ترجمات عبرية

معاريف: الحلف غير المكتوب مع حماس: إستراتيجية نتنياهو لتخليد الانقسام بين الضفة وغزة أثبتت فشلها

معاريف 19-5-2023، بقلم: حاييم رامون*: الحلف غير المكتوب مع حماس: إستراتيجية نتنياهو لتخليد الانقسام بين الضفة وغزة أثبتت فشلها

في أيام حملة “درع ورمح” تباكى معظم المحللين في الأستوديوهات وصفحات الجرائد بمرارة لحقيقة أنه ليس لحكومة نتنياهو إستراتيجية بالنسبة لقطاع غزة. وبالفعل، عندي مفاجأة لكم. لكل حكومات إسرائيل منذ 2009 توجد إستراتيجية وحيدة واضحة تجاه قطاع غزة. لهذه الإستراتيجية ثلاثة شركاء هم رؤساء الوزراء، بنيامين نتنياهو، ونفتالي بينيت، ويائير لابيد، وستة وزراء دفاع (إيهود باراك، وموشيه يعلون، وأفيغدور ليبرمان، ونفتالي بينيت، وبيني غانتس، ويوآف غالنت)، وجملة رؤساء أحزاب مشاركة في الائتلاف (تسيبي ليفني، وميراف ميخائيلي، ونيتسان هوروفيتس مثلاً). باختصار كل الساحة السياسية من “ميرتس” وحتى “الصهيونية الدينية” تؤيد تلك الإستراتيجية – إجماع واسع حقيقي!

وما هي تلك الإستراتيجية التي تعود إلى 14 سنة، وأفلتت من عمل المحللين؟ بالفعل، منذ أن عاد إلى الحكم في العام 2009 عقد نتنياهو حلفاً غير مكتوب مع “حماس”. لهذا الحلف هدف واحد: الحفاظ على الانقسام بين “حماس” في قطاع غزة وبين السلطة الفلسطينية والحفاظ على الوضع الراهن السياسي. الكابوس الأكبر لليمين في إسرائيل هو أن تنهار “حماس”، وتعود السلطة الفلسطينية لتسيطر من جديد على قطاع غزة. وقد أجاد في وصف ذلك وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، منذ العام 2015، في مقابلة مع قناة الكنيست: “السلطة الفلسطينية عبء، و’حماس’ ذخر”.

في حديث خاص أجريته مع مسؤول كبير في الحكومة أثناء الحملة قال لي: “من المحظور بأي حال أن تعود السلطة إلى الحكم في غزة حتى بثمن الحفاظ على حكم حماس”. لكل المتشككين الذين يصعب عليهم تصديق ذلك، بودي أن أقتبس عن نتنياهو نفسه، الذي قال في لقاء مغلق أجراه في 11 آذار 2019 مع رجال “الليكود”: “إن نقل المال جزء من الإستراتيجية للفصل بين الفلسطينيين في غزة والضفة. كل من يعارض إقامة دولة فلسطينية يجب أن يؤيد نقل الأموال من قطر إلى ‘حماس’، هكذا نحبط إقامة دولة فلسطينية” (أقوال اقتبست في “جيروسالم بوست”). شهادة من صاحب حكم هي كمئة شاهد.

إذا تبقى لأحد ما شك، فسأقتبس أيضاً من أقوال اللواء احتياط غيرشون هكوهن، رجل اليمين الصرف والمقرب من رئيس الوزراء: “يجب قول الحقيقة: إستراتيجية نتنياهو هي منع خيار الدولتين، ولهذا فقد جعل ‘حماس’ شريكه الأقرب. بالبعد العلني ‘حماس’ عدو، وبالبعد الخفي هي حليف” (من مقابلة في أستوديو “واي نت”).

ثمن هذا المفهوم كلنا ندفعه، وأساساً يدفعه سكان الجنوب. منذ 2009 بلغ عدد قتلى أعمال “حماس” من غزة قرابة مئة. استثمرت دولة إسرائيل (وتواصل استثمار) مليارات الشواكل كي تحمي نفسها من منظمة “إرهاب”. منذ 2009 جرت تسع جولات من المواجهات مع “حماس” و”الجهاد الإسلامي”. بعد كل جولة تباهى رؤساء الوزراء ووزراء الدفاع بأن منظمات “الإرهاب” “تلقت ضربة قاضية وهزمت”. انظروا العجب: بعد فترة قصيرة تنتعش “حماس” و”الجهاد”، مثل طائر الرماد، ويعودون إلى عادتهم ويطلقون الصواريخ والمقذوفات الصاروخية على سكان إسرائيل عامة، وعلى سكان غلاف غزة خاصة.

عطلت هذه الجولات القتالية حياة ملايين المواطنين. في الحملة الأخيرة أقام نحو مليون نسمة في المجالات المحصنة. تشوشت الحياة في جنوب البلاد تماماً. ليس هذا فقط بل إن “حماس”، “ذخر” سموتريتش ونتنياهو، لا تكتفي بتنغيص حياة سكان الجنوب وتعمل على نشر الموت، والدمار، والكراهية في كل أرجاء البلاد، بل تقف “حماس” خلف عمليات “الإرهاب” التي تتم في الضفة، وتعمل قنوات الإعلام الرسمية لديها بتحريض حاد ومنهجي ضد إسرائيل وكذا تتفجر الشبكات الاجتماعية بالأقوال الغليظة التي تنشرها المنظمة. كل عملية “إرهاب” يقتل فيها يهود إنجاز في نظر “الحليف” الحمساوي.

منذ 2019 توثق الحلف الخفي بين إسرائيل وبين “حماس” أكثر فأكثر. أثناء حملة “حزام أسود” في 2019، وحملة “بزوغ الفجر” في 2022، وحملة “درع ورمح” التي جرت، مؤخراً، وجهت الهجمات الإسرائيلية فقط وحصرياً ضد “الجهاد الإسلامي”، رغم أن إطلاق الصواريخ من نشطاء “الجهاد” تم بإذن من “حماس” وبناء على رأيها. تجدر الإشارة إلى أن حملة “بزوغ الفجر” في 2022 خاضتها الحكومة برئاسة بينيت ولابيد وأدارها وزير الدفاع غانتس. بمعنى أن حكومة التغيير تبنت سياسة نتنياهو تجاه قطاع غزة بشكل مطلق. فلأجل الدفع قدماً بالضم بحكم الأمر الواقع للضفة، هم مستعدون لأن يضحوا بسلامة وأمن سكان الجنوب. ادعائي الوحيد تجاههم هو أنهم لا يعلنون على رؤوس الأشهاد: هذه سياستنا. لكن سلوك المعارضة لا أفهمه. من الغريب في نظري أن تتبنى قيادة المعارضة، عملياً، سياسة نتنياهو تجاه قطاع غزة – سياسة تتعارض وفكرة حل سياسي هدفه الانفصال عن الفلسطينيين (أي حل الدولتين).

قال غادي آيزنكوت، وهو اليوم من قادة المعسكر الرسمي، ذات مرة: إن “تعزيز حماس في قطاع غزة خطأ إستراتيجي جسيم. علينا أن نضع حداً لحكمها في قطاع غزة، وأن نعمل على أن يدير القطاع جسم معتدل. يمكن لهذا أن يكون فقط السلطة الفلسطينية التي وقّعت إسرائيل معها على اتفاق (في مقابلة مع “يديعوت أحرونوت”). كل ما تبقى هو أن نسأل: أين اختفيتما يا غانتس وآيزنكوت؟ (من لابيد لا يوجد لدي توقعات). لماذا لا تنهضان وتعرضان بديلاً بروح تصريحات آيزنكوت بدلاً من الحديث بشعارات فارغة المضمون؟ قبل الانتخابات 2019 توجهت إلى أحد رؤساء الأركان السابقين ممن وقفوا في حينه على رأس “أزرق أبيض”، واقترحت عليه أن يكشف لسكان الجنوب إستراتيجية الانقسام التي من أجلها ضحى نتنياهو بسلامتهم وأمنهم. عاد إليّ وقال: إن إستراتيجيتهم هي “فقط لا بيبي” ليس إلا. لأسفي يبدو أن الأمر لم يتغير منذئذ، وتواصل المعارضة التركيز “فقط لا بيبي” (بينما عملياً هم يتبنون إستراتيجية بيبي كريه نفوسهم). نتيجة لذلك، فإن أي جهة في الساحة السياسية لا تقترح اليوم أي بديل لإستراتيجية الانقسام التي وضعها نتنياهو واليمين، سلوك يخلد الوضع القائم وسيؤدي في نهاية الأمر إلى خلق دولة ثنائية القومية.

 

* سياسي إسرائيلي من أصل أوكراني، انتخب لعضوية الكنيست عدة مرات عن حزب العمل. تولى منصب وزير الصحة بين العامين 1992 و1994، ترأس بعدها “الهستدروت” ثم عاد للحكومة الإسرائيلية وزيراً للداخلية لمدة سنة واحدة.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى