاته  ضمن أشياء أخرى أن الإعتماد على ”  المؤسسات ” الحزبية في إحتكار تشكيل القوائم وإصدار الأوامر لملايين الناخبين للتصويت كما لو انهم خلية حزبية , هو امر لم يعد قائما , ولا للناس في وارد الإستجابة لأوامر وتوجهات قادة تنظيمات يعتبرون الجمهور مجرد رصيد جاهز دون نقاش  لهم …

ونقول هنا يا ليت هناك مؤسسات

وتقول د. عبير عبد الرحمن ثابت في مقالها إن سيناريوهات نجاح أو فشل الإنتخابات والأخذ بنتائجها أو رفضها من البعض منوط بقدرة الفصائل الفلسطينية على تحمل مسؤولياتها والتخلي عن حساباتها الفصائلية لصالح الوطن عبر السماح بإجراء الإنتخابات بكل ديموقراطية وشفافية وقبول نتائجها أ كانت لبناء سلطات شرعية وتنفيذية جديدة ومنتخبة تخضع لقراراتها كل ” المؤسسات ” السياسية وافقتصادية … الخ .

ونحن اليوم نتساءل اين هي المؤسسات … والموجود منها لا يمكن وصفه بسوى شبه مؤسسات على احسن الأحوال … والأمثلة كثيرة , لكننا اليوم وفي زحمة وتداخلات التطورات الإقليمية والمواقف الزئبقية لرعاة العملية السلمية في المنطقة , ليس لنا سوى الترقب والإنتظار لما تحمله لنا الأيام .  

والليالي من الزمان حُبالى مثقلات يلدن كل عجيب

السفير ملحم مسعود من أسرة مركز الناطور للدراسات والابحاث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى