أقلام وأراء

التحالفات في الانتخابات : ما بين النضج السياسي والاستراتيجيات الانتخابية

بقلم د. دلال عريقات *- 4/4/2021

في ظل النظام الانتخابي الحالي المبني على القوائم، علينا إدراك أهمية ودور بناء التحالفات في العملية الانتخابية، التحالف يكون وثيق الصلة بالاستراتيجية الانتخابية وهناك أسباب رئيسية لتشكيل هذه الائتلافات السياسية منها لضمان أغلبية في الحكومة أو لتأمين أغلبية حاكمة في المعارضة.

خلال عملية الانتخابات قد يكون الهدف الرئيسي من وراء التحالفات هو توطيد الدعم الانتخابي وتعظيم النتائج التي قد تضمن أغلبية مقاعد وبالتالي ضمان تفوق حزب على آخر.

لتشكيل تحالف ناجح لا بد من توفر مجموعة عوامل منها أن يرتبط بهدف عام يرضي شريحة واسعة من الناخبين، خاصة في ظل وجود خلاف جوهري! ويجب أن يُظهر كل شريك قدرته على فهم وجهة نظر الآخر وأن يكون هناك استعداد لتقديم بعض التنازلات. لخروج تحالف ناجح يجب أن يتوفر شعور بالشراكة الحقيقية حتى لو كان الأعضاء مختلفون في الحجم فلا يعني التحالف ان تكون جميع المناصب والمسؤوليات مقسمة بالتساوي داخل هذا الائتلاف بشرط ان يكون هناك احترام للسمات الفريدة التي يجلبها كل من أعضاء وممثلي الأطراف المتحالفة.

لبناء تحالف ناجح وحتى لا تضيع المصداقية ولا يهدر الوقت لا بد أن تعرف الأحزاب أو الشخصيات ما تريد من وراء التحالف، وعليها أن تكون واقعية في تقييم ما يمكن تحقيقه من وراء الشراكة السياسية وتخرج باتفاقية نهائية فيتم أحياناً إقصاء البعض، فلا يمكن تحقيق كل شيء تتمناه أطراف التحالف. عادة يتم نشر الاتفاق كوثيقة رسمية موقعة من قبل الاطراف لاثبات وحدة التحالف وتعزيز الشفافية ولتجنب سوء الفهم والتفسيرات المختلفة.

ولهذا نظرياً يجب تخصيص الوقت والموارد الكافية لتفسير وشرح هذه التحالفات للقاعدة الشعبية لضمان “تأييدهم” لأهداف هذا التحالف. وعندما تنشأ الخلافات عادة ما تبقى سرية وداخلية للحفاظ على ثقة الأعضاء وتجنب اضعاف التحالف ويجب أن لا تقوم الاطراف الفردية بمحاولة تحقيق مكاسب من خلال تسريبات او بث للنزاعات الداخلية للتحالف. الاستراتيجية الانتخابية في التحالفات مهمة جداً فأي ائتلاف بحاجة لنهج ورؤية استراتيجية للانتخابات والهدف النهائي هو زيادة عدد المقاعد التي يفوز بها التحالف.

وجب التوضيح أن النظام والقانون الانتخابي يحدد الاستراتيجية الانتخابية لضمان عدد المقاعد ولتحقيق أقصى درجة من الفعالية لا بد من تقييم نقاط القوة والضعف لكل عضو في التحالف.

في الحالة الفلسطينية، سجلت ٣٦ قائمة في لجنة الانتخابات المركزية لخوض الانتخابات، تجري الآن عملية مراجعة وتدقيق لأهلية هذه القوائم ومواءمتها للشروط القانونية للترشح.

سيناريوهات التحالف المطروحة الآن:

– أولاً: سيناريو الانسحاب بدلاً من التحالف؛ انسحاب بعض القوائم حتى نهاية نيسان (المدة القانونية للانسحاب)، عادة يأتي الانسحاب دعماً لقوائم اخرى اكثر حظاً لتقويتها أمام قائمة منافسة أو يأتي الانسحاب خوفاً من الهزيمة؛ والمسجلون في السجل الانتخابي ويحق لهم الاقتراع بلغ عددهم مليونين ونصف 2,546,449. إذا صوت في الانتخابات 75% ممن يحق لهم الاقتراع فستكون نسبة الحسم للحصول على مقعد (1.5%) تعادل 28,647 صوتا؛ بمعنى أنه للحصول على مقعد واحد في المجلس التشريعي تحتاج القائمة لحوالي 29000 صوت لكل مقعد وهذا معادلة صعبة في ظل الأعداد الكبيرة للقوائم.

ثانياً: تحالف القوائم المنبثقة عن الحزب الواحد؛ وهنا تستمر القوائم التي تمثل نفس الحزب بالمنافسة خلال مرحلة الدعاية وبالتالي قد تتشتت أصوات الحزب بين قوائمه! الا أن هذا التشتت سرعان ما نراه ينصب في مصلحة الحزب النهائية حيث عندها نشهد خلق تحالف اوتوماتيكي تحت قبة المجلس التشريعي. فبالرغم من الخلافات الجوهرية بين الاعضاء تكون هناك المصلحة الحزبية في الحصول على الأغلبية التي تمكنهم من تشكيل حكومة. هذا السيناريو يحتاج لنضج سياسي وتخطيط ومعرفة باستراتيجيات الانتخابات، هذا السيناريو يتطلب تقديم مصلحة الحزب على الخلافات والمصالح الشخصية ولا أستبعد ان نرى هذا السيناريو من قوائم فتح لمواجهة خصمهم الموحد في قائمة واحدة.

فهم واستيعاب هذا السيناريو، سيقلل من فرص تأجيل الانتخابات، اذا كان السبب الحقيقي في التأجيل هو الخوف من الهزيمة للحزب الحاكم، نقلل من هذا الشأن بحكم استراتيجيات التحالف في المجلس التشريعي.

ثالثاً: تحالف يجمع قوائم تمثل أحزاب مختلفة، ولا ننسى ان هذا الخيار جرى مناقشته والعمل عليه من قبل الامناء العامين للفصائل ولكن جهودهم لم تنجح لتشكيل قوائم مشتركة، اما السيناريو الوارد الان هو تحالف قائمة حماس مع قوائم أخرى مستقلة لضمان الأغلبية، هذا السيناريو يحتاج دهاء ونضجا سياسيا ورؤية استراتيجية خارج حدود منافع الحزب، سيصعب خلق تحالفات مع قوائم اليسار على أساس ايديولوجي إلا اذا وجدت الخبرة في الاستراتيجيات الانتخابية والنضوج السياسي الذي يضمن خلق أغلبية في المعارضة تخرج معارضة وازنة وحقيقية في المجلس التشريعي.

أهم ما في التحالفات أن تدرك الأطراف الأعضاء أهمية “بيع” الاتفاقية الى القاعدة الشعبية للحزب وهي التي تمثل الدائرة الانتخابية الاكثر اهمية. غالباً ما يعتقد قادة الحزب عند الدخول في ائتلاف أن القواعد الشعبية للحزب “ستتبع” كأمر مسلم به، ومع ذلك غالباً ما تواجه الأحزاب قدراً من المقاومة حيث يميل أنصار القاعدة الشعبية الى أن يكونوا الاكثر حزبية ويمكن ان ينظروا الى هذه التحالفات على أنها تهديد لهوية الحزب مما قد يشكل خطراً على بقاء الحزب وعليه تتطلب عملية التحالف تواصل مستمر بين قيادات الأحزاب والقاعدة.

* دلال عريقات  أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى