أقلام وأراء

الحبيب الأسود: واشنطن تمارس ضغوطا مباشرة وغير مباشرة لإخراج فاغنر من ليبيا

الحبيب الأسود 15-4-2023: واشنطن تمارس ضغوطا مباشرة وغير مباشرة لإخراج فاغنر من ليبيا

تشترط الولايات المتحدة إخراج قوات فاغنر من ليبيا كخطوة مهمة لتحقيق السلام، ولا تربط خروج المقاتلين الروس ببقية المرتزقة المنتشرين في البلاد، وهي تمارس ضغوطا مباشرة وأخرى غير مباشرة لتحقيق ذلك ولتحجيم النفوذ الروسي في أفريقيا، لكن الجيش الليبي لا يبدي أي تجاوب مع مطالبها خاصة بعد فقدانه الثقة بوعودها وعودة المخاوف من تعزيز حضور الإسلام السياسي في ليبيا.

لا يكاد يخلو اجتماع سياسي أو عسكري أو أمني في ليبيا من ذكر مرتزقة فاغنر الناشطين في مناطق سيطرة قوات المشير خليفة حفتر. وخلال الأسابيع الماضية تعددت زيارة مسؤولين وسفراء غربيين إلى “الرجمة” في بنغازي حيث مقر قيادة الجيش لطرح الموضوع على المشير حفتر، فقضية المسلحين الروس أصبحت مصيرية لدى العواصم الغربية المتحالفة مع بعضها البعض في مواجهة مفتوحة مع موسكو.

والإثنين الماضي دعت السفارة الأميركية في ليبيا إلى طرد جميع القوات الأجنبية، ومن بينها مجموعة فاغنر الروسية المسلحة التي وصفتها بأنها “منظمة إجرامية” عابرة للحدود، وطالبت بخروجها بشكل عاجل مع جميع القوات الأجنبية من البلاد.

وكانت تقارير أميركية قالت إن إدارة الرئيس جو بايدن تعمل منذ أشهر مع القوى الإقليمية للضغط على القادة العسكريين في ليبيا لإنهاء علاقاتهم مع الجماعة، وهو ما تأكد من خلال الزيارات السرية والمعلنة لمسؤولين سياسيين وعسكريين أميركيين إلى بنغازي بهدف إقناع المشير خليفة حفتر بضرورة طرد المسلحين الروس في أقرب وقت ممكن، واعتبار ذلك جزءا من شروط الحل السياسي وتوحيد المؤسسة العسكرية.

وفي مارس الماضي ناقشت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف مع حفتر أهمية حماية سيادة ليبيا من خلال إجبار جميع المقاتلين والقوات والمرتزقة الأجانب على مغادرة البلاد، وأشارت إلى تصنيف فاغنر كمنظمة إجرامية عابرة للحدود، مشددة على دورها المزعزع للاستقرار والانتهازي في ليبيا والمنطقة.

وقبل ذلك اجتمع مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز مع قائد الجيش، دون الإعلان عن أسباب وتفاصيل زيارته النادرة التي شملت كذلك العاصمة طرابلس، لكن مراقبين محليين أوضحوا أن ثلاثة عناصر سيطرت على المحادثات التي جرت بين بيرنز وقائد الجيش، وهي النفط والانتخابات وقوات فاغنر الروسية التي تصر واشنطن على ضرورة إجلائها من الأراضي الليبية قبل تحديد موعد الانتخابات، ودون ربطها بمصير بقية القوات الأجنبية والمرتزقة من الجنسيات الأخرى.

ووفق المؤشرات الموضوعية، من الصعب أن يتخلى حفتر عن حلفائه الروس بعد تجاربه المريرة مع الطرف الأميركي الذي كان له دور كبير في إخراج قواته من طرابلس وفي دعم التدخل العسكري التركي، فالثقة بالأميركيين تبدو مفقودة، وإخراج الروس من ليبيا يعني سيطرة الولايات المتحدة على البلاد بما يعني ذلك من دعم للإسلام السياسي ومعاداة معلنة لدور الجيش وقادته في الشأن السياسي.

وتتزامن الضغوط الأميركية المباشرة مع ضغوط غير مباشرة من خلال اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” والتقارب الحاصل بين القادة العسكريين وأمراء الحرب وبعض قادة الميليشيات في اجتماعات تونس وطرابلس وبنغازي والتي ترعاها الأمم المتحدة وتشارك فيها واشنطن بحضور مؤثر، وتم خلالها التشديد على دعم الجهود المبذولة لإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب.

لكن رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، الذي وصف اللقاءات العسكرية التي تشرف عليها البعثة الأممية بأنها خطوة في إطار توحيد مؤسسة الجيش والمؤسسات الأمنية، فاجأ المراقبين بقوله “لا أعتقد أن قادة المؤسسات الأمنية والجيش ولجنة ‘5+5’ عندهم رغبة ضمنية في زج أبنائنا في أتون حرب ضد فاغنر”، في إشارة إلى مسلحي الشركة الروسية الخاصة.

من جانبه اعتبر عضو مجلس الدولة الاستشاري وعضو المؤتمر العام منذ عام 2012 سعد بن شرادة أن تصريحات المبعوث الأممي عبدالله باتيلي الأخيرة حول ربط مبادرته بتوافقات مجلسيْ النواب والأعلى للدولة ما هي إلا مراوغة سياسية، وحتى إن خرج المجلسان بالقوانين الانتخابية فالبعثة الأممية لن تعمل إلا على إرباك المشهد، مبرزا أن البعثة تسعى من وراء اجتماعات لجنة “5+5” وبدعم أميركي إلى حرب ضد مرتزقة فاغنر الروسية، ولا تسعى إلى توحيد المؤسّسة العسكرية كما جاء في بيانها، ولا إلى تأمين الانتخابات كما يقال.

ولا يستبعد بعض المتابعين للشأن الليبي أن تحاول القوى الليبية المرتبطة بواشنطن والغرب استعمال القوة ضد المسلحين الروس، لكن ذلك قد يزيد تأزيم الموقف.

وبحسب دراسة نشرها المجلس الأطلسي للأبحاث والدراسات، فإن إحدى الساحات التي تعطيها واشنطن الآن الأولوية كجزء من هذا الجهد الحثيث هي ليبيا، حيث يتم إسقاط نفوذ روسيا بشكل أساسي من خلال مجموعة فاغنر التي تعمل كأداة السياسة الخارجية الخفية للكرملين، مما أدى إلى توسيع نطاق وجودها بشكل كبير في البلاد. ورأى صاحب الدراسة عماد الدين بادي أن قمع نفوذ فاغنر في ليبيا سيكون تحديا، حيث يجب على الولايات المتحدة معالجة الحقائق الليبية وتوحيد أوروبا والقوى الإقليمية لدعم مسعى سياستها الخارجية.

كما اعتبر أن الهجوم العسكري لإزالة فاغنر، وهو احتمال غير مرجح بالفعل، هو أقل جاذبية، حيث يمكن أن تصبح البنية التحتية النفطية الحيوية أضرارا جانبية للهجوم العسكري. وعلاوة على ذلك فإن قرب روسيا من المنشآت النفطية يسمح لها بإبراز الرواية القائلة بأن المجموعة يمكن أن تُهدد بشكل مستقل إمدادات النفط الأوروبية، في حين أن هذا السيناريو غير مرجح. فقد ساهم التهديد المتصور في التسامح الأوروبي السلبي مع وجود فاغنر في شرق وجنوب ليبيا، على المستوى الخاص، وعقلنة دول الاتحاد الأوروبي هذا التقاعس باعتباره براغماتية، حيث ينظر إلى الوجود الروسي، إلى جانب البصمة التركية في غرب ليبيا، على أنهما يحافظان على السلام في ليبيا.

ويضيف بادي أن مجموعة فاغنر في ليبيا ليست مجرد قوة ممسكة ثابتة وغير ممولة، بل هي عقدة نفوذ مركزية مكنت من الناحية اللوجستية من تضخيم النفوذ الروسي في بوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد ومالي والسودان.

ووفق مصادر مطلعة، فإن عدد الخبراء والضباط الروس في ليبيا لا يتجاوز حاليا 800 عنصر، بعد مغادرة 1200 مسلح الأراضي الليبية في اتجاه أوكرانيا للانضمام إلى القوات الروسية هناك، وإن أغلبهم موجودون في قاعدتي الجفرة وبراك الشاطئ الجويتين في جنوب وسط البلاد وفي قاعدة القرضابية بسرت، شمال وسط، وقاعدة الخادم الجوية الواقعة على بعد حوالي 170 كيلومترا شرق بنغازي، بالإضافة إلى المناطق الغنية بالنفط الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني في برقة وفزان.

ولا تنفي موسكو دور فاغنر في ليبيا، حيث كان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد أقر في يونيو الماضي بوجود عناصر من تلك المجموعة في ليبيا، لافتا إلى أن وجودها في ليبيا جاء بدعوة من مجلس النواب الذي كان يتولى المسؤولية السياسية والتشريعية خلال سنوات حرب “فجر ليبيا”، واعتبر أن وجود فاغنر في ليبيا هو “على أساس تجاري”، حيث جرت دعوة الشركة الأمنية الخاصة “من قبل السلطات في طبرق”.

هذا أمر لا يخلو من الحقيقة، فقبل عامين كانت ليبيا محل صراع على النفوذ بين محورين في المنطقة والعالم، أولهما المحور المرتبط بالإسلام السياسي بقيادة تركيا وقطر والثاني هو المحور المتصدي لجماعة الإخوان وحلفائها والذي يتكون بالأساس من الإمارات ومصر ويجد تعاطفا من روسيا التي كانت تقف إلى جانب الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر وترتبط بعلاقات وطيدة مع البرلمان ورئيسه المستشار عقيلة صالح.

ومن الدول التي كانت تدعم سلطات طرابلس والمحور التركي القطري، إيطاليا التي أبدت في مناسبات عدة خشيتها من اتساع نفوذ موسكو في مستعمراتها القديمة. والى جانب ليبيا تنتشر قوات فاغنر في عدد من الدول الأفريقية من بينها أفريقيا الوسطى ومالي وتشاد والصومال والكاميرون والسودان وموزمبيق وغيرها، حيث تتولى تدريب القوات الحكومية ودعمها في محاربة المتشددين والمتمردين، وتمثّل جناحا مسلحا للدبلوماسية الروسية النشطة بقوة في القارة السمراء.

وفي أوائل مارس الماضي قال قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) مايكل لانجلي إنّ أنشطة فاغنر الروسية في ليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى مزعزعة للاستقرار، عبر “تكتيكات وحشية” و”انتهاكات حقوق الإنسان”.

وتابع أنّ رد الولايات المتحدة على اختراق مجموعة فاغنر الروسية يكمن في دعم الدول الأفريقية من خلال نهج شامل، مشيرا إلى أنّهم يعتقدون أنّه بشكل جماعي عبر كل هذه العمليات والاستثمارات والأنشطة، يمكن تحقيق أهداف طويلة الأجل لهذه البلدان.

ويرى محللون أن الحرب في أوكرانيا والمواجهة المفتوحة مع موسكو هما اللتان جعلتا الغرب يركز اهتمامه على نشاط فاغنر في ليبيا وفي أفريقيا التي أصبحت ساحة لمجموعات المرتزقة من دول عدة، ومنها شركتا “كاسي” و”أكاديمي” وهما من بين أكبر الشركات الأمنية الخاصة في الولايات المتحدة، وشركة “سيكوبيكس” الفرنسية وشركة “إيجيس” البريطانية لخدمات الدفاع وشركة “جي فور أس” العملاقة التي تأسست في 1901 بالدنمارك ومقرها الرئيسي بريطانيا، ومجموعة “أوميغا” الأوكرانية و”دايك” الجنوب أفريقية ومجموعة “إكسليس” الألمانية، وغيرها.

ويضيف المحللون أن الضجيج الذي تحدثه العواصم الغربية حول دور فاغنر في ليبيا يقابله تجاهل روسي، وأن الوضع الحالي يحتاج إلى توافقات دولية بين الأطراف المتناقضة، وإلى توافقات محلية تفضي إلى خطة لإجلاء كافة المرتزقة من كافة الجنسيات وإلى توحيد المؤسسة العسكرية بشكل عملي وليس وفق الدعاية السياسية التي يتم اعتمادها في الترويج للحلول الوهمية لصراع لا يزال قائما على مختلف الأصعدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى