أقلام وأراء

الحبيب الأسود: تحالف الدبيبة وحفتر لإبقاء الوضع على حاله

الحبيب الأسود 11-8-2023: تحالف الدبيبة وحفتر لإبقاء الوضع على حاله

حدثان مهمان شهدتهما ليبيا يوم الأحد السادس من أغسطس الجاري، الأول كان في طرابلس حيث أطيح بأحد أبرز الفاعلين السياسيين خلال السنوات الخمس الماضية وهو خالد المشري من مجلس الدولة الاستشاري، وانتخاب محمد تكالة بديلا عنه. والثاني اجتماع في بنغازي جرى بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي والقائد العام للجيش خليفة حفتر، وجرت التغطية بجولة المنفي حول مشاريع إعادة الإعمار بعاصمة المنطقة الشرقية.

لأسابيع عدة، كانت هناك مشاورات على أكثر من صعيد، شاركت فيها أطراف داخلية وخارجية، وقاد جزءا كبيرا منها إبراهيم الدبيبة الرجل القوي في طرابلس، عرفت مساومات على مستويات شخصية مع أعضاء من المجلس، وأخرى مع قيادة حزب البناء والتنمية الجناح السياسي لجماعة الإخوان، بهدف استبعاد المشري وانتخاب تكالة لمنصب رئيس مجلس الدولة، علما أن الرجلين ينتميان إلى الحزب الإخواني، مع فارق وحيد وهو أن المشري أسفر عن عدائه لعبدالحميد الدبيبة، ودخل في توافق مع مجلس النواب من أجل تشكيل حكومة انتقالية مصغرة، بينما يبدي تكالة دعما ومساندة واضحين للدبيبة، ورفضاً للإعلان الدستوري الثاني عشر، وتمسكا برفض النقاط الخلافية في صيغتها المتفق عليها من قبل لجنة 6+6 وخاصة شروط الترشح للسباق الرئاسي.

وليس خافيا عن أيّ من المراقبين، أن الدبيبة أصبح يمسك بأغلب أوراق اللعبة السياسية، ويحظى بدعم من عدد من العواصم الغربية ومن القوى الداخلية الفاعلة سياسيا وماليا واقتصاديا وميدانيا مع توطيد العلاقة مع الأتراك والقطريين، وإقناع الأميركيين والفرنسيين والألمان بضرورة عدم المغامرة بدخول ليبيا مرحلة انتقاليه جديدة، قد تؤدي إلى فوضى يستغلها الروس لمصلحتهم في سياق التحولات الدراماتيكية التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء، خاصة في ظل ما يجرى على الحدود الجنوبية من حرب في السودان وانقلاب في النيجر.

وقد أثرت تلك المواقف على رؤية بعثة الأمم المتحدة ورئيسها عبدالله باتيلي للمرحلة القادمة، وهو ما تأكد من خلال ما صدر عنها من انتقادات للثنائي صالح/المشري، ومن رفض لمقترح الحكومة المصغرة، رغم وروده في اتفاق 6+6، ومن اتجاه واضح لتأجيل الاستحقاق الانتخابي بعد أن كان هناك إصرار لافت على تنظيمه قبل نهاية العام الجاري.

نجح الدبيبة في قطع الطريق أمام اتفاق المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح حول تشكيل حكومة انتقالية مصغرة، واتسعت دائرة القابلين بمقترح بديل يتمثل في الإبقاء على الحكومة الحالية مع إدخال تعديلات عليها، بضم وزراء إليها من المحسوبين على القيادة العامة للجيش أو من أعضاء الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، والاستعداد لتنظيم انتخابات تشريعية في النصف الأول من العام 2024، وقد تم تداول هذا المقترح على أكثر من صعيد، وفي سياق المشاورات المتواصلة بين فريقي حكومة الوحدة الوطنية وقيادة الجيش، وصولا إلى الاجتماع الذي انعقد بين المنفي وحفتر والذي تمحور بالخصوص حول الاكتفاء بالاستحقاق البرلماني إلى حين تهيئة الظروف الملائمة لتنظيم الاستحقاق الرئاسي، وهو ما يخدم مصالح القوى الأساسية المتحكمة في مسارات السلطة والثروة والسلاح، ويحافظ لفريقي الدبيبة وحفتر على مصالحهما إلى أجل غير مسمى.

إلى أمد قريب، كان المشري يمثل أيقونة فبراير التي تم حفرها على صدر المشهد السياسي في غرب ليبيا، وهو الذي يمثل تيار الإسلام السياسي من جهة، ومدينة الزاوية من جهة ثانية، ويرتبط بعلاقات وطيدة مع الأتراك والقطريين والأوروبيين والأميركان، لكن إصراره على الإطاحة بحكومة الدبيبة كان كافيا لإزاحته من منصبه الذي تولاه لمدة خمسة أعوام، كما أن توافقه مع عقيلة صالح أعطى انطباعا لأطراف داخلية وخارجية بأن مجلسي النواب والدولة تحولا إلى حجر عثرة في طريق الحل السياسي، وإلى قوة عرقلة لأيّ مشروع قد يطرح لتجاوز الأزمة المتفاقمة منذ العام 2011.

وإذا كان عقيلة صالح قد بات بدوره أيقونة في نظر الفعاليات الاجتماعية والقبلية في شرق البلاد، فإن هناك مؤشرات تؤكد أنه ليس بمعزل عن رياح التغيير التي قد تعصف به في أيّ لحظة، لاسيما أن السلطة الفعلية في برقة وفزان تعود إلى المشير حفتر الذي يلتقي مع الدبيبة في مسعاهما للبقاء في دوائر الحكم ومراكز القرار عبر منظومتيهما اللتين تبدوان أقرب إلى منظومات الحكم الوراثي، من حيث توزيع المسؤوليات والمصالح على الأقربين من الأبناء وأبناء العمومة وتوزيع الإيرادات وفق حسابات قبلية واجتماعية وفئوية.

في منتصف مايو الماضي تم استبعاد فتحي باشاغا من رئاسة الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، بعد اكتشافه أن السلطة الحقيقية في المنطقة الشرقية تعود إلى حفتر والمقربين منه، وأن التنسيق قائم بين قيادة الجيش في الرجمة ببنغازي ومكتب رئيس الحكومة في طريق السكة بطرابلس، وأن المشاورات والمساومات تجري بشكل دوري من قبل صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة وهما الرجلان القويان اللذان يتصدران المشهد ولكن من خلف الكواليس، ويصنعان اليوم سياقات المرحلة القادمة سواء تعلق الأمر بالحكم أو بالانتخابات أو بتوزيع الثروة .

أكد سحب البساط من تحت أقدام باشاغا أن الدبيبة وحفتر غير مستعدين للتخلي عن امتيازات الحكم، ثم جاء سحب البساط من تحت أقدام المشري ليثبت أن مراكز القرار الفعلي في ليبيا ترفض أيّ توافق قد يؤدي إلى تنظيم انتخابات غير مضمونة النتائج لهذا الطرف أو ذاك، وقد يتم استهداف أيّ طرف آخر يمكن أن يهدد مصالح الطرفين الرئيسيين المسيطرين على مؤسسات الحكم في طرابلس وبنغازي.

يبقى أن التحالف السري للدبيبة مع حفتر أصبح يثير انزعاج بعض أمراء الحرب وقادة الميليشيات، بمن فيهم أولئك الذين تم دمجهم في مراكز القرار أو منحهم مسؤوليات أمنية وعسكرية، وهو ما ينذر بالعودة إلى مربع الفوضى في أيّ وقت، خصوصا عندما لا يحصل كل طرف على نصيبه من الغنيمة وبالشكل الذي يرضيه.

خلال المرحلة القادمة، سيتم التوجه نحو دمج شخصيات قريبة من حفتر في حكومة الدبيبة، وذلك لقطع الطريق نهائيا أمام دعاة تشكيل حكومة انتقالية مصغرة، وسيتم الإعلان عن موعد لتنظيم انتخابات تشريعية في بدايات العام القادم، وسيتم صرف الكثير من المال لضمان فوز الموالين للدبيبة وحفتر، بما يضمن تشكيل مشهد سياسي يعد استمرارا للوضع الحالي، أما انتخاب رئيس للدولة، فلا أحد يوافق عليه حاليا، إلا إذا كان نسخة جديدة من المنفي.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى