أقلام وأراء

الحبيب الأسود: الدبيبة في تونس لتأمين حدود نفوذه

الحبيب الأسود 2-12-2022م: الدبيبة في تونس لتأمين حدود نفوذه

يسعى عبدالحميد الدبيبة إلى توطيد علاقته بتونس كما هو شأنه مع الجزائر التي يرتبط معها بتفاهمات واضحة على علاقة بالأوضاع في ليبيا والمنطقة، وهي تفاهمات ليست بعيدة عن مواقف تركيا وقطر، في سياق صراع المحاور الذي لا يزال قائما رغم كل ما قيل ويقال عن المصالحات أو عن محاولات تجاوز الخلافات مع مصر التي تمر علاقات الدبيبة معها بحالة من التوتر كانت لها تمظهرات عدة من خلال العلاقات الثنائية وعلى صعيد الجامعة العربية، واستغلها المفتي المعزول من قبل مجلس النواب صادق الغرياني، والذي لا يزال يواصل مهامه بطرابلس، لتبرير مواقفه العدوانية من النظام المصري بزعامة الرئيس عبدالفتاح السيسي والتي وصلت إلى حد الخروج للتظاهر ضده وسط العاصمة طرابلس.

وإذا كانت مصر قد أكدت في مناسبات عدة أنها تدعم السلطة التشريعية الممثلة في مجلس النواب، وهو ما يعني اعترافها بالحكومة المنبثقة عنه برئاسة فتحي باشاغا، فإنها تشير بذلك إلى رفضها اغتصاب الدبيبة للسلطة عبر سياسة الأمر الواقع التي يعتمد فيها على حكم الميليشيات والتدخلات الخارجية وخاصة من الجانب التركي.

وتمتلك القاهرة الكثير من المعطيات الموثقة عن تصرفات الدبيبة التي يعتبرها المصريون معادية لبلادهم ولأمنهم القومي، وخاصة انقلابه على جميع وعوده التي سبق أن قدمها للقاهرة قبل ترشحه لنيل ثقة ملتقى الحوار السياسي. كما تمرد على الاتفاق السياسي الذي وصل بموجبه إلى السلطة، ونقل حكومته من كونها حكومة للوحدة الوطنية المرتجاة إلى حكومة جهوية ومناطقية وذات أجندات مشبوهة، أول من ترغب في استهدافهم هم حلفاء مصر، سواء في قيادة الجيش أو في البرلمان أو في التيارات الوطنية التصالحية المنادية بمقاومة التدخل العسكري التركي المباشر وبحل الميليشيات واستعادة سيادة الدولة وسيطرتها على أراضيها ومقدراتها وقرارها الوطني.

ولتكريس نفوذه في طرابلس، اتجه الدبيبة نحو وضع جانب مهم من البيض في سلة الجزائر التي ينظر إليها كحليف رسمي للأتراك والقطريين، والتي تبدي تعاطفا مع ميليشيات غرب ليبيا، فهي ضد سلطات الشرق وقيادة الجيش ومجلس النواب وقريبة من مصر ومحور الاعتدال العربي، وضد مصالحة عملية مع النظام السابق الذي طالما كانت الجزائر تنظر إليه كمنافس لها على النفوذ في منطقة الساحل والصحراء، وترفض أن يعود رموزه إلى واجهة الأحداث في بلادهم.

أما بالنسبة إلى تونس، فإن الدبيبة اتهمها في الثامن من أغسطس 2021 بتصدير الإرهاب إلى بلاده، وصادف أن جاء ذلك الموقف بعد أسبوعين فقط من التدابير والإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو، وأدت إلى الإطاحة بمنظومة حكم الإخوان من خلال حل حكومة هشام المشيشي وتعليق مهام مجلس النواب قبل حلّه نهائيا، واعتبرها محور الإسلام السياسي المرتبط بتركيا وقطر انقلابا على الشرعية وربطوها بعلاقة قيس سعيد بعبدالفتاح السيسي، وخرجت أصوات عدة من طرابلس وعموم المنطقة الغربية للتنديد بما يراه أنصار الرئيس سعيد إصلاحات كان من الضروري إعلانها لإنقاذ تونس من الأوضاع المأساوية التي وصلت إليها، في تماه مع مواقف حركة النهضة وجماعة الإخوان بشقيها المحلي والدولي.

وبعد أسابيع من الاتهام الأول، عاود الدبيبة هجومه على تونس متهما إياها بالسيطرة على أموال ليبيين، في إشارة إلى حجز السلطات الأمنية والجمركية التونسية مبالغ مالية متفاوتة قام ليبيون بإدخالها إلى البلاد في مخالفة تامة للإجراءات القانونية، لإعادة تهريبها نحو دول أخرى أبرزها تركيا. وما إن تولى رئاسة الحكومة في 2021 حتى بدأ في إقناع المسؤولين التونسيين بضرورة إعادة تلك الأموال إلى أصحابها، لاسيما أن من بينهم تجارا ورجال أعمال مقربين منه، وقد وعدهم في مناسبات عدة بأنه سيستغل نفوذه لإقناع السلطات التونسية باتخاذ إجراء في هذا الخصوص.

وفي أوائل نوفمبر الماضي، دعت حكومة الدبيبة فريقا إعلاميا تونسيا من إذاعة خاصة إلى طرابلس لتفسير موقف رئيسها والعمل على تجاوز الخلافات مع الجارة الغربية.

وبالنسبة إلى اتهام تونس بتصدير الإرهاب إلى ليبيا، قال الدبيبة إن حكومته تلقت تقارير أمنية من تونس تتحدث عن محاولة مجموعة ليبية مدعومة من الحكومة اغتيال الرئيس قيس سعيد، واتّضح لاحقا أنّها مفبركة من قبل أحزاب تونسية (لم يكشف عنها) بهدف بثّ الفتنة بين البلدين. مشيرا إلى أنه تم تجاوز الخلاف، وهناك تعاون كبير بين ليبيا ودول حوض المتوسط ودول الجوار في مجال مكافحة الإرهاب، وأن التعاون الأهم والأكبر في هذا المجال هو مع تونس، وهناك تنسيق كامل بين المخابرات وأجهزة مكافحة الإرهاب في البلدين.

وفي العاشر من نوفمبر، أعلنت سلطات طرابلس عن إرسال مساعدات إلى تونس تتمثل في شحنة من الوقود، وبعد خمسة أيام وصل وفد حكومي تونسي إلى العاصمة الليبية لبحث سبل إعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الليبية أن الوفد التونسي الذي ضم كلا من وزيرة الصناعة والطاقة ووزير النقل ووزيرة التجارة ومديرة الشركة التونسية لصناعات التكرير بحث في طرابلس علاقات التعاون الثنائي وتعزيز الشراكة الإستراتيجية التي تجمع البلدين في كافة المجالات بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين.

 كما أجرت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن مكالمة هاتفية مع الدبيبة تمحورت حول متابعة العلاقات الثنائية بين البلدين، ووجهت إليه دعوة باسم الرئيس سعيّد لزيارة تونس.

والحقيقة أن تسارع الأحداث جاء في سياقات عدة، منها أن الجانب الجزائري كان له دور مهم في تنقية الأجواء بين تونس وحكومة الدبيبة، وقد تطرق الرئيس عبدالمجيد تبون نفسه إلى الموضوع في اتصالاته مع الرئيس قيس سعيد، وصولا إلى اجتماعه الأخير مع رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن خلال زيارتها الخاطفة إلى الجزائر في 28 نوفمبر الماضي، أي قبل يوم واحد من وصول الدبيبة إلى تونس.

وتبدي الجزائر اهتماما واضحا ببقاء الدبيبة في السلطة، وتتبنى مواقفه وكثيرا ما تزيد عليها وهي التي كيفت مصالحها مع حكم الميليشيات والتدخل التركي في المنطقة الغربية، وفي الوقت الحالي تتفهم دوافع تمسكه بالحكم إلى أجل غير مسمى، وانقلابه على الاتفاق السياسي ورفضه لفكرة المصالحة الوطنية السابقة للانتخابات المطروحة من الاتحاد الأفريقي لاسيما أن المصالحة قد تفتح الباب أمام مفاجآت عدة منها وصول أطراف مرفوضة من قبلها إلى السلطة.

وتعتبر الجزائر أن أي تقارب بين مجلس النواب ومجلس الدولة قد يؤدى إلى تغيير في الخارطة السياسية، وبالأخص في حال إقدامها على التوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط تدير شؤون البلاد وتتجاوز مرحلة الانقسام وتنهي دور حكومة الدبيبة استعدادا للمرحلة القادمة.

ولأن الوضع في ليبيا مهيأ للكثير من التحولات خلال الفترة القادمة، فإن تأمين المنطقة الغربية لا يكتمل دون علاقات وطيدة بين سلطات طرابلس ونظيرتها التونسية، وهو ما اقتنع به الدبيبة الذي بات يشعر بعزلة غير مسبوقة، وأصبح يخشى من أثر أي تقارب مصري – تركي بعد المصالحة المصرية – القطرية، ومن أي اتفاق نهائي بين عقيلة صالح وخالد المشري، على موقعه الذي لا يريد أن يغادره مهما كانت الظروف، وهو الذي أصبح واجهة لمشاريع عدة سياسية ومالية واقتصادية ولمصالح أسرية وجهوية ومناطقية ولتوافقات إقليمية ودولية في مجالات كثيرة انطلاقا من موقع بلاده المهم على أكثر من صعيد.

اليوم وهو يزور تونس، يدرك الدبيبة أن خطابه الشعبوي لا يجدي، وأن وعوده الكثيرة التي اعتاد إطلاقها بمناسبة أو دون مناسبة، ولم يف بواحدة منها، لا يمكن أن تقنع التونسيين. ولذلك نراه يعمل على تشبيك المصالح بما يخدم الطرفين، وهو أمر قد يكون محمودا شريطة أن يدرك أن تونس الحالية برئاسة قيس سعيد تقف بالأساس مع خيارات الشعب الليبي وليس مع هذا الطرف أو ذاك، وتؤمن بأن ليبيا تحتاج إلى حل داخلي وإلى حوار وطني شامل، وترفض أن تكون ساحة للصراعات الإقليمية والدولية من أجل نهب ثروات ومقدرات الدولة الجارة والنظر إليها كغنيمة حرب سواء للدول أو للجماعات أو للأفراد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى