ترجمات أجنبية

الجيش والاقتصاد والفضاء أميركا والصين من يتفوق على الآخر؟

لوفيغارو – بقلم ألكسيس فيرتشاك وأموري كوتانسييه بيرفينكيير- 28/10/2021

عندما انضمت جمهورية الصين الشعبية إلى الأمم المتحدة عام 1971 في خضم الحرب الباردة، لم تكن شيئا يذكر أمام القوتين العظميين المتنافستين وقتها؛ الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ولكنها بعد نصف قرن تصبح القوة الوحيدة التي تتحدى واشنطن، في تصديق لتنبؤ الكاتب الفرنسي آلان بيرفيت القائل “عندما تستيقظ الصين سيرتعد العالم”، وعدم تصديق قول عالم السياسة الأميركي فرانسيس فوكوياما في تنبئه بنهاية التاريخ.

بهذه المقدمة، افتتحت صحيفة “لوفيغارو”  الفرنسية، تحقيقا مطولا مشتركا بين ألكسيس فيرتشاك وأموري كوتانسييه بيرفينكيير، حاولا فيه – كما في أيام الحرب الباردة- استعادة المباراة بين العمالقة بموكب من المقارنات في ما يتعلق بالجيوش والناتج المحلي الإجمالي والتركيبة السكانية والتقنيات وسباق الفضاء والميداليات الأولمبية، حيث كل الأشياء تدخل في مجال المنافسة، وذلك على خلفية التوتر حول تايوان و”الفيروس الصيني”، حيث يتحرك الأبطال وقياس قدرة بعضهم البعض.

الاقتصاد.. ديناميكيات مواتية

ربما يكون الاقتصاد الاختلاف الرئيسي بين اللعبة التي لعبتها الولايات المتحدة ذات مرة مع الاتحاد السوفياتي وتلك التي تلعبها اليوم مع الصين، إذ لم يكن السوفيات في وضع يسمح لهم أبدا بالتشكيك في الهيمنة الاقتصادية الأميركية، إلا أن اقتصاد الصين يؤكد أن المنحنيات ستتقاطع، ولكن متى؟

ومع أن الولايات المتحدة تحتفظ بالصدارة بناتج محلي قدره 20 تريليونا و940 مليار دولار عام 2020، والصين بعدها في المرتبة الثانية بناتج قدره 14 تريليونا و723 مليار دولار في العام نفسه؛ فإن الديناميكيات مواتية لبكين التي يعتقد أغلب الخبراء أنها يمكن أن تتفوق على الولايات المتحدة بحلول عام 2030، حتى لو كان نموها يتناقص.

ومع ذلك، لا يمكن لهذه التقديرات إخفاء نقاط الضعف في الاقتصاد الصيني -كما يقول الكاتبان- لأن النظام الشيوعي الذي أصبح “مصنع العالم” في الثمانينيات ما زال يعتمد إلى حد كبير على صادراته، وبالتالي فهو حساس للصدمات الخارجية المحتملة، كما أن ديون الصين -التي تبلغ قيمتها أكثر من 300% من ناتجها المحلي الإجمالي- تشكل خطرا آخر معلقا على اقتصادها.

الجيش.. نحو التكافؤ

إذا كان الجيش الصيني أصبح بعد تفكك الاتحاد السوفياتي أكبر جيش في العالم من حيث التعداد بنحو 2.2 مليون جندي عام 2021، والجيش الأميركي في المركز الثالث بعد الهند بنحو 1.4 مليون جندي، فإن إنفاق واشنطن العسكري عام 2019 بلغ 732 مليار دولار، وهو ما يعادل 38% من جميع الميزانيات العسكرية في العالم، في حين لم يتجاوز الإنفاق الصيني 261 مليار دولار.

غير أن الصين تقلل من شأن فجوة الميزانية بين القوتين العظميين لأنها تصنع تقريبا جميع أسلحتها داخل أراضيها، من الدبابة إلى الصاروخ العابر للقارات، كما أن أسطولها البحري يحظى باهتمام كبير بعد أن تجاوز عدد سفنها البالغ 360 عدد سفن البحرية الأميركية التي لا تبلغ سوى 300، وتضم الطرادات والفرقاطات والمدمرات وحاملات طائرات المروحية وحاملات الطائرات.

ومع ذلك -كما يقول الكاتبان- تشكل بعض الأسلحة ميزة أميركية؛ مثل الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية التي لا تزال بكين متخلفة عنها، كما أن الخبرة العسكرية الأميركية المكتسبة لا تقارن بتلك الموجودة لدى الصين التي لم تثبت جدارة معداتها في القتال.

ومع أن التقدم العسكري الصيني لا جدال فيه، وأنها تسعى للتكافؤ مع الولايات المتحدة بحلول عام 2049، بمناسبة الذكرى المئوية للجمهورية الشعبية، فإن جيشها ما زال يلفه بعض الغموض، وإن كان لديها ما يقلق واشنطن؛ مثل الصواريخ متوسطة المدى التي تهدد بشكل مباشر قلب أميركا، وتضع حاملات الطائرات النووية العملاقة العشر في خطر.

يبقى السؤال: هل تطمح الصين إلى تحقيق التكافؤ مع الولايات المتحدة في المجال النووي؟ وهي التي تملك بالكاد 300 رأس حسب تقديرات أغلب الخبراء، في حين تملك روسيا والولايات المتحدة ما يقرب من 12 ألفا، إلا أن القدرات النووية الصينية تتزايد بسرعة من حيث الجودة، وكذلك بفضل تطوير المزيد من الغواصات النووية الحديثة.

التركيبة السكانية.. هيمنة مقلقة

من الناحية الديموغرافية، كان عدد سكان أميركا 180 مليون نسمة عام 1960، مقابل 200 مليون بالنسبة للاتحاد السوفياتي، فكان البطلان متساويين تقريبا، أما في ما يخص الصين فإن قصة الحجم تختلف لأنها الأولى عالميا من حيث عدد السكان في تعادل مع الهند بنحو 1.4 مليار نسمة، مقابل 330 مليونا بالولايات المتحدة، أي أن النسبة بين القوتين العظميين هي 1 إلى 4.

ولكن لا يمكننا التوقف عند هذه المقارنة البسيطة -كما يرى الكاتبان- لأن بكين التي قادت سياسة تحديد النسل من 1979 إلى 2015، هي التي ينتابها القلق لما ينتظرها من شيخوخة سريعة لسكانها، حيث تشير بعض التوقعات إلى انخفاض ​​عدد سكانها إلى 800 أو حتى 700 مليون في النصف الثاني من القرن، على العكس من واشنطن التي يبدو النمو لديها خطيا تقريبا.

الدبلوماسية.. نموذجان متضادان

تتمتع الولايات المتحدة والصين بامتياز أنهما من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويتوقف التكافؤ عند هذا الحد -حسب الكاتبين- إذ إن النفوذ والطموح الدبلوماسي لأميركا إرث مرتبط بدورها في النزاعين العالميين، إضافة إلى دورها كبطل “العالم الحر” خلال الحرب الباردة.

ومع ذلك، فقد أسمعت بكين صوتها في الأمور الدبلوماسية بصورة متزايدة في العقدين الماضيين، وإن كان أضعف من صوت الغربيين، ونددت -مثل الاتحاد السوفياتي السابق- بما تعده تدخلا مزعزعا للاستقرار من جانب الغرب.

وعلاوة على ذلك، يتزايد النفوذ الصيني داخل المنظمات الدولية، كمنظمة الصحة العالمية، وهي “تلعب على جبهتين؛ تلعب من ناحية دورا نشطا داخل المنظمات القائمة، ولكنها تستعد من ناحية أخرى لاحتمال أن تصبح هذه الهيئات عقبات، وتخلق بالتوازي أو تشارك في إنشاء هياكل جديدة، مثل منظمة شنغهاي للأمن، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي يهدف إلى التنافس مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

براءات الاختراع

على مدى السنوات القليلة الماضية، كان لدى الصين هوس ببراءات الاختراع، حتى أنها ارتفعت إلى مستوى اليابان والولايات المتحدة، وغزت بشكل مذهل هذه المنطقة التي ظلت تحت هيمنة الولايات المتحدة، حتى أن الفجوة بين القوتين أخذت في الاتساع لصالح الصين، وفقا لإحصاءات المنظمة العالمية للملكية الفكرية؛ إذ قدمت بكين 68 ألفا و720 طلبا في عام واحد، مقابل 59 ألفا و230 لواشنطن.

وينبع هذا الاختراق المذهل -حسب الكاتبين- من خطة “صنع في الصين 2025” التي تهدف إلى زيادة جودة الإنتاج الصيني عبر تعزيز البحث والتطوير، وتحديدا في مجالات التكنولوجيا والمعلومات والروبوتات والطاقات المتجددة.

الفضاء.. تحد سياسي

في هذا المجال، تمكنت الصين من اللحاق بالركب مع العديد من النجاحات؛ كإرسال أول مركبة إلى الجانب البعيد من القمر، ووضع أول “مسبار” غير أميركي على المريخ، ووضع محطتها الفضائية الخاصة في المدار، إضافة إلى الإطلاق الوشيك لأول قمر صناعي للاتصالات “الكمومية”، أو إنشاء شبكة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية الخاصة بها، وهي اليوم تبرز بميزانية تبلغ 10 مليارات دولار في المرتبة الثانية في سباق الفضاء.

الفكرة المتمثلة في الانتقام الاجتماعي والوطني الذي يجب أن يتم اتخاذه من الغرب واليابان تشكل دافعا قويا بالنسبة للصين”، مما يجعل المسابقات الرياضية فرصة للرياضيين الصينيين لتأكيد تفوقهم والانتقام من الغرب

الرياضة.. بداية الانتقام

يحذر الأستاذ المختص في الصين إيمانويل لينكوت من أن “الفكرة المتمثلة في الانتقام الاجتماعي والوطني الذي يجب أن يتم اتخاذه من الغرب واليابان تشكل دافعا قويا بالنسبة للصين”؛ مما يجعل المسابقات الرياضية فرصة للرياضيين الصينيين لتأكيد تفوقهم والانتقام من الغرب.

ولذلك تم تنظيم الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2008 في بكين، ثم الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2022 في المدينة نفسها، ومع أن الولايات المتحدة فازت بـ2963 ميدالية مقابل 1272 لألمانيا أقرب منافس لها، فإن الصين صعدت إلى المركز السابع بحصولها على 696 ميدالية.

القوة الناعمة.. مقارنة غير واردة

تتميز الولايات المتحدة بقدرتها على تصدير نموذجها، الذي وصفه المنظر جوزيف ناي بأنه “قوة ناعمة”، وهي “قدرة دولة ما على الحصول على ما تريده من دولة أخرى”، وقد تبنى المؤتمر 17 للحزب الشيوعي عام 2007 القوة الناعمة مبدأ سياسيا له 3 أهداف: تحسين صورة الصين في الخارج، وزيادة نفوذها في “المحيط القريب”، وإرساء شرعية الحزب في الصين برؤية أفضل.

ولهذه المهمة تعتمد بكين على معهد كونفوشيوس الذي أسسته في 154 دولة، وعلى المراكز الثقافية الصينية التي تقدم دورات في اللغة والثقافة والتاريخ، إلا أن هذه القوة الناعمة تصطدم بالعديد من الأمور؛ أولها مواجهتها بتعبئة أميركية هائلة، إضافة إلى مسألة حقوق الإنسان والأقليات مثل التبت والإيغور، وكذلك ضعف الإنتاج الثقافي.

وتستند الإستراتيجية الصينية إلى “إجماع بكين” المعارض “لإجماع واشنطن” الذي يروج لليبرالية مقابل المساعدات الدولية، في حين يسمح الإجماع الجديد في الصين بتطوير البنية التحتية والاقتصادية من دون مطالبة تتعلق بحقوق الإنسان أو مكافحة الفساد وإرساء الديمقراطية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى