أقلام وأراء

التوحد والانعزال عن الواقع في الأداء السياسي الفلسطيني ..!!

بقلم  المحامي زياد أبو زياد *- 26/9/2021

قالت مصادر حماس المختلفة أنها قامت بالانقلاب عام 2007 كخطوة استباقية لإحباط خطة كانت فتح تُعدها ضدها في ذلك الحين. ومع أننا كثيرا ما نحاول إيجاد الكلمات المناسبة لإدانة ذلك الانقلاب كالقول الانقلاب المشؤوم مثلا إلا أنه يبدو أن هذا الانقلاب كان خيرا ً وبركة على الطرفين فتح وحماس بدليل أن كلاهما يصر الآن على الإبقاء على الانقلاب/الانقسام ويحاول بشتى الوسائل إيجاد المبررات لعدم قيامه بما يجب لإنهاء هذا الانقسام.

فلو نظرنا الى ما يدور في غزة لوجدنا أن الانقلاب الذي أسفر عنه الانقسام أعطى حماس فرصة التربع على عرش الحكم وإقامة إمارة الأمر الواقع في قطاع غزة. ولما كانت لهذا الأمر آليته الديناميكية فقد تطور وبلور حقائق أمر واقع على الأرض منها الأجسام والمسميات التي لا تملكها الا الدولة، ومنها ظهور طبقة الحكام ومن في حكمهم والطحالب النامية على هامش هؤلاء والمتمثلة بالطبقة المستفيدة من الانقسام ماديا ومعنويا وبالتالي بدأت تتبلور لدى هؤلاء كل المقومات والعوامل التي تعزز رفض المصالحة لكيلا تفقد امتيازاتها ومكاسبها التي لولا الانقسام لما أتيحت لها.

وما ذكر أعلاه ينطبق تماما ً على الوضع في الضفة الغربية بحيث هناك أيضا تبلورت طبقة مستفيدة من استمرار الوضع القائم وغير معنية بأي شكل من الأشكال بإنهاء هذا الانقسام.

ولعل أهم ما أنجزه الانقسام “المبارك” هو أنه أتاح للطرفين فرصة تعطيل ومن ثم الإلغاء الفعلي للمجلس التشريعي الذي كان يمكن أن يكون أداة رقابة أو مساءلة لأداء أي منهما. ولا أبالغ إذا قلت إن أكبر نِعَم الانقسام هو غياب السلطة التشريعية وبالتالي إعطاء طرفي الانقسام فرصة العمل والعبث بمقدرات الشعب دون حسيب أو رقيب. ولذلك علينا جميعا ً أن نفهم بأن أي حديث عن الانتخابات أو مطالبة بها هو أمر يستفز مشاعر الطرفين وسيلاقي معارضة شديدة منهما لأنه يهدد مصالحهما.

الشرعية الدولية المفقودة

من خلال هذا الفهم يجب أن نفسر سلوك أي من الطرفين وفهمه. مع الاستدراك بالقول بأن حماس بما لديها في قطاع غزة ما زالت عاجزة عن كسب الشرعية الدولية وما زالت علاقاتها محصورة في دائرة بعض الدول وخاصة تلك التي لحركة الاخوان المسلمين أصابع في إدارة شؤونها علما ً بأن هذه الدائرة بدأت تضيق منذ إنهاء حكم الإخوان في مصر في الثالث من تموز عام 2013. ولعل ما شهدناه من إجراءات ضد حماس في السودان في الأيام الأخيرة ومصادرة أموالها ووضع اليد على مشاريعها الاستثمارية هناك ليس إلا حلقة أخرى في مسلسل التضييق على حماس والرامي في المحصلة الى تقييد قدرتها على المناورة في جهود التوصل ل “هدنة” طويلة الأجل في قطاع غزة ، تؤسس لإمارة حمساوية هناك تحت المظلة المصرية، بل وربما الإسرائيلية رغم أن البعض قد يُفاجأ أو يُستفز من هذا القول.

أما رام الله وبصفتها الرسمية كالجهة التي تمثل السلطة الفلسطينية التي هي من نتاج أوسلو الطفل الذي لا يزال الغرب يصر على إبقائه في حاضنة الأطفال الخُدج incubator لأن وفاته تسحب الغطاء من فوق مشروع التصفية الذي أعد للقضية الفلسطينية، فهي لا تزال تُحظى بالشرعية الدولية رغم أن تلك الشرعية بدأت في التضعضع في الآونة الأخيرة. وهنا يجب الانتباه الى أن الذي بدأ يتضعضع هو شرعية الأفراد القائمين على السلطة وليس شرعية السلطة نفسها لأنه وكما أسلفت لا يزال لها دور يجب أن تؤديه.

فقد أدى غياب المجلس التشريعي وتغييب السلطة القضائية المستقلة الى زيادة نهم وشهوة السلطة التنفيذية التي تعمل في فراغ دستوري وقانوني وتتصرف بعقلية الحاكم بأمره. ولا أقول بأمر الله. وهذا التفرد أسفر عن تجاوزات كثيرة وإخفاقات أكثر انعكست سلبا ً على مزاج الرأي العام تجاه قيادته والذي بدأت استطلاعات الرأي تكشف عنه بأرقام مذهلة ونسب خيالية التقطها الطرف المعادي لتطلعات الشعب الفلسطيني لإنهاء الاحتلال وبدأ يروج لها كدليل على عدم قدرة الفلسطينيين على حكم أنفسهم.

العلاقة مع إسرائيل ومستوياتها المختلفة

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة الى العلاقة مع الطرف الآخر أي الاحتلال وأعني إسرائيل ومع العالم الخارجي الذي ضاق ذرعا بسلوك رموز السلطة، ولكنه معني بنفس الوقت ببقائها.

ففي العلاقة مع الاحتلال يمكن القول بأن هذه العلاقة تتمثل في عدة طبقات layers بعضها فوق بعض. ففي الطبقة الدنيا يوجد عامة الشعب وهم الذين يعانون ويتعرضون للإهانة ومحاولات الإذلال سواء على المعابر أو في سوق العمل الرخيص في إسرائيل وفي المستوطنات وخاصة الذين يتسللون للعمل بدون تصاريح لكسب لقمة عيش أطفالهم ويتعرضون لأبشع صنوف الاستغلال، أو لأعمال التنكيل والقمع والقتل والاعتداءات اليومية على الأفراد والممتلكات من قبل أفراد الجيش أو حرس الحدود والمستوطنين مجتمعين أو متفرقين. وهذه العلاقة بكل أبعادها تعمق شعور العداء ضد الاحتلال وتنعكس سلبا ً ضد السلطة باعتبارها الطرف الذي فشل في انهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال والأمن والحرية للشعب.

وفوق هذه الطبقة توجد طبقة الأثرياء ورجال الأعمال الذين يُحظون برضا الاحتلال ويتمتعون ببطاقات رجال الأعمال BMC ويتمتعون بحرية التنقل ببركة الاحتلال ولي نعمة تلك الحرية ولا يشاركون الناس جزءا ً كبيرا من همومهم اليومية. ويمكن أن يُضاف لهذه الطبقة كبار المسؤولين وعددهم بالمئات ممن يحملون بطاقات ال VIP بفضل ونعمة الاحتلال أيضا.

وفوق هذه الطبقة توجد طبقة العلاقة الرسمية بين القيادة التي تمثل السلطة وبين الاحتلال بأذرعه الأمنية والسياسية. وهنا لا بد من القول بأن هناك حالة عجيبة غريبة تحكم هذه العلاقة قوامها التجاهل من الطرف الإسرائيلي الذي له أجندة واضحة تندرج في إطار تكريس الاحتلال والمضي في تنفيذ المخطط الاستيطاني الذي يهدف الى منع قيام دولة فلسطينية ويتعامل مع السلطة كوكيل مؤقت لتقديم التسهيلات المطلوبة لتمرير المخطط الإسرائيلي والتي في صلبها وجوهرها الحفاظ على الأمر الواقع وضمان حالة من الهدوء ولو على حساب قمع الشعب من قبل سلطته لكي لا يُزعج إسرائيل في تنفيذ مخططها التوسعي الاستيطاني ، وهو مستعد من أجل ذلك عمل الحد الأدنى المطلوب لضمان الاستقرار الاقتصادي للسلطة وإلهائها به لتتمكن من تبرير استمرار بقائها.

النعامة التي تدفن رأسها في الرمال

هذا من ناحية الاحتلال أما من ناحية السلطة فإن هناك شيء أشبه بما يُقال عن النعامة التي تدفن رأسها في الرمال لكيلا ترى ما حولها. فالقيادة السياسية تتحدث عن حل الدولتين مع أن كل العالم وكل المراقبين والمحللين السياسيين والأكاديميين والخبراء يقولون ليل نهار بأن المشروع الاستيطاني على الأرض لم يترك مكانا لإقامة دولة فلسطينية وأنه لن يكون هناك في إسرائيل أي قائد أو رئيس وزراء يجرؤ على مجرد الحديث عن اخلاء مستوطنات. والقيادة تتعامل مع بعض الجهات الإسرائيلية من أعضاء كنيست سابقين لفظتهم الحياة السياسية الإسرائيلية وألقت بهم الى الهوامش ولم يعد لهم أي تأثير سواء على الرأي العام المتجه بشكل مضطرد نحو اليمين المتطرف لتقنع نفسها بأنه لا يزال هناك شريك إسرائيلي للتعامل معه. فهذه القيادة تتصرف بعقلية وواقع السبعينيات بمعزل عن إدراك التحولات السياسية والأيديولوجية التي حدثت داخل المجتمع الإسرائيلي.

وفي المقابل فإن الاحتلال ومن خلال رؤيته الواضحة لبرنامجه وأهدافه يُدرك حالة الانعزال عن الواقع لدى السلطة، ولكنه يحاول تمرير ما يسميه بالسلام الاقتصادي لضمان حالة الهدوء التي أسلفت الحديث عنها. وفي هذا السياق جاءت الزيارة التي قام بها وزير الأمن الإسرائيلي بيني جانتس للمقاطعة قبل أسابيع والتي اعتقد البعض على الجانب الفلسطيني أنها تشكل اختراقا للجانب الإسرائيلي ولكن تصريحات جانتس ورئيس الوزراء بينيت التي أعقبتها لم تترك مجالا ً للشك بأن إسرائيل ماضية في خطتها الاستيطانية وفي نهجها الساعي لإفشال أي فرصة لتحقيق قيام دولة فلسطينية أو انسحاب إسرائيلي وأن أقصى ما يمكن أن تقبله هو ادارة فلسطينية في المدن الرئيسية بالضفة تخفف عن إسرائيل عبء الاحتلال وتحمّل العالم العبء المالي لتمويل استمرار الاحتلال من خلال الدعم المالي الدولي لتلك الادارة. وبالمناسبة فإن أخبار إسرائيل هذه الأيام تتحدث عن اتصالات سرية يجريها جانتس مع نتنياهو لحل الحكومة الحالية التي ترتكز على أصوات أعضاء كنيست عرب من الكتلة الإسلامية برئاسة منصور عباس وتشكيل حكومة يمين مستقرة بمشاركة نتنياهو.

ويمكن القول بأن المشكلة الأساسية والرئيسية التي نواجهها هو غياب المؤسسات الدستورية وتجذر الحكم الفردي وحصر اتخاذ القرار في دائرة ضيقة جدا ً من الأشخاص لا تتعامل مع المعطيات من حولها ولها اعتباراتها الخاصة وجل همها هو تمرير الوقت لعل الله يأتي بالفرج من حيث لا تعلم.

خطاب الرئيس عباس أمام الجمعية العمومية

لقد جاء خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة ليكرر ما كان قد أعلنه في خطابات السنين السابقة والتي أبدع فيها في شرح وعرض معاناة شعبه وصلف ورفض الاحتلال الاستجابة لإرادة المجتمع الدولي لتحقيق السلام العادل. وقد سبق للرئيس أن أعلن أمام الجمعية العمومية في الماضي وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل لأن إسرائيل لم تلتزم ولم تنفذ تلك الاتفاقيات. ومع ذلك وبالرغم من الإعلان عن وقف العمل بتلك الاتفاقيات إلا أن شيئا لم يحدث. ولذا فإن الإعلان هذه المرة عن إعطاء إسرائيل فترة انذار لإنهاء الاحتلال خلال عام من أول من أمس لن ولم يُحظ بالتعامل الجدي من قبل إسرائيل أو العالم وسيأتي ايلول 20-22 القادم والوضع لا يزال كما هو.

المسألة ليست بالقرارات الدولية أو باللجوء لمحكمة العدل الدولية فالعالم أجمع يعرف أن إسرائيل لم تلتزم يوما بالشرعية الدولية ولا بقراراتها وعل راسها قرارات مجلس الأمن التي تضيق بها ملفات الأمم المتحدة. والى أن نحترم عقول أبناء شعبنا ونتعامل مع أنفسنا بجدية فإن العالم لن يتعامل معنا بالجدية التي نريدها. فاستمرار اتساع الهوة بين القيادة والشعب واستمرار تعطيل الحياة الديمقراطية من خلال تعطيل الانتخابات وهيمنة وتجذر المحسوبية والفساد لن تزيدنا إلا عزلة عن العالم وبُعدا عن انهاء الاحتلال وعن الوصول الى الحرية والكرامة.

ولقد آن الأوان لإدراك أن فكرة حل الدولتين لم تعد تصلح لأنها لم تعد قابلة للتطبيق أو التحقيق وأن على القيادة أن ترى حقائق الأمر الواقع على الأرض وأن تطرح رؤية وحلا جديدا ينسجم مع تلك المعطيات ألا وهو حل الدولة الواحدة والذي يمكن الوصول إليه من خلال عدة سيناريوهات محتملة نملك القدرة على تحقيق بعضها.

* المحامي زياد أبو زياد – وزير سابق ومحرر مجلة “فلسطين- إسرائيل” الفصلية الصادرة بالإنجليزية- القدس. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى