أقلام وأراء

التضاريس الصعبة للخريطة الانتخابية الفلسطينية

 ماجد كيالي – 10/4/2021

إذا كان ثمة مأثرة للعملية الانتخابية الفلسطينية الجارية، بغض النظر عن اكتمالها بكل مراحلها من عدم ذلك، فهي أنها حركّت المشهد السياسي الفلسطيني، أكثر من أحداث وقضايا كثيرة، وبيّنت الحيوية السياسية المختزنة عند الفلسطينيين، ولو مع نوع من الفوضى، كما كشفت توقهم إلى إحداث تغيير، أو فرق، في تعبيراتهم وعلاقاتهم وكياناتهم السياسية، وقد حدث ذلك على رغم الإحباطات، وحال الجمود، والفجوة بينهم وبين فصائلهم.

ثمة مفاجآت كثيرة اكتنفت تلك العملية، أولها، إقبال فلسطينيي الضفة وغزة على التسجيل للانتخابات، إذ بلغ عدد المسجلين مليونين و546449 شخصاً، أي حوالى 93 في المئة من أصحاب حق الاقتراع. وثانيها، وصول عدد القوائم إلى 36 قائمة، علماً أن الانتخابات تجرى وفق نظام الطريقة النسبية على الصعيد الوطني، إذ بلغ عدد المرشحين في تلك القوائم 1389 مرشحاً، بينهم 405 نساء بنسبة 29 في المئة؛ في حين تقدمت إلى الانتخابات السابقة (2006) 11 قائمة، تمكّن 6 منها فقط من اجتياز نسبة الحسم، ودخول المجلس التشريعي. وثالثها، أن كل التعهدات، أو المعايير، التي وضعها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو رئيس المنظمة والسلطة و”فتح”، لا سيما في شأن عدم ترشح أي شخص في الهيئتين القياديتين للحركة (اللجنة المركزية والمجلس الثوري) تكشفت عن حبر على ورق، إذ تم ترشيح خمسة أعضاء من اللجنة المركزية في قائمة “فتح” الرسمية، مثلاً.

في ما يخص الخريطة الانتخابية، من الناحية السياسية لعل أكثر شيء بات يستحوذ على اهتمام الفلسطينيين والمتابعين يتعلق بالصراع الدائر بين أجنحة حركة “فتح”، بخاصة في معركة بات عنوانها الأكبر يستهدف كسر هيمنة الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، والتخلص من تفرده في الخيارات والسياسات، وطريقته في الإدارة، مع ما في ذلك من أثر على مجمل الكيانات الفلسطينية، خصوصاً الكيانين الجمعيين (المنظمة والسلطة)، ولما لحركة “فتح” من مكانة في أوساط الفلسطينيين، تبعا لمكانتها التاريخية في قيادة العمل الفلسطيني، وكونها الأكثر شعبية في الداخل والخارج.

هكذا، ففي حركة “فتح”، برز مروان البرغوثي، عضو لجنتها المركزية، والأسير في السجون الإسرائيلية منذ عقدين، بمثابة العنوان الأبرز في مجال تحدي هيمنة أبو مازن، وهو الذي أضحى بمثابة الشخصية الأكثر شعبية في أوساط الفلسطينيين، وهو الذي يرتب لترشيح نفسه للرئاسة، وإن في منافسة مع الرئيس. لكن الجديد في ما يتعلق بحركة “فتح” تمثل بخروج ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية لتلك الحركة، أيضاً، عن الخضوع لإرادة أبو مازن ما أدى إلى فصله، بعد تشكيله ما سمي “الملتقى الوطني الديموقراطي”، تحضيراً لتشكيل قائمة انتخابية منافسة. وفي كل الأحوال فقد تعزز موقف القدوة بعد التوافق بينه وبين البرغوثي، الذي يحظى بشعبية واسعة، على تشكيل قائمة موحدة (الحرية) للمنافسة على مقاعد المجلس التشريعي (132)، ومن المتوقع أن تحصد هذه القائمة عدداً مهماً من المقاعد.

بيد أن مشكلة “فتح” لا تتوقف عند هذا الحد، فقط، فثمة مشكلتان إضافيتان، أولاهما، وجود قائمة أخرى، محسوبة على قاعدة “فتح” الانتخابية، وهي قائمة “المستقبل”، التي تضم ما يسمى تيار “الإصلاح” (دحلان)، التي تحظى بنفوذ أوسع في غزة، والتي لا يخفى أن ثمة دعماً إقليمياً لها. وثانياً، حال التخبط التي اكتنفت تشكيل قائمة فتح الرسمية، كالعادة، بسبب غياب المعايير التي يتم وفقها التنسيب للقائمة.

أما من جهة “حماس”، وهي الحركة السياسية الثانية في الإطار الفلسطيني، والسلطة في قطاع غزة، فيحتسب لها تنظيمها أمورها بطريقة أفضل بكثير من غريمتها، بل إنها ترى نفسها في وضع أفضل بالنظر إلى التخبطات والاختلافات التي تشهدها “فتح”.

اللافت أنه لا توجد قوة ثالثة يعتد بها إزاء الحركتين الكبيرتين (فتح وحماس)، وهما السلطتان في الضفة وغزة، ربما باستثناء قائمة “الحرية” الفتحوية، إذ إن الفصائل المحسوبة على اليسار لم تصل إلى توافق فيما بينها، علماً أنها في الانتخابات السابقة لم تحظ سوى على خمسة مقاعد في المجلس التشريعي (3 للجبهة الشعبية، و2 لكل من الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب وفدا)، بمعنى أنها حتى لو توافقت فمن الصعب عليها، في ظل ترهل أوضاعها وانحسار شعبيتها، أن تحرز نتائج أفضل من السابق.

على ذلك، فإذا استثنينا الحراك داخل حركة “فتح”، على خلفية الانتخابات، ومع غياب أو تشتت أو أفول فصائل اليسار، فثمة ظاهرة جديدة أفرزتها العملية الانتخابية تتمثل بوجود قوائم تعبر عن عصبيات عشائرية ومناطقية، وهي ظاهرة سلبية، ودلالة على فراغ سياسي في مجتمع الفلسطينيين في الضفة وغزة، وعلى إحباط من الكيانات السياسية الموجودة.

مثلاً، في الانتخابات الحالية، ثمة 7 قوائم تعبر عن كيانات سياسية هي: قائمة حركة فتح (الرسمية)، القدس موعدنا (حماس)، نبض الشعب (الجبهة الشعبية)، قائمة التغيير الديمقراطي (الجبهة الديموقراطية)، اليسار الموحد (حزب الشعب وفدا)، قائمة الحرية (البرغوثي- القدوة)، المستقبل (“التيار الإصلاحي”- دحلان)، وثمة قوائم تعبر عن المجتمع المدني مثل: معاً قادرون (سلام فياض)، المبادرة الوطنية الفلسطينية للتغيير وإنهاء الانقسام (مصطفى البرغوثي)، وطن للمستقلين (حسن خريشة)، حلم التجمع الشباب المستقل، كرامتي الشبابية المستقلة. كما ثمة قوائم أخرى مختلفة تعبر عن انتماءات مناطقية أو مهنية أو عشائرية مثل: فلسطين للجميع، الوفاء والبناء، حراك طفح الكيل، تجمع الكل الفلسطيني، فلسطين تجمعنا، العودة، عائدون، القائمة المستقلة، عدالة، العهد للوطن (مستقلة)، الفجر الجديد، الحراك الفلسطيني الموحد، نهضة وطن، نبض البلد، العدالة والبناء، كتلة العهد والوفاء (المرابطون)، صوت الناس، الحركة الوطنية (حق)، فلسطين الموحدة، تجمع المستقلين، الحرية والكرامة، المستقبل الفلسطيني، قائمة كفاءة، قائمة العدالة للجميع مستقلة.

باختصار، يمكن القول إن لحركتي “فتح” و”حماس” كتلة ناخبين صلبة بقدر 30- 35 في المئة لكل منهما، لذا يغدو الثلث الباقي مجالاً للتصارع والاستحواذ بين “فتح” و”حماس” وبقية الفصائل والقوائم، مع أخذنا في الاعتبار أن قوائم “فتح” المختلفة ربما يكون لها حظ أكبر وفقاً لمقولة: “رب ضارة نافعة”، أي أن فتح التي تضررت بالاختلاف، قد تستثمر مرتين في هذا الأمر، أولاً، عبر حيازة نسبة من أصوات الغاضبين أو المستائين من السلطة ومن خيارات القيادة الفلسطينية (فتحوياً وشعبياً)، وثانياً، عبر كسر احتكار محمود عباس للقرار، وضعضعة هيمنته. في المقابل، فإذا كانت حركة “حماس” مرتاحة لحصتها في المعركة الانتخابية، مقارنة بـ”فتح”، فإن الخاسر الأكبر سيكون ما يسمى فصائل اليسار الفلسطيني.

في الواقع فقد أراد الرئيس الفلسطيني، ومن معه من الطبقة السياسية المهيمنة، أن يجدد شرعيته (وشرعية سلطته)، بعد 15 سنة في منصب الرئيس، وفي عمر الـ85، إلا إن تلك الانتخابات، إذا تمت، سوف تؤدي إلى عكس ذلك، على الأرجح، أي إلى التخلص من هيمنته، والتمهيد ربما لاحقاً لإحداث تغيير سياسي فلسطيني طال انتظاره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى