أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود: أوكرانيا.. “لعنة ” التاريخ والجغرافيا

السفير ملحم مسعود – اليونان 21.5.2022

طالت الحرب  اكثر مما توقع  اصحابها …  بدون أن تحسم المعركة لصالح أي طرف من الأطراف وبشكل مؤكد ( حتى الآن ) … وأكثر مما كان يتوقعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه.

وما زالت العديد من مراكز صناعة القرار والمحللين والأكاديميين في سباق مع الزمن عنأسباب ما حصل بين روسيا وأوكرانيا وعلى من تقع اللائمة بشكل رئيسي وتداولت النظريات والبراهين والأسباب والتحليلات والتفسيرات بكل ما هبً ودب  …

نتوقف هنا قليلا ضمن ما حدث ويحدث وما هو موجود ومتوافر من معطيات … في محاولة   للتفسير او بعضه في هذه الحالة , وبات من الواضح و الأكثر قبولا يرجع إلى طبيعة الروس انفسهم  والتي أصبحت جزءاً من العقيدة التي تحكمهم وتحولت إلى حكمة يديرون بها أمورهم وشؤون حياتهم وربما عبًر عنها ألأديب الروسي الأكثر شهرة تولستوي في رائعته الخالدة رواية «الحرب والسلم»، التي يقول فيها إن أقوى المحاربين هما الزمن والصبر .

خريطة اوكرانيا

ما بين التاريخ والجغرافيا :

شدينا الرحال إلى منابع العلم والمعرفة … لمعرفة كيف يتطور التاريخ حسب «لحظات مؤسسة» و«لحظات متفرعة»، وهذا يعني أن زخماً معيناً يتكون في زمن معين، بعضه متحكم فيه من طرف الفاعلين والبعض الآخر هو صيرورة حتمية بالمعنى الخلدوني للأشياء، يخلق تحولاً بنيوياً له أبعاد حاسمة في قلب الأشياء رأساً على عقب.

هذا التحول في العلاقات وقع في فترة الانعتاق هذه والتي كانت فاصلة في تاريخ البلدين وفاصلة في تاريخ علاقاتهما .

إلا أنه وفاءً لقدَر التاريخ وسلطة الجغرافيا في تجسيد حلم روسي أوكراني في خلق فضاء ممتد الأطراف للتكامل الاقتصادي والتعاون الأمني والتنمية المشتركة للمجالات البحرية والخيرات الطبيعية للبلدين مفروض أن ينتصر العقل وينتصر حلم الشعبين في الازدهار والنمو المستديم في فضاء واعد ورحب وخالق للأمن والاستقرار..
أما إذا كانت أوكرانيا غير مهتمّة بالدب الروسيّ فالدبّ مهتمّ جدّاً بأوكرانيا.

او كما قال ليون تروتسكي: «إن لم تكن مهتمّاً بالحرب، فهي مهتمّة بك».

فقدريّة الجغرافيا وثقل التاريخ هما الأساس هذا ما كتبه الرئيس فلاديمير بوتين في مقالة طويلة، جاء فيها أن الشعب الأوكراني والشعب الروسي هما شعب واحد، ولا وجود لما تُسمّى أوكرانيا. هذا مع التذكير قولهم بأن كلمة ( أوكرانيا ) يعود أصلها إلى اللغة البولنديّة، عندما كانت بولندا تحتل قسما كبيرا منها .

وجاء في كتب التاريخ …

أن القيصر كاترين الكبرىوبعد التقسيم الثاني لبولندا في عام 1793، كانت تنظر إلى المكاسب من منظار إثني وديني بحت ... وعليه، كتبت إلى سفير روسيا في بولندا قائلة: لن نحظى بحدود آمنة مع بولندا إلا إذا كانت بولندا في حالة ضعف وعجز كبيرين

واليوم، تشكّل بولندا رأس الحربة الغربيّة لـ«الناتو» والولايات المتحدة، في دعم الجيش الأوكراني لمنع الانتصار الروسيّ … هل يعيد التاريخ تفسه ؟؟؟.
وفي بعض … من التاريخ الروسي القديم ايضا جاء في مقال لحسين شبكشي  : يؤكد لنا فيه أن هذا تماماً هو النهج الروسي الساعي دوماً للتوسع المستمر وبسط النفوذ خارج حدود الجغرافيا التقليدية لروسيا التاريخية، وقد خاضت روسيا عبر السنوات المختلفة حروباً بدواعٍ دينية تارة ودواعٍ اقتصادية تارة أخرى ولأسباب سياسية تارات ثالثة، كان الغرض منها توسيع نطاق نفوذها الجغرافي وضم ما تستطيع ضمه من أراضٍ إليها، وكان أكبر دليل على صدق هذه المقولة ما قام به جوزيف ستالين نفسه خلال حقبة حكمه التوسعية، وبالتالي إذا علمنا التاريخ درساً أو شيئاً من الممكن الاستفادة منه، يعلمنا أن طباع الشعوب والأمم لا تتغير بسهولة، وأن الطبع التوسعي للعقيدة الروسية كان سيستمر في كل الأحوال، كما أثبتت لنا الأيام اقتطاعه أجزاءً من بولندا وجورجيا وأوكرانيا، بالإضافة لأقاليم أخرى داخل روسيا التاريخية نفسها لا تزال فيها شبهة الاحتلال.

وهذا يذكرنيا ما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي  ” جون فيتزجيرالد كينيدي الشهير مُخاطباً الكنديين أمام مجلس الشيوخ الكندي يوم 17 مايو (أيار) 1961 «لقد حتَّمت علينا الجغرافيا أن نكون جيراناًوأرادنا التاريخ أصدقاءوأصبحنا بحكم الاقتصاد شركاءوشاءت الضرورة أن نصير حلفاء... من جمعتهم الطبيعة هكذا لا يمكن لأي كان أن يُفَرِّق بينهم ».

ما اجمل هذه  الجيرة … والعشرة الطيبة … ربما نسترجع هذه المقولة   التي تنطبق إلى حد كبير اليوم على روسيا واكورانيا … حيث يتقاسما ليس فقط تاريخاً طويلاً وحافلاً من الأخذ والرد والكرِّ والفرّْ، و حدود مشتركة وإطلالاتهم على بحار مختلفة من أهم المناطق البحرية في العالم التي تعرف نشاطاً لا يكل من التجارة والملاحة .

كما يميز العلاقة بين روسيا واكرانيا هو أن عامل الزمن (أي صيرورة التاريخ) حين يضاف إلى الجغرافيا يخلق قَدَراً (كما يقول الشاعر الروسي جوزيف برودسكي) أي الزمن الذي يتجاوز الأجيال نحو مصير الأمم على المدى التاريخي الطويل

إذا كان التاريخ بمعناه الهيغلي هو صيرورة وحركة ذكية نحو وضع أو شرط جديد، ألا وهو «الحرية الإنسانية» (دروس في فلسفة التاريخ) 1837، فإن قوة الجغرافيا هي في إعطاء بعد ايكولوجي وثقافي وسياسي للقرب والامتداد الجيو-استراتيجي.

عودة إلى المربع الأول :

في أوكرانيا مباشرة فالوضع الميداني … ليس بالمفهوم العسكري الضيق إنما في بعده الإسترتيجي وابعاده الساسية …   في محاولة لتقييم ما يحصل، وإلقاء نظرة على صورة المرحلة القادمة، من ضمن المعادلة الذهبيّة الثابتة التي تقول لا يجب التركيز :

على الأهداف الموضوعة من قبل طرف مابل يجب التركيز على التقييدات والموانع التي تعيق هذا الطرف عن تحقيق أهدافهلننظر إلى التطبيق على الأرض الأوكرانيّة:.
أراد الرئيس بوتين كلّ شيء، وقد لا يحصل على شيء. بمعنى أنه لن يكون قادراً على قياس نجاحه العسكري في أي منطقة من أوكرانيا

بكلام آخرإذا لم يستطع الرئيس بوتين تحويل المكسب العسكري إلى مكسب سياسيأي اعتراف الآخر له به، فهو لن يكون قادراً على فكّ الحبال الغربيّة التي بدأت تُضيّق الخناق عليه، اللهم إلا إذا ذهب إلى غير المعقول … والله يستر ….

قريبا … القرم حكاية اكثر من أن تحكى .

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى