#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب – أردوغان بين التصعيد … والتكويع

السفير ملحم مسعود – اليونان ١-١٠-٢٠٢٠م

بدأت اليوم الخميس إجتماعات زعماء الإتحاد الاوروبي لعقد قمة إستثنائية في مناقشات تستمر يومين وتتعلق بشكل أساسي بالتوتر في شرق البحر المتوسط والعلاقات مع تركيا ... في ضوء الصراع علىى الغاز الطبيعي شرقي المتوسط  … ووضع رئيس  الجلسة ( رئيس الإتحاد ) ملف الخلافات التركية اليونانية على رأس اعمال المؤتمر … الذي سوف يستمر الليلة وطوال الغد لإستكمال أعماله .  

القمة التي إنتقدها صباح اليوم الرئيس التركي اردوغان واصفا الإتحاد الأوروبي بالكيان ( الضحل ) لخضوعه  لليونان وقبرص … وذلك ضمن ملفات وقضايا اخرى  مثيرة للجدل كالتصعيد العسكري بين أذربيجان وارمينيا في منطقة القوقاز … وازمة السلطة في بيلاروسيا . التي تتحفظ عليها قبرص وتهدد بإستخدام حق الفيتو إذا لم تكون العقوبات على تركيا بالمثل …

ومن الواضح أن الجانب الألماني مستعدا لمنح الدبلوماسية فرصة في نزاع الغاز وعدم تعطيل  ( إشارات  ) التقارب بين  اليونان وتركيا بالعقوبات , خاصة  أن الأمر يتمثل ايضا بأنه لا يجري التعامل فقط  مع  شريك في “الناتو ” بل أيضا مع دولة تؤدي دورا في مقاربة أزمة اللاجئين … الأمر الذي يخشى منه المراقبين من ان تهدد تركيا بإنهاء إتفاقية اللاجئين مع الإتحاد الاوروبي … حتى تحقيق مطالبها . ويتردد في الاوساط الألمانية أن تركيا تعول على المانيا ….

ربما هناك من الأسباب التاريخية  التي تفسر الموقف الألماني ولكن ليس هذا في سياق الموضوع .

السؤال هنا اليوم  هل هناك حقا بوادر تهدئة في مياه شرقي المتوسط , هل تكفي إتصالات أردوغان مع زعامات اوروبية من عيار ميركل وماكرون وآخرين من الزعامات الاوروبية  … وبدا محادثات تقنية تركية يونانية (على مستوى حلف الناتوقيل عن إحراز تقدم )  تستهدف هذه الاجتماعات وضع آلية لفض النزاعات في بحر إيجة وشرقي المتوسط، كما يجري خلالها بحث وثيقة تنص على حزمة إجراءات لبناء الثقة بين البلدين، وإقامة خط اتصال مباشر بين السلطات العسكرية على مدار اليوم 

وكان ماكرون قد  ابلغ أردوغان عن امله أن تتسم المحادثات مع الجانب اليوناني بحسن النوايا وتعمل على خفض حدة التوتر بين أنقرة واثينا    …وربما يمكننا القول على رغم التشدد في الموقف الفرنسي وبشكل عملي بإرسال قطع بحرية جاهزة للقتال … فإن الموقف الألماني تسودة الضبابية كما أشرنا أعلاه ويكثر الكلام عن الحوار والدبلوماسية و “العشرة الطيبة” !!! لكن الدور الألماني في الإتحاد الأوروبي مهم .. ورئاستهم للدورة الحالية، ويحاول صناعة المواقف  التي تتكيف مع إتجاهات الريح. 

وربما الجديد في الحراك التركي … الغزل التركي  المفاجئ بمصر وقياداتها وجيشها … وكان رد فعل القاهرة الذي عبًر عنه وزير خارجيتها وبما معناه مطلوب مواقف عملية على ارض الواقع …

مسلسل لن ينتهي … وسيظل الموقف التركي يتراوح مابين التصعيد تارة … والتكويع تارة أخرى وإذا تركنا التهديد والوعيد بحرا وجوا … نتوقف قليلا عند الكلمة التي ألقاها أردوغان يوم الاثنين الماضي خلال ندوة بعنوان “القانون البحري الدولي وشرق المتوسط” جاء فيها إن تركيا لا تريد التوتر في البحر المتوسط وإنما السلام والتعاون والإنصاف والعدل. وقال إن بلاده بصفتها أمة ورثت ( الحضارة العثمانية ) والسلام في البحر المتوسط، تريد إعادة إحياء مناخ السلام في هذه المنطقةوأضاف في كلمته : “دعونا نجعل من البحر المتوسط بحيرة سلام مجددا، ولا نلوث مياهه بخصومات جديدة … وشدد على أن “تركيا بلد متوسطي، وكما كانت عبر التاريخ واليوم هي ليست ضيفا على هذه المنطقة .

بل نحن أهل الدار

هنا وبإختصار نحاول إسترجاع بعض السياسات التركية وكيف  راح إردوغان يتوسع ويتمدد في محيط تركيا الواسع , ووصل ابعد عما وصله محمد علي عام 1820 بإحتلاله السودان مع الفارق الكبير … وصل اردوغان إلى الصومال وانشا لهم قاعدة عسكرية , بعد أن رُفضت في البداية اكتوبر 2016 من الجانب الصومالي  , وقال وزير الخارجية الصومالي آنذاك إنها لن تكون مفيدة … تبدلت الاحوال وتغير المواقف سريعا بعد فوز محمد عبدالله فرماجو برئاسة الصومال  … بدات إتفاقية تعاون تقني في ابريل 2009 , ثم إلى إتفاقية تدريب عسكري في مايو 2010 ثم تطورت إلى إتفاقية عسكرية في ابريل 2012  … إلى أن أصبحت إتفاقية دعم عسكري ,,, وصناعي في يناير 2015  .

الحالة الصومالية واوضاع البلد كانت موضع إهتمام إقليمي وعالمي  لموقع الصومال , وخطورة المجموعات الإرهابية في المنطقة … وأصبحت القاعدة والحضور التركي المتنامي مصدرا للقلق . لا سيما عدم التنسيق مع المجتمع الدولي … وكذلك عدم التوافق مع دول الخليج ومصر التي تتأثر بشكل مباشر بمثل هذا الوجود العسكري التركي في الصومال . والجدير بالذكر ان الدول المحيطة بالصومال تنزانيا , واغوندا وإثيوبيا وكينيا … إلتحقوا بالركب … ووقعوا إتفاقيات تدريب امني مع تركيا .

وكانت الدعايات التركية تتمحور على مقاومة الإمتداد الإيراني في أفريقيا أمام الدول العربية , وضرورة العمل لمحاربة المجموعات الإرهابية , مثل حركة الشباب الإسلامي أمام الدول الأوروبية … فيما كانت الطموحات الحقيقية التركية تتلخص في التواجد العسكري في  القرن الأفريقي لتحقيق تقدم جيوسياسي

وطالما نحن هنا في القرن الأفريقي ولنتوجه قليلا صوب البحر الاحمر البحيرة العربية … فقد حاول أردوغان ان يسكنجزيرة (سواكن )السودانية … ووقع الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 1917 وافق السودان بمقتضاها تطوير الجزيرة لتكون مقصدا سياحيا ومحطة للحجاج … وعلى بناء ميناء لإستخدام السفن المدنية والعسكرية … الأمر الذي دعى المجتمع المصري يدين هذا الحضور التركي في        ( الحديقة الخلفية ) للبيت المصري , وهاجمت الصحف المصرية في ذلك الوقت قرار السودان مُتهمة الخرطوم :فتحت موانيها لانتقال سلاح الإرهاب والإرهابيين إلى مصر كما انها ( الإتفاقية ) اصبحت مصدر قلق عربي لمشاريع التوسع في أفريقيا والبلاد العربية بشكل خاص … الإتفاقية التي الغتها السودان بعد سقوط ”  الزول  ” السوداني الذي جعل السودان سودانين …والقادم اسوا … ورغم الضبابية التي تحاول تركيا تحيط بها الإتفاقية المزعومة  ومستقبل الجزيرة والتعاون مع السودان … حتى الآن .

ذكر أمجد طه، الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط أن مصدرا دبلوماسيا أخبره بأن :  الكبار أعطوا مهلة لنظام تركيا لإخلاء جزيرة سواكن السودانية من أي وجود تركي استخباراتي أو عسكري”. وقيل لأردوغان، تمكنوا من وضع قاعدة تركيا العسكرية في قطر أو الصومال ولكن في السودان القاعدة هي أرض العرب للعرب أصحاب الحزم والعزم فقط .

هذه أمثلة لإسلوب تركيا اردوغان في التسلل … وما  حضور تركيا وإعتداءاتها في شمال العراق … وتموضعها في شمال سوريا , ومشاركتها في  الماساة الإنسانية , واطماعها في الأرض  العربية … معروفة … أما الوصول إلى ليبيا والإتفاقيات المبرمة معها … بحجة انهم (  قرايب ونسايب …  ) مما تبقى من العائلة العثمانية … فحدٍث ولا حرج .

يبدو ان رجب طيب أردوغان ما زال يحلم ويتغنى ب العثمانيةالتي هيمنت على هذه المنطقة العربية والبلقان وغيرها وألغت نهائياً حاضرها وماضيها وعندما إقتربت من الإنهيار أصيبت بالذعر وبادرت في بلادنا العربية على ىسبيل المثال إلى تعليق رموز هذه الأمة على أعواد المشانق في دمشق عاصمة الدولة الأموية وفي بيروت التي كانت حتى في ذلك الوقت المبكر منارة هذا الشرق العربي في إتجاه الغرب والحضارة الأوروبية الصاعدة

أردوغان اليوم في مواجهة  مع دولة أوروبية … اليونان … صناعة اوروبية مع إحترامنا للتاريخ والفلسفة والحكمة نتذكر هنا كيف قاتل الشعب اليوناني الإحتلال التركي العثماني  ودور القوى الأوروبية في دعمه ومساندته بكل الوسائل … لتبدا مرحلة الإستقلال الوطني على مراحل لبناء الدولة الحديثة  …

وهنا كان الدور الأوروبي في مرحلة البناء وإقامة  مؤسسات  الدولة , التي نراها اليوم بعد 200 عام من الإستقلال … وكانت عضويتها في الإتحاد الأوروبي ( يناير 1981 ) كما وصفه الآباء المؤسسين ( ضروري ) وكان الأهم أنها موطن الديموقراطية … وكيف تكون أوروبا الموحدة دونها .

اكثر من إعتبارات أخرى , دون أن ننسى اليوم الإهتمام الذي أولته أوروبا لإنقاذ اليونان من أزمتها المالية …

كانت الأزمة   ماساوية اوصلت اليونان إلى حافة الإفلاس … لكن لم يكن مسموح لها بالإفلاس وكانت هناك حزمة مساعدات مالية , أدخلتها مرحلة الإنعاش … لتقف على ” قدميها ” وتستطيع عبور المرحلة الإقتصادية الصعبة , والتي عانى منها  الطبقات الوسطى والشريحة الأدنى … هل من المعقول اليوم ان تترك للأطماع التركية لا سيما بدت تباشير الثروة الدفينة تحت سطح مياه البحر الأبيض المتوسط … وهذه حكاية أخرى .

وطالما نحن في الحالة اليونانية … نتذكر اليونان وكفاحها ونضالها للتحرر من النير العثماني , حيث  بدأت هذا العام بالتحضيرات والترتيبات والإستعدادات على قدم وساق … للإحتفال بذكرى  مرور 200 عاما  على بدأ المقاومة اليونانية , والتي عرفت بحرب الإستقلال و إستمرت من عام 1821 حتى 1832   وبدأ تحرير أجزاء من الأراضي اليونانية من نير الإستعمار العثماني للبلاد , الذي فرض على بلادهم بقوة السلاح منذ سقوط القسطنطينية عام  1453 والتي افضت إلى تاسيس المملكة اليونانية  وتشكيل اول دولة يونانية في العصر الحديث , كانت  عاصمتها مدينة  “نافبليون ”  في جنوب البلاد (بيلوبونيز) والتي تعرف بإسم  بلاد  (المورا ) التي إتخذها الملك عاصمة للبلاد , قبل الإنتقال إلى اثينا التي كانت خربة وخاوية  ولا تسمح احوالها  بان  تكون مقرا للحكم حتى عام 1835.

كانت اليونان   حتى ذلك الوقت   جزء من الإمبراطورية العثمانية عدا الجزر الأيونية ( غرب البلاد ) والتي كانت تحت سيطرة البنادقة , وبعدها الفرنسيين , وبعدها في عام  1815 بيد  البريطانيين .

كان دعم القوى الأوروبية من دول وإمبراطوريات  وممالك وإمارات مسيحية ساعد على الإستقلال    ,  وسارعت هذه القوى الأوروبية في مساعدة اليونان  الوليدة  وتم تنصيب اول ملك معاصر لليونان في 1932 حسب  مؤتمر لندن الذي اصبحت فيه اليونان مملكة مستقلة حديثة تحت حماية القوى العظمى في ذلك الوقت  ( بريطانيا وفرنسا وروسيا )

كان الأمير البافاري  ” اوثون ” 18 عاما قد  وصل البلاد في فبراير 1933 وكان والد الأمير قد كلف أحد مساعديه  ليكون  وصي على العرش اليوناني حتى يبلغ السن القانوني , ترافقه بعثة بافارية من 300 شخص من الإداريين والفنيين والمستشارين عالية المهارة  لإدارة البلد وشؤون الحكم , وما زالت هناك عائلات  ” يونانية ”  من هذه الاصول البافارية حتى الان .   وكان هذا الملك الوحيد الذي لقب  ( بملك اليونان  ) … خلفاؤه كانو يلقبون بملك الهيلينيين , وحَكم ” اثون ” من عام 1832 حتى عام     1863.

والجدير بالذكر ان اليونانيين كانو يفضلون كما بدا من أحداث ثورتهم قيام حكومة دستورية بسلطات تنفيذية مقيدة … غير ان الدول الكبرى اخذت في أولوياتها تامين النظام والسلام في اليونان  وإنهاء حالة الفوضى التي خلفتها الثورات وتبعاتها , مما حال دون حكومة دستورية يونانية وكان  الوصي على العرش ووالد الملك اليوناني  الشاب ” أوثون ” مفضلين الحكم الملكي المطلق … الامر الذي ثار عليه الشعب اليوناني ونزلوا إلى الشوارع مطالبين بالدستور … وهتفوا امام القصر الملكي حينذاك  ( الآن مقر البرلمان ) مطالبين بالدستور … الدستور … وهذا ما حدث … وقد تم ترتيب زواج ملكي للملك الشاب من الأميرة الروسية أولجا … ولم ينجب منها وليا للعهد . وسميت هذه الساحة بإسم ( ساحة الدستور ) التي أصبحت اليوم  اهم ميادين العاصمة وقبلة للزوار والسائحين وفيها نصب الجندي المجهول . وإستبدلوا الملك   ( مثل قطعة غيار )  بملك جديد من ذو الدماء الزرقاء بختم اوروبي …

وإستمر الحكم الملكي ” متعثرا … ” وكان آخر ملوك اليونان قسطنطين الثاني . ( يعيش في اليونان حاليا … ونراه كمواطن عادي …في مسرح أو مناسبات ثقافية…) حكم اليونان بعد وفاة والده الملك بول عام 1964 . واجرى المجلس العسكري الحاكم إستفتاء على إستمرار  النظام الملكي وكانت النتيجة الخيار الجمهوري . لكن اثير العديد من الشكوك والتساؤلات حول شرعية هذا الإستفتاء . الذي جرى في ظل حكم العسكر … لتلبية  حاجاتهم للإستمرار في الحكم .

ومع عودة الحياة الديموقراطية لليونان , وحرية العمل الحزبي … وإعطاء الشرعية لعمل الحزب الشيوعي في يوليو عام 1974 لأول مرة , و جرى إستفتاء ديموقراطي جديد  تحت عنوان ( إستفتاء الجمهورية اليونانية … ) واصبحت الجمهورية اليونانية الثالثة في دولة اليونان الحديثة .

أردت من هذه المقدمة التاكيد على ”  أوروبية اليونان ” وعدم التخلي أوروبا عن  مساندتها سياسيا … وهذا ما تأكد من لقاء قمة دول الإتحاد الأوروبي المتوسطية قبل أسابيع قليلة , حذر في ختام أعمال المؤتمر تركيا من فرض عقوبات أوروبية عليها إذا لم توقف سياسة ألمواجهة في شرق البحر الأبيض المتوسط . وهو ما يقوم به المؤتمرون من قادة الإتحاد الأوروبي هذه الساعة …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى