#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود: قراءة في العلاقات الفلسطينية القبرصية

السفير ملحم مسعود – اليونان 23.7.2202

خصوصية العلاقات الفلسطينية القبرصية كانت غنية دائما وقديمة  … بتاريخها وطبيعة جغرافيتها .

ونقس المعاناة من الإنتداب في فلسطين … والإستعمار البريطاني في قبرص  وما آلت عليه الأوطان .

هنا قراءة قليلة وسريعة كيف تطورت هذه المسيرة من العلاقات في ايامنا هذه وما آلت إليه …  

نبدا ونحن نجتر ذكريات هذا الشهر يوليو عام 1974 يوم إنقلاب الخامس عشر , على الشرعية القبرصية في محاولة فاشلة لإقصاء المطران الرئيس مكاريوس عن الحكم , بالتآمر عليه من نظام أثينا الدكتاتوري .. ( 1967- 1974 ) والذي كان سببا مباشرا لنهاية النظام وعودة الديموقراطية إلى اهلها ووطنها  …

كذلك كانت هذه الأحداث سبب  الكارثة الكبرى على الجزيرة واهلها وإستمرار تداعيتها حتى يومنا هذاوكان الأسوا بالإجتاح التركي للجزء الشمالي للجزيرة …

في  20 من الشهر ذاته … وبعد خمسة ايام من  الإنقلاب  كانت الفرصة الذهبية ( لبولند اجاويد ) رئيس وزراء تركيا لإجتياح الجزء الشمالي من الجزيرة … رداً على ( الإنقلاب ) والمحاولات اليونانية لضمّ الجزيرة . وبحجة  ما كان سينتج عنه من ( إبادة ) جماعية للأتراك القبارصة كما قيل أطلقت تركيا عملية ( السلام ) القبرصية في صباح يوم 20 يوليو/تموز 1974، إذ ظهرت مظلات الجيش التركي في سماء قبرص في ساعات الصباح الباكر … يا له من مشهد ….

وعلى الرغم من نجاح الجيش التركي في كسر المقاومة اليونانية خلال يومين فقط، اضطُرّت الحكومة التركية إلى وقف عمليتها العسكرية واجتمعت مرة أخرى مع اليونان وإنجلترا ( الدول الضامنة  ) وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا أن المفاوضات شهدت تعنُّت اليونان، الأمر الذي دعا تركيا إلى مواصلة عمليتها العسكرية يوم 14 أغسطس وخلال 4 أيام فقط، تَمكَّن الجيش التركي من السيطرة على أكثر من 35% من الجزيرة، وضَمن أمن الأقلية التركية ( 18 % ) التي تسكن الجزيرة بشكل كامل هذه المرة ..

ولاحقا تم الإعلان عن إنشاء جمهورية شمال قبرص في 15 نوفمبر 1983   التي لم تعترف بها سوى الدولة التركية ... حتى الآن …

موسم الحصاد الفلسطيني

بعد ترتيب وتنسيق تم اللقاء الاول  الذي جمع الزعيمين ابو عمار ورئيس قبرص المطران مكاريوس   في دمشق خلال زيارة رسمية للأخير  لسوريا في ربيع عام 1975 وكان اللقاء بمثابة بعث تاريخي للعلاقات  القبرصية الفلسطينية التي حكمتها  الجغرافيا عل مدى التاريخ  …

وفي هذا اللقاء تقرر إقامة علاقات دبلوماسية وفتح سفارة فلسطينية في نيقوسيا  , وقال مكاريوس لأبوعمار  :

ستكون للسفارة الفلسطينية  من التسهيلات الدبلوماسية اكثر من اي سفارة اخرى

 والعبد الفقيرإلى الله شاهد على هذه التطورات وهذا اللقاء التاريخي …

وللاسف لم تبني عليه الدبلوماسية الفلسطينية  ( العتيدة ) في هذا البلد طوال السنوات الماضية وهذه حكاية اخرى .

مكاريوس ياسر عرفات ملحم مسعود
مكاريوس، ياسر عرفات وملحم مسعود

زيارة رسمية طويلة لدولة صغيرة …

مضى على هذا السرد  قرابة 47 عاما وجرت مياه كثيرة في النهرلتاتي زيارة الأخ الرئيس أبو مازن الرسمية لقبرص الشهر الماضي في الزمان والمكان الصحيح …

احيت الزيارة الروح في العلاقات التاريخية الفلسطينية القبرصية … وأهمية ذلك لكلا الطرفين .

ومن المعروف ان  القيادات الفلسطينية تاريخيا ظلت تدرك اهمية قبرص  … وإعتبرتها ايضا بمثابة الجسر الذي يمثل بوابة العبور للساحة الاوروبية من جهة … والاقرب للوطن من جهة اخرى .

ومن الممكن أن تكون قبرص بموقعها الجغرافي المتميز  احد مصادر الإستقرار  في شرق المتوسط الذي ما زال بعيدا رغم التيشير الذي يتغنى به الرئيس الأمريكي . 

في متابعتي لزيارة الاخ الرئيس ابومازن للجزيرة درست ودققًت بكلمات   البيان الصادر عن الزيارة وأهم ما فيه:

الجزء الأول كلاسيكي …

اتفاقية اولى لدعم حقوق المرأة

والإتفاقية الثانية حول الإعلان عن منح دراسية للطلبة الفلسطينيين

والثالثة حول تدريب دبلوماسيين فلسطينيين وستقوم قبرص بالتبرع إلى فلسطين بـ “قطعة أرض”، لبناء سفارة فلسطينية في قبرص ملك لدولة فلسطين، وذلك خلال الفترة القادمة

خيرا … إنشاء الله

والجزء الأهم وما يلفت النظر … ما جاء من تصريحات بعد اجتماع ثنائي بين الرئيسين عباس وأناستاسياديس. في المؤتمر الصحفي المشترك في ختام مباحثاتهما  ( بعد زيارة لثلاثة ايام  … ) … أكد فيها الرئيس عباس خلاله  :

أن القيادة الفلسطينية ستضطر لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية ( لحماية مصالح شعبنا) ووضع حد لجرائم الاحتلال الإسرائيلي التي وصلت لحد لا يمكن قبوله .

وأقل ما يقال هنا إننا في مدار تاريخي  بشكل عام  وخصوصا بالعلاقات القبرصية وخصوصيتها وما ينتظر المنطقة من تحولات ومستجدات

يَشتم منه مستقبل قضايا مثل ثروة البحر الابيض  … وشواطئنا .

كان قد سبق للرئيس القبرصي في مؤتمر صحفي جمع زعماء مصر واليونان وإسرائيل وقبرص في الجزيرة عدًد الدول المشاطئة لشرق المتوسط … وضمًنها ” فلسطين...تابعتُ مباشرة ردة فعل رئيس الوزراءالإسرائيلي نتنياهو وبدا عليه الإمتعاض  واضحا …

ولا تخطئ العين اتساع دائرة الرفض . 

الرئيس عباس والرئيس القبرصي
الرئيس عباس والرئيس القبرصي

والشئ بالشئ  يذكر …

عندما زار الرئيس القبرصي إسرائيل ورام الله … عام 2015 إلتقى الرئيس الفلسطيني  وتم مناقشة هذا الموضوع … ويبدو ان الرئيس القبرصي يريد  ان يوسع علاقاته وتحالفاته السياسية ( تنتهي مدة رئاسته الثانية في فبراير 2023 ) . وقد كلف سفيره في روما حينذاك بمتابعة هذا الملف مع الجانب الفلسطيني لمعرفته ودرايته في قضايا الطاقة  … ولم يتمكن متابعة المهمة ربما لأسباب  صحية .

من هنا نفهم ما كان يعنيه الرئيس الفلسطيني ( مصالح شعبنا … ) وبالتاكيد سيكون لنا صداقات في هذه الساحة يمكن البناء عليها … والتي كانت من اولويات  الرئيس خلال زيارته للجزيرة  لمدة ثلاثة ايام .

إضافة لكل ما سبق … يمكن أن يكون ملف الخلافات والتوترات بين اليونان وتركيا حاضرا … ويُحكى عن  إمكانية دور فلسطيني ممكن … لرأب الصدع وترطيب الأجواء  بما لنا من علاقات  فلسطينية واسعة مع الأطراف المعنية …

اليونانقبرص …  و تركيا ملف واحد ومتداخل ومتكامل بلا احجية …  تضبطه التوازنات السياسية ومعرفة التاريخ  والثقافة الدبلوماسية والتعاون بين القائمين على هذا الملف دبلوماسيين وغير دبلوماسيين , وتبادل المعلومات , لتكون الدبلوماسية الفلسطينية جاهزة وخاضرة وفاعلة .

ملفات هامة وساخنة …

نحتاج اليوم إلى دبلوماسية فلسطينية  وقادرة على حملها والتعاطي معها … وهذا أكثر بكثير مما يتسع له المقام  .

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى