#شوؤن عربية

علي زبيدات يكتب – التطبيع الإسرائيلي – المغربي : الوقائع والخلفيات

علي زبيدات *- 28/12/2020

بعد موجات من الصعود والهبوط في العلاقات الإسرائيليّة- المغربيّة، يبدو أنّ تطبيعاً رسمياً بات قاب قوسين أو أدنى. يُحاول هذا المقال استكشاف ملامح التطبيع التاريخيّة والوضع الآني، خاصّةً وأنّه يعيش في إسرائيل ما يُقارب المليون يهودي من أصول مغربيّة، وعشرات آلاف الإسرائيليين يزورون المغرب سنوياً للسياحة والتجارة أو حتّى زيارات عائليّة. بفعل هذا الواقع، تسعى إسرائيل لنسج علاقات حميميّة مع دولة المغرب العربيّ، وهو ما يتمّ نسجه منذ فترة طويلة، إذ نجد عدداً كبيراً من الأمثلة على التنسيق التي يندر أن تجدها بين إسرائيل ودول عربيّة أخرى. مع كل هذا، ظلّ لسنوات طويلة موضوع التطبيع الرسمي بعيداً بسبب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ومُتأثراً من حركات المقاطعة التي يقودها الشعب المغربي.

خلفيّة تاريخيّة، اجتماعية وسياسية

استثمرت وتستثمر إسرائيل في المُشكلة الأمازيغية- العربيّة في المُجتمع المغربي بفعل العلاقة التاريخيّة والثقافيّة بين الأمازيغ واليهود في المغرب، إذ أنّ قبائل أمازيغيّة عديدة تهوّدت –تحوّلت إلى اليهوديّة- خلال المئة الأولى من الميلاد، وهؤلاء يرون في اليهوديّة جزءاً من الثقافة الأمازيغيّة. ونجد عدداً من اليهود الأمازيغ يعيشون في إسرائيل. وسوّقت إسرائيل سابقاً هذه العلاقة على أنّها حلف يهودي- أمازيغي ضد عدو عربي مُشترك.

يُشار إلى أنّ العلاقات الإسرائيليّة- المغربيّة بدأت عملياً في أواخر سنوات الخمسين، على خلفيّة ترتيب هجرة اليهود المغاربة لإسرائيل. ويُشير الباحث الإسرائيلي شموئيل سيغف إلى أنّه في العام 1963 وقّعت كل من الدولتين على اتفاقية سلاح برعاية شاه إيران اشتملت على دبابات فرنسيّة وطائرات حربيّة لتُساهم في الحرب مع الجزائر التي حظيت بالدعم المصري في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وتوطّدت العلاقات أكثر حتّى العام 1976، العام الذي استقبل به الملك المغربي حسن الثاني رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق رابين طالباً العون في تقديم العلاقات بين إسرائيل ومصر، وبعد أقل من عام استقبلت المغرب وزيريْ خارجيّة الدولتين في لقاء سرّي. أمّا في بداية عقد التسعينيات، فقد ساهمت اتفاقية أوسلو بتمتين العلاقات أكثر بين الدولتين، إذا قام كل من إسحاق رابين وشمعون بيريس بزيارة جديدة للمغرب العام 1993. تبعت هذا اللقاء اتفاقيّات اقتصاديّة وسياسيّة عديدة بينهما. ومن أجل تعزيز العلاقات أكثر تمّ تعيين سيرج بييردييجو، رئيس الجالية اليهودية، وزيراً للسياحة في المغرب، ولحقت ذلك زيارة رسمية لمُدراء أكبر تسع شركات اقتصاديّة في المغرب لإسرائيل (كتاب العلاقات المغربيّة، 2008).

وبإمكاننا القول إنّ العام 1994 كان أشبه بـ “شهر العسل” بين الدولتين، إذ تمّ استقبال قيادات ورجال أعمال إسرائيليين في مؤتمر الدار البيضاء، لتكون جزءاً من مجموعة لجان اقتصاديّة هدفها تطوير الشراكة الاقتصاديّة بين دول الشرق ودول شمال أفريقيا. وفي نهاية المؤتمر تم إعلان إنهاء المقاطعة العربيّة على إسرائيل، تلاها افتتاح مكاتب الارتباط في الرباط وتل أبيب.

غير أن موت الملك المغربيّ الحسن الثاني العام 1999، وفشل مؤتمر كامب ديفيد العام 2000، وتفجُّر الانتفاضة الثانية وما تلاها، أدى لبرودة في العلاقات بين الدولتين. والعلاقات الديبلوماسيّة الرسميّة توقّفت، كما أنّ الملك الجديد محمد السادس فضّل استثمار وقته في تعزيز حُكمه وحل الإشكالات والتحدّيات التي تنتظره ومنها على سبيل الذكر لا الحصر: موجة الأسلمة، قضيّة الصحراء الغربيّة وتحدّيات التطوّر. والتعاون بين إسرائيل والمغرب استمر لسنوات دون أي تقدّم، وبعد انتهاء شهر العسل الذي استمر لست سنوات، توقّفت العلاقات وظلّت مرهونة بتقدّم العلاقات الإسرائيليّة- الفلسطينيّة.

بماذا تستثمر إسرائيل لاستعادة العلاقات المغربية – الاسرائيليّة؟

العلاقة اليهودية – المغربية: تُعد اليهودية جُزءاً من الموروث المغربي الثقافي بفعل ألفي سنة من التاريخ المُشترك في المغرب. في أواخر عقد الأربعينيات، كانت الجالية اليهودية في المغرب هي الأكبر في العالم العربي بتعداد يُقدّر بـِ 270 ألف يهودي. هجرة عدد كبير منهم في سنوات الخمسين أدى لعلاقات شخصيّة بين مسؤولين رسميين إسرائيليّين ومغاربة. الجالية الصغيرة المُتبقيّة اليوم في المغرب تُقدّر بِـ 2500 شخص، ويعمل ممثلوها في مناصب رسميّة رفيعة، مما يُخولهم لعب دور مُشبِّك للعلاقات. منهم على سبيل المثال: أندريه أزولاي، يهودي مغربي يعمل مستشاراً للملك، وسيرج بييردييجو، رئيس الجالية والذي عمل سابقاً وزيراً للسياحة، ويعمل حالياً في تجنيد دعم اللوبي اليهودي في الولايات المُتحدة لصالح المغرب.

البُعد الجغرافي: تقع المغرب في أقصى غرب الشرق الأوسط، ما يجعلها جغرافياً بعيدةً عن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني على عكس الدول التي لها حدود مع إسرائيل أو التي تقع أكثر قُرباً من المنطقة. كما أنّ انتماء المغرب لأفريقيا وعلاقتها مع الغرب، يحملان أهمية كبيرة بالنسبة لها مُقارنة بعلاقاتها العربيّة، لا سيّما أنّ هذه الأسئلة دائمة التداول بين النُخب المغربيّة.

التّوجّه غرباً: تتوجّه كُلّ من الدولتين غرباً من ناحية السياسات الخارجيّة، مما يعطي لهما الفُرص للالتقاء في نفس الطرف، في برامج الاتحاد الأوروبي مثلاً وغيرها. كما تحظى الدولتين بدعم ورعاية غربيّة. أمّا عن العلاقة مع الولايات المُتحدة، فتسعى الدولتان للحصول على الدعم الأميركي في الصراعات التي تدور في مُحيطهما. في الحالة الإسرائيليّة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وفي الحالة المغربيّة الصراع في الصحراء الغربيّة. وتطمع المغرب في التوسط الإسرائيلي لدى الولايات المُتحدة في قضية الصراع على الصحراء الغربيّة والاعتراف بالسيادة المغربيّة عليها.

مُعاداة التوجّهات القوميّة والإسلاميّة: تشترك كل من المغرب وإسرائيل في مُعادات التوجّهات القومية والإسلاميّة. بدأت هذه التوجّهات المُشتركة مع إمداد إسرائيل للمغرب بالأسلحة الفرنسيّة خلال حربها مع الجزائر في سبيل صدّ موجة التعريب التي بدأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وصرّح بأهمّية ذلك عدد من قادة إسرائيل، وفي أهميّة الحفاظ على سيادات الدول العربيّة كُلاً على حدا كما حذّروا من تنامي التيار القومي في حينه والإسلامي اليوم. واشتركت المغرب وإسرائيل في السنوات الأخيرة بعدد من المؤتمرات المُشتركة والمنتديات الدوليّة التي تُعنى في هذا المجال (هآرتس، 2006)

الوساطة المُتبادلة: طوال سنوات، استعانت المغرب بإسرائيل وبالجالية اليهوديّة في الولايات المُتحدة وكندا لتقوية علاقتها مع الغرب، على سبيل المثال: في تشرين الثاني 1979 سافرت إلى الولايات المُتحدة بعثة من قبل الجالية اليهوديّة في المغرب، على رأسها رجل الأعمال دافيد عمّار، الذي كان رئيساً للجالية في حينه، بُغية تجنيد دعم الكونغرس الأميركي في منح المغرب المُساعدة لتجديد وتطوير سلاحها الجويّ، وفي تعبيرات أكثر وضوحاً عن طبيعة هذه العلاقة تمّ تعيين سيرج بييردييجو سفيراً مُتنقلاً لتطوير العلاقات مع اللوبي اليهودي في أميركا وكندا. أمّا إسرائيل، فمن جهتها ترى المغرب وسيطاً هاماً مع العالم العربي والإسلامي. كان ذلك واضحاً خلال مسار التطبيع مع مصر، حيث كانت المغرب مُلتقًى لكلا الطرفين، واستضافت عدداً من الجلسات كان أوّلها اجتماع وزيريْ الخارجيّة الإسرائيلي والمغربي آنذاك.

كما بذلت المغرب جهوداً واسعة في سحب الجانب الفلسطيني للاتفاق مع إسرائيل، كانت بدايتها العام 1982 حين استضافت المغرب القمّة العربيّة في فاس، وتمّ عرض “خطّة سلام” مغربيّة سعوديّة. وفي العام 1994 استضافت المغرب مؤتمر كازابلانكا في سبيل تطوير العلاقات الاقتصاديّة الإسرائيليّة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إطار اتفاقيّة أوسلو. يُذكر أنّه مع بداية الألفيّة الثانية لم تلعب المغرب هذا الدور بهذه القوة والمتانة لانشغال الملك محمد السادس بتحدّياته الداخليّة.

القدس والأماكن الإسلاميّة المُقدّسة: تشغل المغرب في المؤتمر الإسلامي رئاسة لجنة القدس والأماكن الإسلاميّة المُقدّسة. وهو موضوع يهم المغرب جداً بفعل منحه الملك المغربي صلاحيّات دينيّة. على مدار السنوات كانت هذه اللجنة تحمل بُعداً رمزياً فقط، ولم تعمل المغرب على عقد اجتماعاتها سوى مرّات معدود فقط!

على الرغم من هذا، فإنّ هذه اللجنة تُحتّم على من يقف على رأسها اتّخاذ مواقف على الأقل في لحظات الاصطدام في القُدس خصيصاً، كان أهمها موقف المغرب بعد نقل السفارة الأميركيّة للقدس العام 2017، مما حدا بالملك محمد السادس إلى مُراسلة البيت الأبيض بهذا الخصوص، وتوضيح موقفه الرافض للخطوة (القناة الإسرائيلية السابعة).

العلاقات في العقد الأخير: يتضح للمُتفحّص أن العلاقات بين البلدين، وعلى الرّغم من تراجعها في عهد الملك محمد السادس، إلّا أنّها لم تتوقف يوماً! فعلى الرغم من قطع العلاقات العلنيّة في إثر الحرب على غزّة العام 2009، إلّا أنّ الملك محمد السادس حافظ على العلاقات مع إسرائيل بواسطة مستشار والده السابق للشؤون الإسرائيليّة أندريه أزولاي كما عن طريق الجالية اليهودية في المغرب وفق ما يُشير له تقرير صحيفة “هآرتس” العام 2011.

ونجد مثلاً أن التعاون في المجال الأمني حافظ على استمراريته رغم كل الظروف التي مرّ بها الصراع، إذا تُشير المصادر الإعلاميّة الإسرائيليّة الرسميّة على رأسها تقارير القناة الثانية، إلى عدد من الصفقات التي جرت خلال السنوات الأخيرة، كان من بينها صفقات منظومات حرب إلكترونية وأجهزة رصد ومُراقبة (هآرتس). كما توضح القناة الثانية أنّ إسرائيل باعت للمغرب عدداً من المقاتلات الجويّة بدون طيّار عن طريق طرف ثالث – غالباً فرنسا- إضافةً لمعدّات عسكريّة للطيارين.

أمّا عن الجانب الاقتصادي، فيظهر أنّ العلاقات الاقتصاديّة والتجاريّة تشهد في السنوات الأخيرة تطوراً مُنقطع النظير، خاصةً في مجال السياحة، إذ تضاعف عدد السيّاح الإسرائيليين للمغرب بشكلٍ واضح بعد العام 2011 في إثر ثورات الربيع العربي في مصر وتونس ويُقدر بعشرات الآلاف سنوياً. أمّا التبادل التجاري فعادةً ما يتم بواسطة طرف ثالث بسبب الرفض الشعبي للتعامل مع إسرائيل. ويُشار إلى أنّ السنوات الأخيرة تشهد تبادلاً كثيفاً في البعثات الأكاديميّة والرياضيّة والإعلاميّة بين البلدين.

وتتويجاً لهذا النهج، جاءت التصريحات الأخيرة عن التطبيع المغربي العلني مع إسرائيل، كان أبرزها – أو أكثرها فضحاً- تصريح وزير الخارجيّة المغربيّ ناصر بوريطة الحصري لموقع “والا” الإسرائيلي في تاريخ 23/12/2020، والذي أكّد فيه أنّ بلاده لن تقبل بعد اليوم “بنصف طريق” بل ستذهب في الطريق حتّى نهايته، وستكون العلاقات رسميّة، والزيارات المُتبادلة واللقاءات الثنائيّة على كلّ المُستويات دون استثناء. وأكد أنّ بلاده كانت تتحيّن اللحظة المُناسبة لعقد هذا التوقيع العلنيّ، والذي سبقه عدد من الاتفاقيّات السياسيّة، التجاريّة، الأكاديميّة والسياحيّة التي وُقِّعَت مؤخراً.

في النهاية نجد أنّه وبالإضافة لكل ما ذُكر أعلاه، فإنّ أهم عوامل هذا الانزلاق هو الكسر الذي شكّله التحالف الإماراتي وسعيه الدائم لجرّ باقي الدول العربيّة لحظيرة التطبيع بواسطة سياسة الجزرة والعصا، والدور الذي لعبته إدارة دونالد ترامب وما خلّفته وراءها. ويجدر التنويه، كما دائماً، أنّ الشعوب العربيّة ومن بينها الشعب المغربي ترفض رفضاً قاطعاً أي علاقة مع إسرائيل ويتمثّل رفضها في التنظيمات التي تدعو إلى المقاطعة ومعاداة التطبيع التي تمّ تأسيسها على مدار عقودٍ خلت، وفي الموقف الشعبي العام المُساند للقضيّة الفلسطينيّة وللشعب الفلسطيني والمعادي للصهيونيّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى