السفير ملحم مسعود: تلاطم وصخبُ على شواطئ بحر

السفير ملحم مسعود، اليونان 6.10.2022
انطلقت اليوم الخميس الموافق ٦-١٠-٢٠٢٢م في العاصمة التشيكية براغ، أعمال اجتماع قادة 44 دولة “المجموعة السياسية الأوروبية ” المكونة من 17 دولة التي تشكل الإتحاد الأوروبي، إضافة إلى 17 دولة أوروبية أخرى وهذا التجمع يشكل ترجمة لفكرة أطلقها الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون في أجواء خلافات أوروبية لم تعد تخفى وبلدان تتبع مسارات مختلفة حيال سياسات ومواقف الإتحاد الأوروبي .. الخ.
في خضم هذه الأوضاع التي تسودها صراعات مسلحة مفتوحة، واحتجاجات شعبية في أكثر من مكان , وتحالفات إقليمية مرنة، وأشباه جيوش جوالة، وجماعات جريمة منظمة خطرة، وذئاب إقليمية متوحشة، وسباقات مصالح دولية متعارضة... يجري في إطارها إسقاط طائرات … وتفجيرات سفن وقصف معسكرات، وإطلاق صواريخ، وتنقيب بحري … وتهديدات بإغلاق مضايق، وتبادل أسرى، على نحو يشير إلى أن “حالة الحرب” مستمرة، سواء داخل الدول … أو بين الدول .
وها هي الحرب الروسية الأوكرانية ” … وتداعيتها … وسبق ان كتبنا على هذا الموقع
طال المخاض … لكن المخاض طال طويلا .
وهنا … موضوع مقالنا اليوم من تجدد” التوتر التركي ـ اليوناني ” بشكل غير مسبوق ليزيد الطين بلة … في منطقة شرق البحر الأبيض … التي لا تنقصها الصراعات فيما يحاول «الناتو» إصلاح ذات البين , بين عضوي المنظمة … (المشتبكين ) وفيها ما يكفيها في هذه الأوقات الصعبة التي تهدد حرب روسيا – أوكرانيا وتداعياتها وجودها وإستمرارها كمنظمة ( الناتو ) أكثر من 70 سنة .
دعونا للتوقف في هذا المقال ذكر عناوين الصراع التركي اليوناني تاريخيا وجغرافيا إلى حد ما في البحر المتوسط … ولمن يريد أن يعرف حقيقة الصراع القائم في شرق البحر الأبيض المتوسط عليه أن يدرك عمقه التاريخي ثم طبيعته الأيدولوجية … ثم طبيعة شبكة المصالح بين التقارب والتضارب ثم موازين القوى بين أطرافه في ساحة المعركة التي اتخذت من شرق المتوسط ميداناً لها …
وقبل الولوج في بعض جوانبه في مقالاتنا القادمة نذكر القارئ الكريم عن أهمية الثروات الطبيعة في شرق البحر المتوسط، … ليطغى السؤال الجوهري على طاولة البحث:
هل تكون هذه الثروات ثروات الصراع أم ثروات السلام؟
تاريخيا…
احتفلت تركيا بتاريخ 30 أغسطس الماضي بالذكرى المئوية لانتصار الجيش التركي الساحق على الجيش اليوناني . وينظر اليونانيون إلى هذه الفترة من تاريخهم ” بكارثة آسيا الصغرى ” كارثة ( أزمير ) وهي المذبحة والنزوح الجماعي لمئات الآلاف من اليونانيين في أيلول/سبتمبر 1922 بعدما طُردوا من تركيا المجاورة، في أحد الفصول الأشد إيلاما في تاريخ البلاد المعاصر …
تاريخيا … بعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية عام 1918 ونهاية الحرب العالمية الأولى حاول الجيش اليوناني ” يقال بدعم قوى خارجية … ” إستعادة اراضي آسيا الصغرى التي خسرها قبل 500 عاما حيث كانت تعيش أقلية يونانية كبرى مع اقليات اخرى …
لكن في عام 1922، تسبب جيش مصطفى كمال أتاتورك في أكبر هزيمة للجيشاليوناني عانى السكان اليونانيون في الأناضول من تداعيات ذلك مع تعرضهم لتجاوزات وأعمال نهب وعمليات اغتصاب في القرى الواقعة على الساحل التركي
واليوم … تشكل الدولتان المتجاورتان اللتان انضمتا إلى حلف «الناتو» سنة 1952، الجناح الشرقي للحلف.
وبرغم أنهما حليفتان، لم تسلم علاقاتهما من التوتر أبدا … ً
وتاريخيا ايضا …
يبدو ان رجب طيب أردوغان ما زال يحلم ويتغنى ب ” العثمانية ” التي هيمنت على هذه المنطقة العربية والبلقان ووسط اوروبا …. وغيرها ومحاولة تغيير حاضرها وماضيها نهائياً وعندما إقتربت من الإنهيار أصيبت بالذعر وبادرت في بلادنا العربية وليس اليونان فقط وربما اماكن أخرى في البلقان … علىىسبيل المثال تعليق رموز هذه الأمة على أعواد المشانق في دمشق عاصمة الدولة الأموية وفي بيروت التي كانت حتى في ذلك الوقت المبكر منارة هذا الشرق العربي في إتجاه الغرب والحضارة الأوروبية الصاعدة .
هل تحتم “الذاكرة التاريخية” حربا بين تركيا واليونان ؟؟؟
وهنا تحضرنا القليل من الجغرافيا …
يتسم بحر ( إيجه ) بتكوين جغرافي غريب. فهناك مئات من الجزر كبيرة نسبيا وصغيرة. وتقع الجزر الواقعة في الجزء الشرقي من البحر، وينتمي أغلبها إلى اليونان، أمام تركيا مباشرة، وهي قريبة جداً من البر التركي الرئيسي، أكثر مما هي قريبة إلى البر اليوناني الرئيسي. وبعضها على مرمى حجر …
حصلت اليونان … بموجب معاهدة لوزان عام 1923 وهي الأهم بعد معاهدة “سيفر “ وقبل معاهدة باريس على مجموعة من هذه الجزر في منطقة إيجة، لا تبعد هذه الجزر عن الحدود التركية في منطقة إيجة سوى كيلومترين، بل امتد الصراع إلى منطقة حوض البحر المتوسط بعد إحتلال تركيا للجزء الشمالي من قبرص 1974( مناطق في الشمال اغلبيتها قبارصة أتراك ) وتزيد الاوضاع أكثر تعقيدا مما جعل إتفاقيات لوزان وتفاهمات أمنية من الماضي ….و أصبحت عقبة أمام تحسن العلاقات بين البلدين منذ عقود لعدد من الأسباب:.
على سبيل المثال :
يقول السفير التركي عمر انهون : ( مع قبول موقع اليونان على المياه الإقليمية والمجال الجوي لهذه الجزر، سوف يتحول بحر إيجه إلى بحر يوناني داخلي. ولن تتمكن تركيا من نقل أي من سفنها البحرية، على طول سواحلها في بحر إيجه، من مدينة تركية إلى أخرى، من دون الحصول على إذن من اليونان.
ويُعد المجال الجوي في بحر إيجه مسألة غريبة كذلك، إذ تطالب اليونان بمجال جوي وطني يمتد 10 أميال فوق مياهها الإقليمية الممتدة 6 أميال. وهذا النهج فريد وغير طبيعي؛ لأن التطبيق العادي لأي بلد في البحر هو كل الأميال التي يمتلكها هذا البلد، وبالتالي له النهج نفسه في المجال الجوي أعلاه. وهذه الخصوصية تشكل الأساس الذي تستند إليه ادعاءات اليونان بانتهاك الطائرات التركية لمجالها الجوي.
من جانبها لا تعترف تركيا بمسافة الأربعة أميال الإضافية التي تفصل المجال الجوي الوطني اليوناني. ويزعم اليونانيون تعرض مجالهم الجوي للانتهاك كلما حلقت الطائرات التركية فيه. وتدافع اليونان بأن القضية الوحيدة المثيرة للمشكلات في بحر إيجه هي تحديد الجرف القاري، والتي يمكن حلها في محكمة العدل الدولية .
وهذه حكاية اخرى .
كذلك لا تستبعد تركيا أي طريقة للتسوية السلمية، بما في ذلك اللجوء إلى محكمة العدل الدولية؛ لكنها تشير إلى وجود مشكلات متعددة في بحر إيجه، وليست مشكلة واحدة كما تزعم اليونان … والله اعلم . ).
تهديدات إردوغان اليومية … ما هي إلا إبتزازات وإستباقات لتحقيق مكاسب داخلية وتوسعات خارجية مكشوفة …
لم يتوقف الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان عن إتهام اليونان بـ”احتلال” جزر تقع في بحر إيجه وتخضع للسيادة اليونانية …و لا يمكن لأثينا أن تنشر فيها جنوداً عملاً بمعاهدات ( لوزان ) أبرمت في نهاية الحرب العالمية الأولى … ولم تتوقف تهديدات اردوغان طوال الفترة الأخيرة
ويهدد اليونان بدفع “ثمن باهظ”، متّهماً إيّاها بانتهاك المجال الجوي التركي وبـ “مضايقة” الطائرات التركية فوق بحر إيجه ….
كما إتهم الرئيس التركي مخاطباً اليونانيين : إنّ احتلالكم لجزر بحر إيجه القريبة من تركيا لا يُلزمنا. حين تأتي اللحظة،المناسبة قد نصل فجأة ليلا ونفعل ما يلزم… إن الوقت قد حان لكي “تتحلى أثينا بضبط النفس”.
قالت الولايات المتحدة إن تحذيرات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لليونان بشأن النزاعات البحرية “غير مفيدة” ودعت البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى تسوية الخلافات بطرق دبلوماسية
وانطلاقاً من النصوص التي تتضمن أن تبقى هذه الجزر منزوعة السلاح في اتفاقيات لوزان (1923) وباريس (1947)، تقول تركيا إن اليونان أخلت بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية بتسليحها الجزر وهو ما يخولها لإعادة “طرح ملف السيادة”
نعم … بقت هذه الإلتزامات حتى عام 1974حين إحتلت تركيا قبرص مما أدى إلى إختلال الوضع الأمني اليوناني وأصبح طرح ملف ” السيادة من الماضي ” .
كذلك يشكل الترحيب بالقواعد الأميركية الجديدة أو الموسعة ( إضافة لقاعدة كريت )الأهم في شرق البحر الأبيض على الأراضي اليونانية جزءاً من هذه السياسة اليونانية .




