أقلام وأراء

الحبيب الأسود: لا انتخابات في ليبيا هذا العام

الحبيب الأسود 7-4-2023: لا انتخابات في ليبيا هذا العام

سيكون من الصعب تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في ليبيا خلال العام الجاري. أعتقد أن المبعوث الأممي عبدالله باتيلي بدأ يدرك ذلك ويقف عليه، فالظروف المتشعبة والخيوط المتشابكة ليس من السهل تجاوزها مهما كان حجم الوعود الداخلية والضغوط الدولية. وتنظيم الاستحقاق يحتاج إلى متطلبات جدية لضمان الاعتراف به وبنتائجه من قبل مختلف الفرقاء الداخليين والمتنافسين الإقليميين والدوليين على الشأن الداخلي الليبي.

أول تلك المتطلبات هو توفير القاعدة القانونية والدستورية بعد التوافق عليها بين مجلسي النواب والدولة وفق التعديل الدستوري الثالث الذي صدّقا عليه، ومن خلال اللجنة المشتركة 6+6 المكلفة بإعداد وصياغة قوانين الانتخابات والتي ستجتمع خلال الأيام المقبلة في محاولة جديدة لحل الخلافات القانونية تمهيدا لتحديد إطار زمني واضح لتنظيم العملية الانتخابية.

الأمم المتحدة، وفي سياق مبادرة مبعوثها، أعطت مجلسي النواب والدولة أجلا لا يتجاوز نهاية يونيو القادم للتوافق على قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وإلا فإنه سيتم اللجوء إلى خطة بديلة تحدث عنها باتيلي في أكثر من مناسبة. والمتابعون يدركون أن النقاط الخلافية بين المجلسين لا تزال قائمة، وفي مقدمتها شروط الترشح للاستحقاق الرئاسي حيث يتمسك مجلس الدولة برفض ترشح العسكريين وحاملي الجنسيات المزدوجة، وهو بذلك يعبّر عن إرادة أهم القوى والتيارات الثورية الراديكالية والجهوية الانعزالية والأيديولوجية الإخوانية والسلفية الجهادية والميليشياوية المتشددة التي ترفض وبقوة فسح المجال أمام الجنرال خليفة حفتر للمنافسة على منصب الرئيس.

قد يقول البعض إنه من الممكن التوصل إلى حل لهذه النقطة، ويتمثل في تخلي القادة العسكريين وكبار المسؤولين في الدولة عن وظائفهم قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات، والتعهد بالتخلي عن الجنسية الثانية في حال انتخابهم، وهما بندان كان قد تضمنهما قانون انتخاب الرئيس الصادر عن مجلس النواب في سبتمبر 2021، لكن الخلاف حولهما استمر بسبب فقدان الثقة ليس بين الفرقاء فقط وإنما في القانون وإمكانية تطبيقه، وفي التعهدات وإمكانية احترامها.

ثاني المتطلبات، هو توفير شروط تأمين الاستحقاق الانتخابي، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي بسبب حالة الانقسام السياسي وعدم التوصل إلى توحيد عملي للمؤسستين الأمنية والعسكرية، وعجز الدولة عن احتكار استعمال العنف وامتلاك آلياته. وكان المبعوث الأممي قد طرح ضرورة أن يستطيع كل مرشح التنقل في كل أرجاء البلاد للتعريف ببرنامجه الانتخابي، لكن ذلك يبقى مجرد طموح لا يتحقق إلا إذا تم تحقيق المصالحة الشاملة وحل الميليشيات وإجلاء المرتزقة وجمع السلاح المنفلت وجلوس الفرقاء الأساسيين إلى طاولة حوار واحدة وتوفر النوايا الحسنة، وجميعها شروط قد لا تتوفر في رؤوس الصراع الحالي على السلطة.

قد يقول قائل إن قادة أمنيين من فريقي النزاع وعددا من أمراء الحرب قد اجتمعوا في تونس ثم في طرابلس برعاية أممية وتحت ضغط أميركي مباشر، واتفقوا على الاجتماع قريبا في بنغازي ثم في سرت للإعلان رسميا عن تشكيل القوة العسكرية المشتركة، وتعهدوا بتأمين الانتخابات، وأن هناك خطوات مهمة تم قطعها في تقريب المسافات بين قيادة الجيش في بنغازي وسلطات طرابلس الحكومية والعسكرية، لكن ذلك لا يكفي طالما هناك أطراف تتعمد عرقلة كل الجهود المبذولة لطي صفحة الماضي، وطالما هناك جماعات مسلحة تتحرك بخلفيات عقائدية ومن منطلق مصالح شخصية وحزبية وفئوية وقبلية تسعى لإبقاء الوضع على ما هو عليه إلى ما لا نهاية. والأخطر من ذلك أن الفاعلين السياسيين والميدانيين يمكن أن يتفقوا علنا على تجاوز كل الخلافات وإعطاء كل الضمانات لتأمين الاستحقاق، بينما لكلّ منهم أدواته التي يستطيع تحريكها بإشارات سرية فتفسد جميع ما تم الاتفاق على إصلاحه.

ثالث المتطلبات هو توقف التدخلات الخارجية المباشرة وغير المباشرة، وهو أمر يدخل في خانة المستحيل، فما تشهده البلاد منذ العام 2011 فتحها على جميع رياح التأثيرات الإقليمية والدولية، وجعلها في مهبّ مصالح الدولة الكبرى، لاسيما أن ليبيا ذات الثروات الطبيعية الطائلة تحتل موقعا إستراتيجيا مهما على الضفة الجنوبية للمتوسط وفي شمال أفريقيا المفتوح على مفازات الصحراء الكبرى وأدغال وسط القارة السمراء.

وحاليا تسعى الولايات المتحدة للضغط من أجل أن تفرض سطوتها كاملة على البلاد، وتدفع نحو تنظيم الانتخابات في العام الجاري وفق خياراتها المطروحة، لكن يبقى هاجسها الأول هو طرد عناصر شركة فاغنر الروسية الخاصة من المنطقة الشرقية واستبعاد الروس نهائيا من ليبيا كخطوة أولى على طريق اجتثاث نفوذ موسكو من القارة الأفريقية، مقابل اعتبار القوات التركية المسيطرة على المنطقة الغربية جزءا من قوات الناتو التي تقوم بدورها في خدمة تركيا ولكن كذلك في خدمة مصالح الحلف وهو أمر تقدره واشنطن على الأقل في الظروف الحالية.

يبقى السؤال هنا: هل تقبل واشنطن بوصول مرشح محتمل محسوب على موسكو كالجنرال حفتر أو سيف الإسلام القذافي إلى مرحلة المنافسة على الرئاسة أو الوصول إلى سدتها؟ الجواب البديهي يقول إنها لن تقبل، وقد كانت وراء إلغاء انتخابات 24 ديسمبر 2021 عندما اطلعت على نتائج استطلاعات رأي رجحت فوز ابن الزعيم الراحل، واليوم هناك جهود أميركية وبريطانية لمنعه من الترشح، ولو بتأجيل الاستحقاق الرئاسي إلى أجل غير مسمى والاكتفاء بتنظيم الاستحقاق البرلماني وهو ما يرفضه البرلمان وأهم الفاعلين السياسيين في الداخل وبعض العواصم الإقليمية والدولية، باعتبار أن الانتخابات التشريعية ستعيد إنتاج الأزمة بإحداث انقسامات سياسية واجتماعية قد تكون أعمق مما كانت عليه خلال السنوات الماضية.

هناك الكثير من المؤشرات على أن الانتخابات لن تنتظم في ليبيا هذا العام، وأما الجهود الأممية والوعود الداخلية والخارجية فهي لم تنقطع منذ سنوات، وكانت في كل مرة تفشل في الوصول إلى أهدافها، وهذه المرة لن تكون استثناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى