أقلام وأراء

الحبيب الأسود: هل تتجه ليبيا إلى تشكيل حكومة جديدة؟

الحبيب الأسود 7-6-2023: هل تتجه ليبيا إلى تشكيل حكومة جديدة؟

كثر الحديث هذه الأيام عن الحاجة إلى تشكيل حكومة انتقالية جديدة في ليبيا تكون قادرة على بسط نفوذها على مختلف أقاليم البلاد وعلى الإشراف على تنظيم انتخابات تعددية وديمقراطية ونزيهة وشفافة مع ضمان الاعتراف بنتائجها من قبل مختلف الفرقاء السياسيين وحاملي السلاح بالإضافة إلى القوى الإقليمية والدولية التي باتت عنصرا أساسيا في تحديد الخيارات السياسية للدولة والمجتمع الليبيين.

إلى حد الآن، يبدو أن ما يدور في المشهد العام في ليبيا أقرب إلى العبث، وأن تشكيل حكومة جديدة سيبقى مجرّد واحد من مسوغات التأجيل المتعمد للاستحقاق الانتخابي، وبالتالي للحل السياسي في البلاد، وأن الأطراف الداخلية الممسكة بمقاليد السلطة سواء في طرابلس أو بنغازي غير مهتمة.

في 31 أغسطس الماضي، أعلنت الولايات المتحدة وفرنسا دعم جهود عبدالله باتيلي لتشكيل حكومة ليبية موحدة تشرف على الانتخابات، وأعرب المبعوثان الخاصان إلى ليبيا الأميركي ريتشارد نورلاند والفرنسي بول سولير خلال لقاء جمع بينهما في تونس عن “دعمهما لجهود باتيلي ودعوته إلى إنشاء حكومة تكنوقراط موحدة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تدعم استقرار ليبيا”، وهو ما يشير إلى تحول واضح في موقف واشنطن بالأساس ومن ورائها باريس، واتجاه لسحب البساط من تحت قدمي رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة.

قبل ذلك، وفي 22 أغسطس، قال باتيلي في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي إن “تشكيل حكومة موحدة يتفق عليها الفاعلون الرئيسيون أمر ضروري لقيادة ليبيا إلى الانتخابات”، وتم النظر إلى ذلك على أنه انقلاب على موقفه السابق الداعي إلى الإبقاء على حكومة الدبيبة بعد إدخال تعديلات عليها بالتوافق مع مجلس النواب وقيادة الجيش. يتوقف المراقبون عند اصطدام المبعوث الأممي بموقف موحد من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفّي وقائد الجيش الجنرال خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح في 20 أغسطس اتفقوا من خلاله على “التأكيد على الملكية الوطنية لأي عمل سياسي وحوار وطني وعدم المشاركة في أي لجان إلا بالإطار الوطني الداخلي دون غيره”، وهو ما يعني رفض أي مبادرة قد تصدر عن أي طرف خارجي.

يبدو واضحا أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية لا تجد أهمية تذكر لدى أغلب الفاعلين السياسيين في ليبيا وخاصة أولئك المتمركزين في صدارة السلطتين التنفيذية والتشريعية. اليوم هناك جهود لتكريس مراكز نفوذ غير قابلة للاختراق سواء في طرابلس أو بنغازي. كما أن مجلس النواب المنتخب في العام 2014 ومجلس الدولة المتكون من فلول المؤتمر الوطني العام المنتخب في 2012 لا يتعاملان مع الموضوع بجدية، وكل مبادراتهما بما فيها لجنة 6+6 كانت تهدف الى كسب المزيد من الوقت.

في أوائل فبراير 2021 انتخب أعضاء الحوار السياسي سلطة تنفيذية جديدة تتولى تهيئة الظروف الملائمة لتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 25 ديسمبر من ذلك العام. أثبت المجتمع الدولي في تلك الأثناء عجزه عن فك شيفرة الواقع السياسي والاجتماعي في البلد الذي يواجه أزمة متعددة الأبعاد منذ العام 2011. وبذل الفرقاء المحليون جهودا استثنائية لقطع الطريق أمام إمكانية تنظيم الاستحقاق. كان واضحا أن من وصفتهم ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك ستيفاني وليامز بديناصورات السياسة، وأكدت أنهم يرفضون التنازل عن الامتيازات التي ينعمون بها دون حسيب أو رقيب، كان أكثر مكرا ودهاء من القوى الحالمة بتجاوز النفق. حتى المهندس الدبيبة تنكّر لتعهده السابق بعدم الترشح في تلك الانتخابات، وأصرّ على خوض سباق المنافسة على كرسي رئيس الدولة مع شخصيات مثيرة للجدل لعل أبرزها على الإطلاق قائد الجيش الجنرال حفتر وابن الزعيم الراحل معمر القذافي سيف الإسلام، وهو ما زاد من تعقيد الأوضاع في الداخل الليبي، واتساع دائرة معطّلي الاستحقاق لتشمل عواصم غربية تبين أنها كانت تخشى أن تفرز صناديق الاقتراع نتائج لا تخدم مصالحها في البلد الذي يحتكم على الثروات الطائلة والمساحة الشاسعة والموقع الإستراتيجي المهم في شمال أفريقيا.

في مارس 2016 وصل فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ليقود ليبيا لمدة أقصاها عام وفق اتفاق الصخيرات المبرم في ديسمبر 2015، وليدير ما تبقى من المرحلة الانتقالية وصولا إلى انتخابات تكرس الحل النهائي، لكن ما حدث أن تلك السلطات استطابت لذة الحكم ودفعت بالبلاد إلى حال من التناحر والفوضى أدت إلى حرب طرابلس التي اندلعت في الرابع من أبريل 2019 بعد أقل من 40 يوما عن تراجع السراج عن اتفاق أبوظبي مع قائد الجيش على إنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات عامّة.

استمر السراج ومجلسه الرئاسي في الحكم لمدة خمس سنوات بدل عامين، وورط البلاد في مشاكل لا حدود لها منها جلب القوات التركية وتمكينها من قاعدة الوطية الجوية والتوقيع مع أردوغان على مذكرتي التفاهم المثيرتين للجدل سواء في ما يتعلق بالتعاون الأمني أو بالمنطقة البحرية الخالصة، وفتح معسكرات المنطقة الغربية لاستقبال الآلاف من المرتزقة السوريين، بالإضافة إلى تعميق حالة الانقسام الحكومي والسياسي والاجتماعي وتسجيل أكبر عمليات السطو على المال العام.

في مارس 2021 ذهب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في حاله وجاء مجلس رئاسي برئاسة محمد المنفيّ وحكومة للوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، ومع فشل كل الأطراف الداخلية والخارجية في تنظيم انتخابات ديسمبر من ذلك العام بدأت تتشكل فكرة عامة مفادها أن لا أحد يريد انتخابات قد لا تخدم مصلحته، فالدبيبة يمثل تيارا سياسيا واقتصاديا ذا أبعاد إقليمية ودولية يتطلع إلى الاستمرار في الحكم إلى ما لا نهاية، والجنرال حفتر يطمح للوصول إلى الرئاسة لتكريس النظام الذي يتجاوب مع نزعته العسكرية، والنظام السابق يسعى بدوره للعودة إلى صدارة المشهد.

في أغسطس الماضي، اضطر الدبيبة إلى إنكار أمرين مهمين للغاية: تأجير ميناء مدينة الخمس من أجل ضمه إلى القاعدة البحرية التركية، ومسؤوليته الشخصية والحكومية على اجتماع روما بين وزيرة خارجيته نجلاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، وإلى محاولة تهميش المواجهات الدموية بين قوة الردع الخاصة بقيادة عبدالرؤوف كارة واللواء 444 قتال بقيادة محمود حمزة، والتي أدت إلى سقوط العشرات من القتلى والمصابين. في الأثناء بينت وليامز أن “النخبة الحاكمة في ليبيا تميل نحو مقايضة سيادة بلادها بثمن بخس”، معتبرة أن “الدول المتدخلة وجدت الباب مفتوحا أمامها بدعوة من قبل الأطراف الليبية المتصارعة”. اليوم أصبحت تلك الدول هي التي تتحكم في مسارات الواقع الليبي بأبعاده السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والإستراتيجية، وكل طرف داخلي يبدي نوعا من الضعف سرعان ما يخرج من المعادلة السياسية كما حدث خلال الفترة الماضية مع فتحي باشاغا وخالد المشري.

هل سيتم الإعلان قريبا عن تشكيل حكومة جديدة في ليبيا؟ هناك فرضية أولى للإجابة عن هذا السؤال تقول إن الدبيبة لن يتخلى عن السلطة بسهولة وهو الذي أكد في مناسبات عدة أنه لن يسلمها إلا لحكومة منتخبة. كما أنه يمتلك آليات نشر الفوضى وفرض سلطة الأمر الواقع بدعم مباشر من الجماعات المسلحة التي يستند إليها وإلى داعميه من تيار الإخوان وأنصار الصادق الغرياني الذي حصل الأسبوع الماضي على صك بأكثر من 50 مليون دينار ليبي تبدو في الظاهر لدعم مشاريع دار الإفتاء، بينما هي في الحقيقة لشراء صمته على ملف لقاء روما وقضية “التطبيع”، وبالطبع فإن الفوضى حل سحري للاستمرار في الحكم كما حدث بالنسبة إلى فايز السراج.

الفرضية الثانية تقول إنه من الممكن تشكيل حكومة جديدة بضغوط دولية وخاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن لا أحد يضمن أنها ستنجح في تنظيم الانتخابات، أو أنها ستكون أقل تمسكا بالحكم من الحكومات السابقة. خصوصا وأن إنتاج النفط مستمر وعائداته لا تنقطع والمساومات والصفقات لا تنتهي سواء من تحت الطاولة أو فوقها. في هذه الحالة قد يكون من الأفضل إبقاء الوضع على ما هو عليه. فحكومة الدبيبة ورغم مساوئها، استطاعت أن تحافظ على السلم الأهلي وأن تجد خطا توافقيا مع قيادة الجيش في بنغازي بعقلية براغماتية تحتاج إليها ليبيا بكل تأكيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى