أقلام وأراء

الحبيب الأسود: هل أزفت ساعة رحيل الدبيبة عن السلطة؟

الحبيب الأسود 16-8-2023: هل أزفت ساعة رحيل الدبيبة عن السلطة؟

ما حدث أول أمس الاثنين يلخص المشهد في طرابلس: رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة يتجه إلى مطار معيتيقة ليستقل من هناك الطائرة نحو مسقط رأسه مدينة مصراتة لحضور استعراض طلبة الكلية العسكرية، مرفقا بعدد من القيادات الميدانية من بينها آمر اللواء 444 التابع لرئاسة أركان المنطقة الغربية محمود حمزة، الذي صعد إلى الطائرة وبدأ في تجاذب الحديث مع الدبيبة حول ملفات ذات علاقة بالوضع الأمني قبل أن يتفاجأ بعناصر من قوة الردع الخاصة يلحقون به لينزلوه بشكل مهين ولينقلوه إلى مقر احتجازه، فيما بقي الدبيبة فاغر الفم وفي حالة اضطراب واستغراب مما دار حوله، ومن تجاهل مسلحي الردع لمحاولاته إقناعهم بإخلاء سبيل حمزة.

أوامر القبض على حمزة صدرت عن آمر قوة الردع عبدالرؤوف كارة وتكفل بتنفيذها القيادي في القوة علي الجابري، أما أسباب الحادثة فهناك من يردها إلى إقدام قوات من اللواء 444 على اعتقال ثلاثة عناصر من قوات الردع في ترهونة، وإلى وجود توافقات بين القيادات العسكرية التركية وعدد من أمراء الحرب في المنطقة الغربية على ضرورة تقليص دوره بعد اتساع دائرة نفوذه وتمدد قواته التي تتكون في أغلبها من عسكريين محترفين كان ينشطون ضمن اللواء التاسع السابق بترهونة.

بعد أقل من ساعة على الحادثة، كانت جميع وحدات اللواء 444 قد دخلت حالة طوارئ عامة، وعاد بعضها على عجل من ترهونة وبني وليد إلى الضواحي الجنوبية لطرابلس، كما تهيأت كتائب الردع للمواجهة التي اندلعت في عدد من مناطق العاصمة واستعملت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ونظر المتابعون إلى المواجهات على أنها تدور بين ميليشيا الردع وقوة عسكرية نظامية في ظل واقع أقل ما يقال عنه إنه يكشف عجز السلطات الحكومية على التحكم في الوضع الأمني، ويفضح الحقيقة التي يحاول الدبيبة التنكر لها، وهي أن لا سلطة فوق سلطة الميليشيات في طرابلس والمنطقة الغربية، وعندما تقرر تلك الميليشيات التمرد أو خوض صراعات دموية أو حتى الانقلاب على المجلس الرئاسي وافتكاك مقاليد السلطة بقوة السلاح، فإنها قادرة على ذلك.

قبل حوالي 30 شهرا، وتحديدا في مارس 2021، تسلم الدبيبة رئاسة حكومة سميت بحكومة الوحدة الوطنية في ظروف غامضة وفي إطار مشوب بشبهات الفساد التي أحاطت بجلسات الحوار السياسي سواء في تونس أو في جنيف، وكان الرهان المبدئي على تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في ديسمبر من نفس العام، وعلى السير نحو توحيد كافة مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسة العسكرية وتحقيق المصالحة الوطنية، ولكن لا شيء من ذلك حدث، وإنما تعمق الانقسام بتحول حكومة الدبيبة إلى سلطة الأمر الواقع المهيمنة على القرار المالي والاقتصادي من خلال وضع اليد على مصرف ليبيا المركزي وعلى آليات الصرف والتحكم في إيرادات النفط والغاز وتوقيع الاعتمادات وتوزيع العقود وفق المصالح الشخصية والفئوية بالإضافة إلى اللعب على حبال التناقضات السياسية والاجتماعية وعلى الخطاب الشعبوي الذي تحول إلى سمة أساسية من سمات ممارسة الحكم في ليبيا.

استطاع الدبيبة أن يضحك على الكثير من الذقون في الداخل والخارج اعتمادا على تنفيذه المحكم للسيناريوهات التي تتم كتابتها خصيصا له ليمثلها بحسب الظروف المتاحة والجمهور المستهدف، فالرجل يحيط نفسه بمتخصصين في إعطاء كل طرف ما يرضيه ويقنعه، وفي الكثير من الأحيان تكاد تفضحه عيونه وهو يوزع الوعود والتعهدات على الفئات الاجتماعية الهشة أو وهو يتحدث عن تمسكه بالعملية السياسية وإصراره على احترام الإرادة الشعبية واستعداده للتضحية من أجل البلاد والعباد.

كان واضحا منذ البداية، وتأكد لاحقا، أن الدبيبة يمثل عددا من اللوبيات المرتبطة بالمسارات المالية والاقتصادية وبصناعة النفط ومحاولات وضع اليد على عقود إعادة الإعمار وعلى الأموال المجمدة في البنوك الغربية، ومن يزور طرابلس حاليا يمكن أن يستشف ما يدور خلف الستار من استغلال للنفوذ في السيطرة على الثروة وتوزيع ريعها على قوى بعينها تمتلك في مخازنها الخاصة من الأموال أكثر مما تحتكم عليها المصارف التجارية، وفي مربع أقرب ما يكون إلى المنطقة الخضراء يدير الدبيبة سلطته في سياق منظومة تجمع بين عدد من ملوك الاعتمادات ورجال الأعمال الفاسدين وأمراء الحرب وقادة الميليشيات والخبراء الوافدين وغيرهم ممن يتعاملون مع ليبيا بمنطق الغنيمة، ويرون أن استمرار الفائدة يحتاج إلى استمرار الوضع على ما هو عليه.

لكن الواقع الذي أحاط به الدبيبة نفسه لا يبدو كافيا لحمايته من عواصف الغضب، سواء من القوى الوطنية التي تدافع عن مبدأ تنظيم انتخابات في أقرب وقت ممكن، أو من الأطراف التي تجد نفسها معزولة عن مسارات توزيع المصالح وغير معنية بالكعكة التي يتم تقاسمها بين المقربين من رئيس الحكومة، وخلال الأيام الماضية بدأت الأصوات ترتفع بالدعوة إلى ضرورة تجاوز المهزلة نحو موقف جدي يضمن تشكيل حكومة جديدة (وليكن رئيسها من مصراتة) قادرة على بسط نفوذها على مختلف مناطق البلاد وعلى التعاون مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في الإشراف على تنظيم الانتخابات في أجل أقصاه ربيع 2024.

بالمقابل، هناك من يرى أن المواجهات الدموية التي شهدتها طرابلس مؤخرا، تم الإعداد لها من قبل الدبيبة وفريقه، وذلك بهدف إقناع المجتمع الدولي بأن البلاد غير جاهزة لأيّ تغيير سياسي وأيّ استحقاقات انتخابية، وهي تحتاج إلى المزيد من التريث ومن إعطاء السلطات الحالية فرصة العمل على توحيد جهودها وتقريب المسافات بينها وتحديد أولويات المرحلة القادمة لإيجاد الحلول الملائمة، لاسيما في ظل التحولات الكبرى في دول الساحل والصحراء المرتبطة بليبيا من حيث الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ والثقافة والتأثيرات الإستراتيجية المباشرة.

كما أن هناك من يرجح أن تكون مواجهات الاثنين مرانا على حرب أوسع بسبب استمرار الأزمة وفشل النخب السياسية في التوصل إلى أبجديات الحل ورغبة من وصفتهم ستيفاني ويليامز بديناصورات السياسة في التمسك بالسلطة وامتيازاتها، ومن بينهم عبدالحميد الدبيبة الذي يقول مقربون منه إنه يحاول في أحيان كثيرة التمثل بشخصية القذافي الذي كان يعرفه عن قرب، وهو يرى أن كل الظروف المحيطة تمنحه فرصة البقاء لأطول فترة ممكنة على كرسي الحكم بمكتبه في طريق السكة، وحتى إذا ما اضطر إلى المغادرة فإنه لن يسلم السلطة إلا لخليفة يكون من نفس جماعته وفئته ومصلحته وجهته.

المؤكد أن قوى وطنية في مصراتة بالأساس حسمت موقفها من الدبيبة وقررت الدفع نحو الإطاحة به في أقرب وقت ممكن، وهي تجد دعما من قوى أخرى في المنطقة الغربية وخاصة في طرابلس والزنتان والزاوية وورشفانة، وربما تجد في أحداث أول أمس الاثنين مبررا إضافيا لموقفها، فحتى الأمن والاستقرار اللذين طالما تحدث عنهما كمكسب ثابت لحكومته تبين أنهما مجرد وهم ليس إلا.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى