#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب – إنه المناخ … يا غبي .. !

بقلم السفير ملحم مسعود – اليونان 8.8.2021

أقتبس هذه العبارة … من مقولة الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون :  إنه الإقتصاد يا غبي … 

التي إستخدمها على نطاق واسع خلال حملته الإنتخابية  الناجحة عام 1992 وما أكسبته من شعبية وإنتشار  . مستعملا إياها اليوم لوصف الحالة المناخية هذه المرة  والحرائق التي تجتاح تركيا واليونان بشكل خاص وغير مسبوق … ومخاطرها الهائلة المدفوعة بظاهرة تغير المناخ تزداد في منطقة البحر الأبيض المتوسط وقبل تقديم المشهد الماساوي , وتداعياته المستقبلية  نورد بعض ما شرحه وقدمه لنا العلماء والخبراء , ضمن دراسات وسياسات وإهتمامات  الإتحاد الأوروبي .

حيث كثرت التقارير والدراسات ( خصوصا الأوروبية  ) حول تفسير الظاهرة الماساوية التي نعيشها منذ أيام في المنطقة حيث  تعتبر واحدة من المناطق العالمية المهددة بأعلى زيادات متوقعة لمثل هذه الحرائق , كما يقول الخبراء  في تفسير هذه الظاهرة .  كما أشارت دراسة جديدة إلى زيادة بنسبة 35% لعدد الأيام ذات الخطر العالي لاندلاع حرائق هائلة في أنحاء العالم. وسوف تشهد بعض المناطق في  المتوسط أعلى الزيادات في هذه المخاطر وخصوصا  الإستمرار بإرتفاع درجات الحرارة . واستخدمت الدراسة أدوات تصوير مجهزة على متن أقمار صناعية تابعة مختلفة  لوكالات ( ناسا … و تيرا … و أكوا ) لتحليل ظاعرة  أشدّ الحرائق الهائلة في السنوات الأ خيرة , بما في ذلك حوادث الحرائق الهائلة التي تسبب خسائر في الأرواح .

  وتشير توقعات تغير المناخ أنه من المرجح أن تتوسع البصمة الجغرافية للحرائق الخطيرة ( هذا ما يحدث الآن في تركيا واليونان ) على نطاق عالمي … حسب تفسيرات البروفيسور ” ديفيد بومان  ”  وظاهرة تغير المناخ ستزيد الوضع سوءً …  ومن الضروري أيضًا أن يتخذ الإنسان خطوات لخفض التعرض لهذه الأحداث الخطيرة، وخاصة إذا تحولت إلى أحداث متكررة.

يُذكر أن دول البحر الأبيض المتوسط شهدت على مر التاريخ أقل عدد من الحرائق المدمرة، لكن هذا الوضع قد ينقلب رأسًا على عقب مع تطور انتشار المظاهر الطبيعية القابلة للاحتراق في المدن. أحداث الحرائق الهائلة الشديدة هي خصائص حتمية للوحدات الإحيائية القابلة للاحتراق ,  ومن المرجح أن تزيد ظاهرة تغير المناخ من تكرار هذه الأحداث وظهورها عالميًا، وتحديدًا في حوض البحر المتوسط  ( الأوروبي  ) وبلاد الشام وفي المناطق شبه الاستوائية في نصف الكرة الجنوبي. ويتوقع الباحثون أن تشهد تلك المناطق المزيد من الحرائق الهائلة في العقود القادمة.

اليونان التي  تحترق … 

وإذا سالني أحدهم …ولماذا اليونان  ؟؟ … أقول ببعض  ما قاله حافظ إبراهيم مع الإعتذار :

لأن القـائِمـونَ بِـالأَمـر                ِ فـينا نسوا وَلاءَنـا وَالوِدادا

لا تَـظُـنّـوا بِـنـا العُـقـوقَ وَلَكِـن   أَرشِــدونـا إِذا ضَـلِلنـا الرَشـادا

أَكـرِمـونـا بِـأَرضِـنـا حَـيـثُ كُـنـتُم     إِنَّمــا يُــكــرِمُ الجَـوادُ الجَـوادا

اليونان هنا اعيش واتعايش … في مجتمع قروي بسيط , وما يعني   ذلك من طبيعة  إندماج وإختلاط إلى حد ما تفرض نفسها  ,  طالما يكون هناك الوقت الكافي , وتجنبا للأحاديث السياسية اليونانية فيما بينهم التي تبدأ بسيطة وسرعان ما تتحول إلى نقاشات بيزنطية حامية الوطيس … أُفضل المواضيع  الإجتماعية مع شباب وشيوخ  القرية . في هذه الظروف التي  تلتهم النيران الاخضر واليابس … إتصل بي صديق عزيز من الوطن يستفسر عن حالي وأحوالي … وعن عن هول الماساة وقلت له مختصرا :

 أنه المناخ يا عزيزي …

وكانت  مكالمة مفيدة بالمعلومات  إستفدت منها … اما عن حالي وأحوالي  وانا شبه محاصر بالنيران  كما هو  حال الكثيرين هنا  شرحت له قائلا  :  لا يمكنني … انا أو اي  إنسان آخر  سوى أن يتاهب ويتحضَر للأسوأ … لا مجال سوى التعاون والتضامن بيننا جميعا مع البشر والشجر …  الشباب رجال وإناث مثقفين واكثرهم جامعيين معظمهم تربطني معهم علاقات ودية … وزيارات ونقاشات … قليل في السياسة والكثير في الثقافة … يتبادلون نوبات مسائية  ليكونوا جميعا في حالة إستنفار كامل ودائم  في متابعة ومراقبة تمدد ألسنة النار وإتساع رقعة  الحريق  … وتنفيذ  توجيهات  الدولة عن التطورات والحذر والإنتباه  بالبيانات المتتالية على الهواتف  النقالة نسمعها بصوت متميز تحت عنوان الإنتباه  والحذر ,  وإعطاء المعلومات والإرشادات , كنت بجانبهم أراهم  واشجعهم … ويروني بينهم أنا ( فلسطيني … ) القرية وصاحب الدار  المفتوحة لهم و معهم  وبجانبهم  … واكدت لصديقي  أن كل فلسطيني في هذا البلد سيفعل مثلي وربما أكثر .

وفي إطلالة لرئيس الوزراء خاطب الشعب اليوناني وبدا في حال يرثى  عليه من الإحباط   مطالبا شعبه  بالوحدة والتضامن أمام هذه الكارثة الطبيعية وحجمها    التي حلت بالبلاد وذكر انه تم إخلاء ما يقرب من 60 قرية ومستوطنة يوم الخميس وفجر الجمعة في جميع أنحاء جنوب اليونان …  متوقعاً المزيد من الحرائق مع ارتفاع درجات الحرارة في الأيام المقبلة وهذا ما يحدث الآن ..

اكتب  وعدد الضحايا يتجاوز اكثر من مئة إنسان , والخسائر الوطنية  المبدئية بالمليارات من مصادر يونانية وغيرها , كما دمرت الحرائق شبه جزيرة بيلوبونيز المعروفة بإسم ( بلاد المورة) في الطرف الجنوبي من البر الرئيسي لليونان. كما تشير إلى  قرابة 150 الف فدان  من الغابات  إلتهمها الحريق في جزيرة (إيفيا ) وحدها التي أراها صباحا ومساءً  حسب الأقمارالصناعية . 

كما قدر المرصد الوطني اليوناني BEYOND ، وهو الوحدة الحكومية المتخصصة في حصر التحديات المختلفة التي تواجه المجتمع والسلطات في البلاد ، حجم المناطق المحترقة بالكامل ، بين تاريخ 3-6 من شهر آب الجاري ، حوالي 1500 كيلومتر مربع من مناطق الغابات. ومازال رجال الإطفاء تدعمهم وحدات عسكرية وطائرات ومجموعات متخصصة في مثل هذه الحالات دول أوروبية وغيرها ( مصر ساهمت في هذا الجهد ).  

إلى ان يقضي الله أمرا كان مفعولا 

إنه المناخ … يا غبي

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث       Facebook 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى