أقلام وأراء

الحبيب الأسود: حفتر والدبيبة والتقاسم المريح للمصالح

الحبيب الأسود 28-12-2022م: حفتر والدبيبة والتقاسم المريح للمصالح

تستعد ليبيا لاستقبال العام الجديد 2023 في ظل جدل واسع وسجال حاد حول نفس الملفات العالقة منذ 2021، وهي إيجاد القاعدة الدستورية لضمان تنظيم الانتخابات التعددية ومغادرة الفترة الانتقالية عبر تحقيق المصالحة الوطنية وتوفير الإطار المناسب لحل الميليشيات وجمع السلاح المنفلت وتوحيد المؤسسة العسكرية، فيما يبدو أن أحسن مثل ينطبق على الوضع العام في البلاد هو ذلك القائل “من سبق أكل النبق”، حيث أن من أمسك بسلطة بات حريصا على عدم التفريط فيها، ومن وضع يده على مصلحة بات يرى أن دونها الموت.

وسواء في غرب البلاد أو في شرقها فإن هناك من يرون أن البلاد غنيمة لمن بسط عليها نفوذه، ورزق لمن يرعاه، وإرث لمن يصونه، حتى أن القارئ الواقعي للأحداث ومجريات الأمور يدرك أن الحرب الحقيقية في البلاد لم تكن، ولن تكون، من أجل الحرية ولا الديمقراطية ولا من أجل سيادة الدولة وإرادة الشعب، وإنما من أجل الثروة التي تتدفق إيراداتها دون عناء مع صباح كل يوم جديد، ولا يملك حق التصرف فيها إلا من لديه سلطة القرار السياسي أو سلطة السلاح.

قبل أيام، اختار رئيس سلطة الأمر الواقع في طرابلس، إحياء ذكرى الاستقلال ومرور عام على إلغاء الاستحقاق الانتخابي، بحفل “صانعي المحتوى” الذي تم ربطه باختتام تظاهرة طرابلس عاصمة الإعلام العربي، حيث دعت حكومته عددا من نجوم الفن ومشاهير التواصل الاجتماعي ممن خصصت لهم طائرات خاصة لاستقدامهم إلى العاصمة، وتم الترويج لمبالغ ضخمة حصلوا عليها في ترجمة واقعية لظاهرة الفساد، حيث لا يحصل المدعوّ إلا على ربع أو خمس ما يمضي عليه أو ينسب إليه، كما هو الحال في أغلب مجالات الخدمة بالوزارات والمؤسسات النشطة في المنطقة الغربية.

كان عبدالحميد الدبيبة يبتسم للكاميرا وهو يتقدم الحاضرين للاستمتاع بالفقرات الغنائية للتونسي صابر الرباعي والمصرية أنغام، فيما كان هناك من ينشر مزاعم عن اتجاه قائد الجيش المشير خليفة حفتر للإعلان عن قرارات مهمة منها الانفصال عن السلطة المركزية بالعاصمة وغلق الحقول والموانئ النفطية، وبعد انتظار قلق جاءت ساعة الحسم عند زوال السبت لتؤكد أن الموضوع يتعلق بتكرار لتحذيرات سابقة، على أساس أنه سيمنح للطرف المقابل فرصة أخيرة لإجراء الانتخابات.

هل اختارت سلطات شرق ليبيا الانكماش والاستكانة والقبول بالوضع على ما هو عليه؟ الجواب سيكون أقرب إلى التأكيد على أن الأمر بات يتعلق بتقاسم النفوذ والمصالح بغطاء إقليمي وقبول دولي إلى حين التوصل إلى حل مناسب للأزمة التي لا تزال تراوح مكانها، فقط بالنسبة إلى الشعب المحروم والمكلوم والمأزوم.

ليس من السهل على الكثيرين مجرد أن يتخيلوا السفير التركي وهو يتجول في شارع فينيسيا ببنغازي، تحت حراسة الجيش الذي كانت مسيّرات رجب طيب أردوغان تطارد قادته وجنوده في المنطقة الغربية وتقتل وتصيب منهم أعدادا، وتأتي بالآلاف من المرتزقة من شمال سوريا لتحصّن بهم سلطة الميليشيات في طرابلس.

وليس من اليسير أن يتفهم البعض معنى أن يجلس صدام حفتر المؤتمن الأبرز على سلطة والده، في مجلس أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأن يتجاذب أطراف الحديث مع كبار المسؤولين في الدوحة، وهو الذي كان عضوا في وفد يقوده رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وتعامل معه القطريون على أنه رئيس الوفد نظرا لأنه صاحب ممثل الجنرال خليفة حفتر القائد العام للجيش والرجل القوي في مناطق نفوذه وسلطته.

وربما من الصعب كذلك، مجرد تخيل لقاءات دارت في أكثر من مكان بين صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة، الرئيس الفعلي لسلطات طرابلس، لتنسيق المواقف بينهما في الكثير من الملفات والقضايا، والتي كان من أهمها الإطاحة برئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، وتأمين تدفق النفط إلى الأسواق العالمية لتعود إيراداته إلى مصرف ليبيا المركزي شريطة حل مشكلة تمويلات الجيش، وهو ما تم فعلا.

هناك الكثير من المؤشرات التي تدلل على أن الكبار وراء مصالحهم وحساباتهم يهرولون، وهم وإن اختلفوا في العلن فإنهم في السرّ متفقون، يتقاسمون الغنيمة التي كانوا عليها يتصارعون، وقد ساعدت الظروف الإقليمية ومصالحة تركيا وقطر مع بعض الدول الأخرى على توفير إطار ملائم لتطوير الاستثمارات المشتركة للطرفين.

قد يكون من اللافت أن وسط طرابلس تحول إلى “منطقة خضراء” مزدهرة يشعر زائرها وكأنه في عاصمة بلد يحقق نسبة نمو من رقمين، ونفس الملاحظة تنطبق تقريبا على وسط بنغازي، بينما تعاني بقية مناطق البلاد من شظف العيش ومن مظاهر البؤس والفقر والحرمان. ومن الواضح أن معالم الرفاه والثراء والتخمة أصبحت مرتبطة بالمقربين من هذا الفريق أو ذاك، مع تميز مناطق نفوذ الجيش بانضباط أمني أكثر وفوضى أقلّ من مناطق نفوذ سلطة الأمر الواقع في طرابلس ومدن الساحل الغربي. البعض يفسّر ذلك بأن حفتر يمارس دكتاتورية نظام عسكري قادم من عقد الستينات من القرن الماضي، وميليشيات طرابلس ترعى ديمقراطية الدولة المدنية وتدافع عنها تحت إدارة الدبيبة وبقوة الدعم الروحي للشيخ الصادق الغرياني.

في ظل هذه التناقضات، هناك اتفاق حاصل بين الفاعلين الأساسيين من الداخل والخارج على ضرورة التوافق على فسح المجال أمام الجنرال حفتر للترشح للانتخابات الرئاسية، وفق التزامات وضمانات منها أن يتخلى عن قيادة الجيش والجنسية الأميركية، حال نجاحه في الدور الأول للانتخابات. ولا يبدي الدبيبة وفريقه أيّ معارضة لهذا الإجراء شريطة أن يتم السماح له بالترشح للمنافسة على كرسي الرئيس، وهو شبه متأكد من أنه سيفوز به نظرا لاعتبارات عدة يحددها له مستشاروه، منها أن الأموال التي ستوزع والوعود التي سترسل والخطب الشعبوية التي ستعتمد، سيكون لها أثرها الكبير لاسيما في المنطقة الغربية حيث الانتشار الديموغرافي الأوسع والخزان الانتخابي الأكبر.

وبالمقابل، فإن حفتر والدبيبة، يشاطران رئيسي مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، خطة العمل على إقصاء سيف الإسلام القذافي من خوض الانتخابات، فمن الأفضل استبعاد التيار الثالث عمّا يمكن تقسيمه على تيارين فقط، وهو ما يوافق عليه بقوة رعاة المسار الديمقراطي في عواصم الغرب، انطلاقا من أن الديمقراطية السائدة في الدولة المدنية القائمة ستصبح في خطر إذا وصل إلى الحكم أحد رموز النظام السابق.

وعندما أعلنت واشنطن ولندن وبرلين قبل أيام استعداد المجتمع الدولي لإيجاد آلية بديلة للقاعدة الدستورية التي فشل مجلسا النواب والدولة في التوصل إليها إلى حد الآن على الأقل، فإن من أسسها تحقيق التوافق بين سلطات شرق البلاد وغربها، وهو ما تدعمه أنقرة والدوحة حاليا، حتى أنه من غير المستبعد أن يحل وزير الخارجية التركي أو القطري في بنغازي في أيّ وقت، بما يؤكد رسميا أن لا فيتو على ترشح حفتر للرئاسيات إذا تم التوصل إلى اتفاق على تنظيمها فعلا، وإذا لم تنظّم فإن تقاسم سلطة الأمر الواقع مستمر، وبرضاء الطرفين طالما النفط يتدفق والإيرادات تصل إلى أصحابها في الوقت المناسب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى