أقلام وأراء

الذكرى العشرين لهجمات سبتمبر من إرهاب الخارج إلى إرهاب الداخل

هشام ملحم *- 14/9/2021

من بين جميع الخطب التي ألقيت في الذكرى العشرين لهجمات سبتمبر الإرهابية، وحده كان خطاب الرئيس الأسبق جورج بوش الابن الأكثر شجاعة وحكمة وصدقية. خطاب بوش الذي ألقاه في شانكسفيل، بولاية بنسلفانيا في الموقع الذي سقطت فيه الطائرة الرابعة بعد مقاومة المسافرين للخاطفين، كان مباشرا ودقيقا وصريحا حين ربط بين دموية وتطرف إرهابيي تنظيم القاعدة في ذلك اليوم المشمس والجميل في 11 سبتمبر 2001، وبين دموية وتطرف الإرهابيين الأميركيين الذين اجتاحوا مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، في محاولة سافرة لتقويض الديمقراطية الأميركية.

المفارقة أن إرهابيي تنظيم القاعدة أخفقوا في استخدام الطائرة لتدمير مبنى الكابيتول، بينما نجح إرهابيو الداخل باجتياح المبنى وحاولوا “اصطياد” رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وطالبوا برأس نائب الرئيس مايك بنس، واعتدوا بالضرب على أفراد الشرطة وجرحوا العشرات منهم. لم يتجرأ أي مسؤول حالي أو سابق، قبل الرئيس بوش الابن، على أن يربط ولو ضمنا بين إرهاب الحادي عشر من سبتمبر، وإرهاب السادس من يناير، رغم أن بينهما عشرين سنة.

قبل عشرين سنة ردت الولايات المتحدة بسرعة وبعنف على الهجمات التي قتلت حوالي 3 آلاف مدني، أكثريتهم العظمى من الأميركيين، لكن الضحايا أتوا من 90 دولة. وسارعت القوات الأميركية بغزو أفغانستان لمعاقبة تنظيم القاعدة والإطاحة بنظام طالبان الذي وفّر للقاعدة الملجأ، ولكن الرئيس بوش عدّل من هذه الأهداف وأضاف إليها رغبته ببناء دولة حديثة في أفغانستان.

ولاحقا، في 2003 غزت الولايات المتحدة العراق للتخلص من أسلحة دمار شامل لم تكن موجودة في الترسانة العراقية، ولجلب الديمقراطية ومؤسساتها إلى العراق تحت شعار “أجندة الحرية” التي نادى بها بوش الابن. بين بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبداية العقد الثالث منه، وجدت الولايات المتحدة أن عليها إنقاذ نظامها الديمقراطي، ولكن هذه المرة من خطر إرهابيين أميركيين يعيشون بيننا ويتحدثون لغتنا ويدعّون Hن ما يفعلونه هو لخدمة الدستور والبلاد.

وقال بوش: “لا يوجد هناك تداخل ثقافي يذكر بين المتطرفين العنيفين في الخارج والمتطرفين العنيفين في الوطن”، وأضاف “ولكن احتقارهم للتعددية، واستخفافهم بالحياة الإنسانية، وفي تصميمهم على انتهاك الرموز الوطنية، فإنهم أطفال متحدرون من الروح الكريهة ذاتها، ولذلك فإن واجبنا يدعونا لأن نتصدى لهم”.

أهمية تشخيص بوش لخطر الإرهاب الداخلي لا تكمن في أنه رئيس سابق، ولكن لأنه رئيس جمهوري سابق، لم يتردد في انتقاد الرئيس الجمهوري الذي احتل البيت الأبيض بعده، لأنه شجع هذه الظاهرة الارهابية الداخلية.

الرئيس جو بايدن، الذي تفادى إلقاء أي خطاب في أي من المناطق الثلاثة التي تعرضت للهجمات الإرهابية لكي لا يستأثر بالأضواء الإعلامية، رحّب بخطاب بوش “الجيد للغاية” مشيدا بتركيز بوش على القيم الأميركية التي تنبذ ما يريده إرهابيو الخارج والداخل.

خلال الانسحاب الأميركي المضطرب من أفغانستان وسقوط الحكومة الأفغانية، وحتى خلال عملية إجلاء الرعايا من مطار كابل، التي أحاطت بها الفوضى والعنف، أعرب المتطرفون ودعاة تفوق العنصر الأبيض في الولايات المتحدة عن إعجابهم بالنجاح السريع الذي حققته حركة طالبان، ورأوا في ذلك مثالا يحتذى به في الولايات المتحدة وكنموذج لأولئك الذين يتوقعون أو يؤيدون زج الولايات المتحدة في حرب أهلية، كما قال جون كوهين، مدير قسم الاستخبارات والتحليل في وزارة الأمن الوطني وفقا لشبكة “سي إن إن”.

المتطرفون والعنصريون ركزوا في حواراتهم عبر وسائل الاتصال الاجتماعي على أن نجاح مقاتلي طالبان بأسلحتهم غير المتطورة في هزيمة نظام تؤيده الولايات المتحدة يعود إلى تعلق هؤلاء المقاتلين بوطنهم واستعدادهم للتضحية من أجله، وأن هذا النموذج هو الذي يضمن الانتصار لهم في الداخل الأميركي.

ويحذر المسؤولون الأمنيون في الولايات حتى قبل اجتياح الكابيتول في يناير الماضي، من أن “الخطر الأكبر” الذي تواجهه الولايات المتحدة الآن هو من قوى التطرف العنيف داخل البلاد، كما قال وزير الأمن الوطني أليهاندرو مايوركاس خلال جلسة استماع في الكونغرس. وكان مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) كريستوفر راي قد أدلى بمواقف مماثلة في السنتين الماضيتين.

وخلال السنوات القليلة الماضية كان هناك ارتفاع ملحوظ في عدد الهجمات والأعمال الإرهابية التي شنها أفراد أو جماعات وميليشيات يمينية متطرفة نازية أو تؤمن بتفوق العنصر الأبيض، أدت إلى قتل وجرح العشرات من المدنيين. وفي سنة 2019 أدى الإرهاب الداخلي إلى مقتل 48 أميركي، معظمهم على أيدي المتطرفين البيض. مع حلول شهر مارس الماضي وصل عدد التحقيقات في أعمال العنف المتطرف في الولايات المتحدة إلى أكثر من ألفين، أي حوالي ضعف عدد التحقيقات في سنة 2017.

إحصائيات السنة الراهنة حول أعمال التطرف الداخلي، في أعقاب اجتياح الكابيتول ومضاعفاته سوف تكون أضعاف إحصائيات السنوات الماضية. التبريرات التي استخدمها بعض المشرعين الجمهوريين لاجتياح الكابيتول ومحاولة التخفيف من خطورته وأهميته، تهدف من جملة ما تهدف إليه إلى “تطبيع” او حتى “شرعنة” مثل هذا العنف .

الأسباب التي ساهمت في خلق هذا التطرف الداخلي، مثل انحسار الثقة بالمؤسسات الحكومية، والهجرة من الدول الأفريقية وأميركا اللاتينية والمسلمة، وخوف شريحة متنامية من المواطنين البيض من أن هذه الهجرة تهدف الى “استبدالهم”، واستمرار تداول كذبة سرقة الانتخابات من دونالد ترامب، هذه الأسباب باقية ولن تختفي في أي وقت قريب. وهذا يعني أن الجماعات المتطرفة سوف تجد جنودا مستعدون لمواصلة الحرب ضد ما يعتبرونه النخب السياسية والاقتصادية التي تؤمن بالعولمة على حساب ما يسمونه القومية الأميركية التي تعني قومية المتحدرين من أصول أوروبية بيضاء، التي لخصها الرئيس السابق دونالد ترامب بشعار “أميركا أولا”.

هذه الجماعات المتطرفة سوف تستفيد من استمرار الانقسامات والاستقطابات السياسية والثقافية المتفاقمة في البلاد، التي ستزداد حدة مع اقتراب الانتخابات النصفية في نوفمبر 2022، وقطعا في انتخابات الرئاسة المقبلة في 2024. احتمالات حدوث أعمال عنف من قبل الجماعات والميليشيات الأميركية المتطرفة سوف تزداد كثيرا إذا خسر المرشحون الجمهوريون الانتخابات وقرروا الطعن بصدقيتها واتهام خصومهم بتزويرها، كما حدث خلال الأسابيع والأيام التي سبقت اجتياح الكابيتول حين تحولت كذبة سرقة الانتخابات الرئاسية من ترامب إلى فعل إيمان لا يقبل النقاش أو الطعن. هذا الإيمان الأعمى بكذبة ترامب، كان من أهم الاسباب التي أدت إلى اجتياح الكابيتول.

*كاتب وصحفي يغطي الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط ، زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى