ترجمات أجنبية

التهديد بالحرب هو السبيل الوحيد للسلام مع إيران …!!

دنيس روس – فورين بوليسي –  29/10/2021

كتب المبعوث الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط دينيس روس، وهو حالياً باحث بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، المركز البحثي التابع للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، مقالة في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية حرّض فيها إدارة الرئيس جو بايدن على الضغط على إيران بالوسائل السياسية والدبلوامسية والاقتصادية والتهديد بالخيار العسكري حتى تلتزم بالاتفاق النووي ولا تواصل تخصيبها اليورانيوم إلى درجة توصلها إلى العتبة النووية.

إن نهج إدارة بايدن تجاه إيران استند إلى إعادة توضيب البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية من خلال استعادة الاتفاق النووي لعام 2015 والقيود التي تفرضها على البنية التحتية النووية الإيرانية حتى عام 2030. وتعتقد الإدارة الأميركية أنه بمجرد تحقيق ذلك، سيكون لديها الوقت للتفاوض بشأن اتفاق “أطول مدة وأقوى” – اتفاق من شأنه أن يمدد أحكام المهلة التي تنهي القيود المفروضة على حجم ونوع البرنامج. كما من شأن الاتفاق معالجة قضتي صواريخ إيران الباليستية و”السلوك العدواني” في المنطقة، بحسب تعبير روس.

مقاربة إدارة بايدن هي مثل الخطة العسكرية التي تبدو أنها تعمل حتى تواجه العدو (وتكتشف عدم فعاليتها)، تطلب الخطة من الإيرانيين المضي قدماً وقد أظهروا أنهم لن يكونوا شركاء في خطط البيت الأبيض. وبدلاً من ذلك، فقد جعلوا برنامجهم النووي أكثر تهديداً وشككوا بشأن إذا ما سيكون هناك رد دبلوماسي عليه. لم يقتصر الأمر على منع الإيرانيين للوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى بيانات المراقبة الخاصة بأنشطة التخصيب، ولكنهم اتخذوا خطوات ليس لها غرض مدني مبرر: تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 في المائة وإنتاج اليورانيوم، على حد زعمه.

أن الإيرانيين أعلنوا أن هذه الخطوات جاءت رداً على أعمال تخريب، التي ورد أنها إسرائيلية، ضد منشآتهم ومصانعهم النووية في نطنز وكرج، والتي تعمل وتنتج أجهزة طرد مركزي تعمل على تخصيب اليورانيوم. وزعم روس أن ذلك كان مجرد ذريعة لاتخاذ إجراءات لا علاقة لها على الإطلاق بالاستخدام السلمي للطاقة النووية.

على الرغم من أن مسؤولي إدارة بايدن يرفضون التبرير الإيراني للأفعال التي تدفع إيران نحو سلاح نووي، إلا أنهم أبلغوا الإسرائيليين، كما علم أخيراً خلال زيارته الكيان الإسرائيلي، أن هناك “ضغوطاً جيدو على إيران وضغوطاً سيئة” – مستشهدين بأمثلة التخريب في نطنز وكرج بأنها ضغوط سيئة لأن الإيرانيين استولوا عليها لتخصيب اليورانيوم إلى درجة قريبة من الأسلحة وإنتاج معدن اليورانيوم الذي يتمثل هدفه الأساسي في صنع لب قنبلة نووية. وفي حين أنه من المؤكد أن إيران استخدمت هذه الإجراءات لتجاوز عتبات خطيرة، فإن هذه الحجة تغفل نقطة أساسية. فالايرانيون فهموا مغزى هذه التصرفات ولم يخافوا. ومن الواضح أنهم توقعوا رد فعل ضئيلاً أو معدوماً، دبلوماسياً أو غير ذلك، من الولايات المتحدة أو الأعضاء الآخرين في مجموعة 5 + 1، بما في ذلك الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة. وكانوا على حق – إذ لم تكن هناك عواقب.

عدم خوف الإيرانيين مما يمكن أن يفقدوهم بسبب طموحاتهم النووية أمر خطير. فقد ينتج عن ذلك سوء تقدير من جانب إيران حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد ترد عسكرياً، وبالتأكيد تجعل النتيجة الدبلوماسية أقل احتمالاً.

هل يمضي الإيرانيون قدماً الآن في عمليات تخصيب قريبة من مستوى صنع الأسلحة، ومعدن اليورانيوم، وتشغيل سلسلة من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة للضغط على واشنطن لتحسين شروط الاتفاق النووي، حيث يحصلون على تخفيف للعقوبات أكثر مما يحق لهم في مقابل قيود أقل على بنيتهم التحتية النووية؟ أم أنهم يفعلون ذلك لأنهم يريدون تحقيق قدرة عتبة نووية شبيهة باليابان تمكنهم من الانتقال بسرعة كبيرة إلى سلاح نووي إذا اختاروا القيام بذلك؟ أم كلاهما، حيث إن هذين الخيارين لا يستبعد أحدهما الآخر؟

إن الإيرانيين ما لم يدركوا أن المسار الذي يسلكونه خطر عليهم، فإن احتمالية استخدام القوة سترتفع. فمن المؤكد أن الإسرائيليين، الذين يعتقدون أن التهديد النووي الإيراني وجودي لهم، يميلون أكثر إلى تجاوز عمليات التخريب ضد إيران والانتقال إلى الهجوم عسكرياً على البنية التحتية النووية الإيرانية بأكملها، وخاصة في الوقت الذي يرون فيه إيران تقترب من نقطة التحول للوصول إلى قدرة عتبة الأسلحة النووية مثل اليابان، القدرة التي من شأنها أن تعطي إيران إمكانية مواجهة العالم بالأمر الواقع النووي في الوقت الذي تختاره.

إذا أرادت الولايات المتحدة تقليل مخاطر نشوب صراع وإعطاء الدبلوماسية فرصة للنجاح، فسيتعين على إدارة بايدن استعادة خوف إيران من رد فعل أميركي وممارسة الضغط بشكل أكثر فاعلية، وأشار إلى أن هذا سيؤثر بالتأكيد على الإسرائيليين ويقلل من حاجتهم المتصورة للعمل بشكل مستقل.

إذاً كيف يمكن لإدارة بايدن تغيير الحسابات الإيرانية، وخاصة في الوقت الذي أعلن فيه الإيرانيون أخيراً أنهم سيعودون إلى المحادثات في فيينا؟ ستحتاج الإدارة إلى دمج وتنظيم عدد من التحركات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاستخباراتية والعسكرية. فسياسياً ودبلوماسياً، تحتاج إلى التركيز على عزل الإيرانيين. فمن خلال انسحابها من الاتفاق النووي من دون خطة لاستبداله، عزلت إدارة الرئيس بايدن ترامب عن طريق الخطأ الولايات المتحدة، وليس إيران.

إن القادة الإيرانيين لا يرون أنفسهم مثل كوريا الشمالية – فالعزلة مهمة. لكن عزل إيران سياسياً يتطلب الجدية الأميركية بشأن الدبلوماسية والعمل مع الآخرين، حتى عندما توضح العواقب إذا فشلت الدبلوماسية في منع الإيرانيين من أن يصبحوا دولة تمتلك أسلحة نووية. تشكل التهديدات والسياسة التصريحية جزءاً من هذا المزيج. فعلى سبيل المثال، تحتاج الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، إلى شرق أوسط مستقر، وليس شرقاً تمزقه الحرب، وإيران في مسارها النووي الحالي نحو الوصول إلى عتبة الأسلحة النووية تخاطر بوقوع حرب، على حد زعمه.

في عام 2009، خلال الفترة التي أمضيتها في إدارة الرئيس باراك أوباما، تم إرسالي إلى بكين، حيث قدمت حجة مفادها أن أياً من البلدين لا يرغب في رؤية صراع كبير في الشرق الأوسط، لكن برنامج إيران النووي، إذا لم يتم احتواؤه، سينتج ذلك. ولتجنب ذلك، كان على الصين أن تكون جزءاً من الجهد لعزل إيران سياسياً واقتصادياً وكانت ذلك لاحقاً.

من المؤكد أن الروس والأوروبيين “لا يريدون رؤية إيران تمتلك أسلحة نووية أو تطوّرها، وهم يفهمون كذلك مخاطر نشوب صراع أوسع في الشرق الأوسط إذا استمرت طهران في مسارها الحالي. يدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على وجه التحديد، أنه إذا شعرت “إسرائيل” بأنها مضطرة لضرب إيران، فإن حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في سوريا سيضربون “إسرائيل” بعشرات الآلاف من الصواريخ والطائرات بدون طيار. وبالنظر إلى الوجود الروسي في سوريا، فإن آخر ما يريده بوتين هو الوقوع في وسط مثل هذا الصراع”.

ما يربط مجموعة 5 + 1 معاً هو الرغبة في منع إيران من امتلاك أسلحة نووية والإيمان باستخدام الدبلوماسية لتحقيق هذا الهدف. وبهذا المعنى، من المهم إظهار التزام واشنطن بالدبلوماسية ولكن كذلك ما سيهدد استمرار استخدامها وسيهدد إيران في هذه العملية. إن تحقيق هذا التوازن يتطلب سياسة إعلانية تنبئ إيران بالخطر الذي تواجهه من دون تنفير الآخرين. لا يكفي الحديث (الأميركي) عن التفكير في خيارات أخرى، وهو الخط الذي أصبح روتينياً. بدلاً من ذلك، ينبغي على إدارة بايدن، مع التأكيد على التزامها بالدبلوماسية، أن تقول إنه إذا جعلت إيران التوصل إلى نتيجة دبلوماسية أمراً مستحيلاً، فإنها تخاطر ببنيتها التحتية النووية بالكامل (بمعنى تعرضها للضربات العسكرية).

قبل تغيير الموقف الإعلاني للولايات المتحدة، تحتاج إدارة بايدن إلى مشاركة خططها مع الأعضاء الآخرين في مجموعة 5 + 1. كما يجب على الرئيس جو بايدن أن يقرن سياسة إعلانية أكثر صرامة مع مبادرات إنسانية لإيران، ودعوة الأوروبيين وغيرهم للانضمام إلى الولايات المتحدة في تقديم لقاحات كوفيد-19 لها والمساعدة في معالجة مشاكل المياه الحادة في إيران، والتي من المتوقع أن تصبح أسوأ بسبب تغيّر المناخ وسوء الإدارة. فإذا رفض المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي العرض، كما هو مرجح، فسوف يساهم في عزلة البلاد من الخارج وإحباط أكبر من الداخل.

من الناحية الاقتصادية، لا ينبغي للولايات المتحدة أن ترفع العقوبات عن إيران، لكن بايدن يمكن أن يعرض مجدداً منح إعفاءات لمشتريات النفط الإيراني لبلدان محددة أو وصول طهران إلى بعض الأصول الإيرانية المجمدة في مقابل وقف التخصيب فوق نسبة 3.67 في المائة وشحن خارج البلاد للكمية المخزنة المخصبة فوق هذا المستوى، ووقف إنتاج معدن اليورانيوم، وإنهاء عرقلة مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمنشآت الإيرانية.

أما عسكرياً، ينبغي على الولايات المتحدة استخدام القيادة الوسطى الأميركية لإجراء تدريبات مشتركة مع “إسرائيل” والدول العربية، بما في ذلك دمج الدفاعات ضد الهجمات الباليستية وصواريخ كروز الجوالة، واستخدام الوسائل الإلكترونية والأسلحة الإلكترونية لإيقاف إطلاق الصواريخ، ومحاكاة الرد على هجمات القوارب الصغيرة. وقال: أعلم من التجربة أن إيران تولي اهتماماً وثيقاً للتدريبات الأميركية. ويجب أن تُظهر القوات الجوية الأميركية كذلك نفوذها العسكري على أساس منتظم وليس على أساس رمزي، من خلال الرحلات الروتينية لقاذفات “ب52 أتش” B-52H إلى المنطقة.

كما يحتاج بايدن إلى تغيير التفكير الإيراني بأن واشنطن لن تتصرف عسكرياً وأنها ستمنع “إسرائيل” من القيام بذلك. إذ يعد تزويد الإسرائيليين بمخترقة الذخائر الضخمة التي تخترق الجبال، وهي قنبلة تزن 30 ألف رطل تخترق أعماق الأرض قبل انفجارها، أحد الخيارات. ستحتاج “إسرائيل” إلى استئجار قاذفات B-2 لتتمكن من استخدامها، لكن الرسالة القائلة بأن واشنطن مستعدة لتقديم هذه القنبلة للإسرائيليين ستكون واضحة للإيرانيين: الولايات المتحدة تمنح الإسرائيليين الوسائل لمهاجمة منشآة فوردو، وهو موقع تخصيب مبني داخل جبل، وأنها مستعدة لدعم استخدامهم للقنبلة إذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لإضعاف البرنامج النووي الإيراني.

إذا أرادت واشنطن تقليل احتمالية استخدام القوة ضد البرنامج النووي الإيراني، فمن الضروري استعادة الردع. لذلك، يجب أن يعتقد قادة إيران أن الولايات المتحدة أو “إسرائيل” ستعمل عسكرياً لتدمير استثماراتهم الهائلة في البرنامج النووي، إذا استمروا على المسار الحالي ورفضوا التوصل إلى نتيجة تفاوضية. فليست هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها التهديد الموثوق باستخدام القوة ضرورياً لتجنب استخدامها”.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى