أقلام وأراء

الحبيب الأسود: لا جديد في جعبة باتيلي

الحبيب الأسود 14-3-2023: لا جديد في جعبة باتيلي

لا شيء يوحي بأن مبادرة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي يمكن أن تفتح أبواب الحل للأزمة المتفاقمة، حيث إنها تبدو غير ناضجة وغير مكتملة، وأقرب ما تكون إلى ثمرة مرّة لحالة اليأس التي يتخبط فيها المجتمع الدولي إزاء الوضع القائم منذ 12 عاما في البلد العربي الأفريقي المتمدد على 2000 كلم على الضفة الجنوبية للمتوسط.

اعتبر باتيلي أنه لا بد من حوار رفيع بين الجهات الأمنية من أجل التوصل إلى اتفاق لضمان أمن الانتخابات، ولا بد من ضمان حرية تنقل المرشحين خلال الحملة الانتخابية في جميع مناطق ليبيا، لكن هذا الكلام لا يخرج عن دائرة التعبير الإنشائي واستبطان التمنيات دون امتلاك أي أدوات لتفعليها على أرض الواقع، حيث إن أغلب الميليشيات والجماعات المسلحة في المنطقة الغربية مثلا، لا تزال تمارس نفوذها على الأرض تحت شعارات إقصائية لكل من يختلف مع مرجعياتها، سواء كان من أنصار النظام السابق أو من مناصري الجيش الوطني، ولا يمكن لها أن تسمح بترشح من تعتبره مناوئا لمشروعها أو التعريف ببرنامجه الانتخابي في مناطق نفوذها، وهي التي لا تزال تقف بقوة ضد المصالحة الوطنية وعودة النازحين والمهجرين وإطلاق السجناء والأسرى.

أما موضوع مدونة حسن السلوك، فلا علاقة له بطبيعة الصراع القائم على السلطة، وقد كانت مفوضية الانتخابات طرحت في العام 2021 مدونة قواعد السلوك للمرشحين الذين وقعوا عليها بالفعل عند تقديمهم ملفات ترشحهم، ولكن دون جدوى. فالمواجهة الحقيقية تتجاوز الشعارات الأخلاقية، وهو ما تأكد خاصة من خلال تنكر رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة لتعهده في ملتقى الحوار بعدم الترشح للاستحقاق، وقيادته حربا ضروسا انتهت بإلغاء موعد الخامس والعشرين من ديسمبر.

لقد جاء باتيلي بخطوط عريضة لا تختلف عما جاء به سابقوه، وبمجموعة من الاستنتاجات التي يمكن أن تتضمنها الخطابات والتعاليق والتصريحات اليومية لمختلف الأطراف الليبية الداخلية وللمسؤولين في دول الجوار وفي الدول العربية وفي عموم المجتمع الدولي، وهو ما يعني أنه لا يمتلك رؤية مختلفة وجديدة تبنى عليها الأسس المنطقية والعملية للحل، وهي توحيد مؤسسات الدولة انطلاقا من السلطات المركزية وحل الميليشيات وإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة وتوفير الإطار الأمني الملائم لتنظيم انتخابات عامة وشاملة ونزيهة وتحظى نتائجها بالاعتراف والقبول من الجميع.

وإذا كان باتيلي قد حاول التأكيد على أن الحكومات الانتقالية إلى ما لا نهاية لها، والأجسام الشرعية التي انتهت ولاياتها، هي سبب عدم استقرار هذا البلد وإطالة أمد هذا الوضع، والتحذير من أن ذلك لن يؤدي إلا إلى الاضطراب السياسي، والأزمات الاقتصادية، وتقويض سلامة ليبيا ووحدة شعبها، فإن عباراته لم تخرج عن طاحونة الشيء المعتاد. وقبله كانت لستيفاني ويليامز وغسان سلامة ويان كوبيش وغيرهم، مواقف أكثر انتقادا للفاعلين السياسيين في الساحة الليبية، دون أن يفلحوا في تغيير الواقع. لقد بقي عقيلة صالح وخليفة حفتر وخالد المشري وأمراء الحرب وقادة الميليشيات ولصوص المال العام في مواقعهم بينما اضطرت الأمم المتحدة إلى تغيير مبعوثيها في تسع مناسبات، وإلى عقد مؤتمرات وإطلاق مبادرات دون فائدة تذكر.

إلى ذلك، يمكن القول إن باتيلي أراد من خلال خطته أن يضغط على مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لكي يتوافقا على القاعدة الدستورية التي لا تزال حجر عثرة في وجه الاستحقاق، ولكن لا أحد يعلم بالضبط إلى أي حد قد يكون هذا الضغط مجديا، ولا كيف سيضمن جدية المجلسين في التعامل معه، ولا الآليات التي سيتم اعتمادها في الضغط أو في الرد عليها في حال عدم التزامهما بالوعود التي لن يتأخرا في إطلاقها، كما فعلا في مناسبات عدة خلال السنوات الماضية، لاسيما أن بعض الأطراف السياسية الليبية تجيد ألاعيب الخداع والمكر والتضليل وتراهن على النجاح فيها من حيث كسب الوقت بما يساعدها على البقاء في دائرة القرار، وهو ما لا يزال يميز المشهد السياسي منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي.

لا يزال أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتخبون في العام 2012 يشاركون في السلطة التشريعية من خلال ما يسمى بالمجلس الأعلى للدولة الذي كرّسه اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015، ولا يزال مجلس النواب متمسكا بشرعيته رغم أنه منتخب منذ العام 2014، واستمرت حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج في السلطة لمدة خمسة أعوام رغم أنها كانت مكلفة بإدارة الحكم لمدة لا تتجاوز عامين، وعلى طريقها تسير حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة بعد أن تجاوزت عهدتها القانونية وفق اتفاق ملتقى الحوار السياسي للعام 2020.

ووفق التجربة، فإن من يبدون ترحيبا أكبر بالمبادرات الأممية والحلول السياسية المقترحة هم من يعملون أكثر على إفشالها، لاسيما عندما يكونون في مراكز الحكم والقرار السياسي، وهو ما يمكن تفسيره بالرغبة في الحفاظ على امتيازات السلطة في سياق مفهوم الغنيمة الذي ساد في دول الربيع العربي، وأبرزها ليبيا، باعتبارها دولة غنية وتعتمد على اقتصاد الريع والمجتمع الدولي لا يهمه منها سوى تدفق النفط والغاز دون انقطاع، ووضعها لا يختلف عن وضع العراق الذي تمر هذه الأيام الذكرى العشرون على غزوه واحتلاله، ومع ذلك لا يزال نهبا للصوص وشبكات الفساد، فحيثما كان البلد أغنى كان الصراع على حكمه أشرس.

يعتبر تركيز المبعوث الأممي على ضرورة تنظيم الانتخابات في العام الجاري، جزءا من روتين اهتماماته ومفرداته اليومية، بينما لا توجد أي مؤشرات حقيقية على إمكانية توفير الظروف الملائمة للاستحقاق.

هناك الدبيبة الذي يتحرك في اتجاه البقاء في الحكم لسنوات أخرى، وأمراء الحرب وجماعات الإسلام السياسي المتمسكون بعدم تنظيم انتخابات يشارك فيها حفتر أو سيف الإسلام القذافي، والذين يراهنون على عنصر الوقت في تغيير أبجديات الواقع الحالي في شرق البلاد، وهناك المؤثرون الحقيقيون في المشهد الليبي وأصحاب القرار النافذ والسلطة الفعلية سواء من داخل البلاد أو من خارجها، وهم أصحاب الفائدة والمصلحة الأبرز من استمرار الوضع على ما هو عليه، وأعني بهم أثرياء الفوضى وهوامير الاعتمادات وملوك الصفقات والوسطاء والمحتكرين والمضاربين الذين حولوا مراكز التمويل من المصارف إلى شقق في عماراتهم الجديدة بالمدينة القديمة، وهم من لديهم القرار الأخير في كل الملفات المطروحة، ولديهم نظراء في أكثر من منطقة في الداخل وبلد في الخارج.

يضاف إلى هؤلاء أصحاب القرار في بعض العواصم الغربية التي تصرّ على ألا يترشح للمراكز القيادية سوى من يسيرون في فلكها ويتعهدون بخدمة مصالحها، وبخاصة في ظل احتدام الصراع على النفوذ في المنطقة بعد اتساع دائرة الحضور الصيني والحضور الروسي.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى