#شؤون اقليمية

البرنامج النووي الايراني ومفاوضات فيينا: ما الذي تريده اسرائيل

د. عوض سليمية * 16-12-2021م

بينما تتفق الحكومتان الاسرائيليتان السابقة (حكومة نتنياهو) والحالية ( بينيت، لابيد) بضرورة منع ايران من امتلاك سلاح نووي الا انهما يختلفان في الادوات المطلوب استخدامها واليات الضغط الواجب اتخاذهما لحث الولايات المتحدة والضغط عليها لحل هذه المعضله. وبينما تحاول اسرائيل ممارسة الضغط على المفاوضين في فينا للوصول الى افضل صيغة لاتفاق جديد يمنع ايران من امتلاك سلاح نووي، إلا انها في الوقت نفسه، تعلن تحللها من اي اتفاق قد تتوصل اليه الاطراف المشاركة ولن تلتزم ببنوده. 

عام 2015، وفي ذروة الخلاف بين نتنياهو وإدارة اوباما حول صفقة المشروع النووي الايراني، عارض نتنياهو وبشدة قيام إدارة اوباما التوقيع على اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة مع طهران، والذي نص ضمن بنوده المتعددة، على التزام طهران بوضع برنامجها النووي بكامله تحت عدسة لجنة المفتشين الدوليين، وعلى ألا تزيد إيران نسبة تخصيب اليورانيوم عن الحد المسموح به سلمياً 3.67%، ففي خطابه امام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس الأمريكي (النواب والشيوخ) في 3 آذار/ مارس 2015، صور نتنياهو نفسه أنه المدافع الوحيد والمخلص عما أسماه أمن اسرائيل وصور الاتفاق على أنه رضوخ للاملاءات الايرانية وسيمنح إيران القنبلة النووية. هذه الانتقادات اللاذعة للادارة الامريكية، وبحسب مراقبين، دفعت الرئيس اوباما في آخر ايامه الى تفريغ الغضب المكبوت وتمرير قرار مجلس الامن رقم 2334 والقاضي من بين امور اخرى، بعدم شرعية المستوطنات الاسرائيلية المقامة على اراضي دولة فلسطين بما فيها القدس الشرقية، وبالتالي خسر نتنياهو الرهان في القضيتين. 

إستمر نتنياهو وحلفائه في اللوبي الاسرائيلي وخاصة “ايباك” وخلال الايام الاولى من تولي دونالد ترامب الحكم، في الضغط على الادارة الجديدة للانسحاب من الاتفاق وكان لهم ما أرادوا، فقد أعلن الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب بتاريخ 8 أيار /مايو 2018 اغراق الاتفاق النووي الايراني والانسحاب منه من طرف واحد واصفاً الاتفاق بأنه كارثي. وأعلن إعادة العمل بنظام العقوبات على طهران، وممارسة سياسة الضغط القصوى لاخضاعها، وكان نتنياهو اول المحتفلين بهذا الانجاز. 

الرد الايراني لم يتأخر على هذا السلوك الاستفزازي الصادر من البيت الابيض، وكجزء من خطة التحرك الاستراتيجية الإيرانية للتصدي للعقوبات الخارجية التي وافق عليها البرلمان الايراني، فقد اعلنت طهران استئناف العمل في مفاعلاتها النووية، والبدء بعمليات التخصيب خارج مستوى الاتفاق المسموح به 3.67%، على اعتبار أن الطرف الرئيس في المعاهدة قام بنقضها. بعد ثلاث سنوات وبحسب كل التقديرات، اصبح البرنامج النووي الايراني في مرحلة متقدمة، وفقا لعدد من الخبراء وتصريحات منسوبة لقادة طهران، أن الاخيرة اصبح لديها مخزون من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% و60%، هذا يعني أن ايران باتت على اعتاب امتلاك سلاح نووي. وأن سياسة الضغط القصوى الامريكية لم تمنع ايران من مواصلة بناء برنامجها النووي. 

خارطة توضح مواقع المفاعلات النووية الايرانية الى جانب منشآت عسكرية. 

 

تتزايد هذه الايام الانتقادات المتأخرة من داخل المؤسسة العسكرية والامنية الاسرائيلية من سلوك رئيس الوزراء السابق نتنياهو في محاولاته دفع إدارة ترامب للانسحاب من الاتفاقية النووية مع طهران، ويرى المنتقدون أن هذا الانسحاب منح طهران وقتاً ثميناً لمواصلة تخصيب اليورانيوم، وتطوير برنامجها النووي حتى وصل الى مرحلة اللاعودة. ولكن على ما يبدو، أن آخر من يرصد هذا التطور هو رؤساء حكومات إسرائيل، من ناحية، فقد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقريرها عمق الخلافات بين الادارة الامريكية وحكومة بينيت: تقول الصحيفة، “تحولت الخلافات طويلة الأمد حول كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني إلى توترات جديدة بين إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن وإسرائيل، حيث غادر مسؤولان إسرائيليان كبيران “رئيس الموساد ديفيد بارنيع ووزير الدفاع بيني جانتس” واشنطن قلقين من أن التزام الأمريكيين باستعادة الاتفاق النووي لعام 2015 سيؤدي إلى خلل، وأن هذا الاتفاق يسمح لطهران بالمضي قدما في برنامجها لتخصيب اليورانيوم”.

من ناحية اخرى، وعلى طرفي نقيض، إنتقد عدد من جنرالات اسرائيل ممن خدموا في عهد نتنياهو الخطأ الكارثي الناجم عن الانسحاب من الاتفاق النووي الايراني، فقد اعترف نائب رئيس الموساد السابق أن قرار نتنياهو العمل على إسقاط الاتفاق النووي مع ترامب كان خطأ كبير، ووجه له انتقاداً لاذعاً، “إذا نظرت اليوم، في آذار 2021، سأجد أن لدينا وضعاً فيه تخصيب لليورانيوم في بوردو، وعمل في كاشان ونطنز، وقد جمعوا 2.5 طن من اليورانيوم المخصب، وهناك الآن أجهزة طرد مركزي متطورة. وضعنا اليوم أسوأ بالنسبة للوضع في أثناء الاتفاق النووي. فهم لم يتوقفوا لثانية عن توسعهم الإقليمي، وينتجون الصواريخ… (صفقة ترامب نتنياهو/ للانسحاب من الاتفاقية) كانت صفقة سيئة. عدنا إلى المكان ذاته” (1).

من جانبه اعترف وزير الأمن الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، الذي تحدّث في مؤتمر حول الأمن القومي لإسرائيل، نظّمته صحيفة «هآرتس» العبرية، أن الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران كان «خطأ فادح»، لافتاً إلى أنه «كان أسوأ من الاتفاق نفسه، الذي عارضه لدى التوقيع عليه» (2). في السياق، و في مقابلة نشرت على موقع بلومبرج قال الجنرال الإسرائيلي إسحاق بن إسرائيل إن “أسوأ خطأ استراتيجي في تاريخ إسرائيل هو إقناع رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني”. وشدد على ضرورة دعم إدارة بايدن على إحياء الصفقة التي تركز على منع إيران من تصنيع قنبلة نووية” (3).

ضمنياً، يرى رئيس الوزراء بينيت أن السياسات الفاشلة لسلفه نتنياهو أوصلت ايران الى هذا المستوى من القدرة على تخصيب اليورانيوم، فقد هاجم  مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، واتهمه بالتسبب بتقدم البرنامج النووي الإيراني نحو حيازة طهران قنبلة نووية. وقال المصدر في مكتب بينيت لقد كان نتنياهو رئيسا للحكومة طوال 12 عاما، وإهماله هو الذي سمح لإيران بالوصول إلى أكثر نقطة متقدمة في البرنامج النووي. وبالنتيجة، هذا فشل خطير. وهو يدرك ذلك (4).

يرى مراقبون، أنه وعلى مدار سنوات الحصار اثبتت استراتيجية الضغط القصوى التي انتهجها ترامب لاحتواء طهران فشلها، وباتت تأتي بنتائج عكسية، فطهران وسعت نفوذها في الدول العربية طولاً وعرضاً، وبات لها إذرع عسكرية جاهزة للمواجهة، كما أن قدراتها العسكرية تتعزز، واصبحت رابع قوة عالمية قادرة على انتاج صواريخ قصيرة، متوسطة وبعيدة المدى ذات دقة إصابة عالية للاهداف وبدون مساعدات خارجية، الى جانب أن برنامجها النووية يتطور بإعتراف المجتمع الدولي، يضاف الى ذلك، تطوير علاقات استراتيجية مع الصين وروسيا العدوين التقليديين لامريكا، واصبح لدى طهران القدرة الكافية الى حد ما للالتفاف على ادوات الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل واشنطن وبعض حلفائها من الغرب، وباتت تُكيف موازنتها السنوية وخططها الاقتصادية ضمن ظروف الحصار، ولم نشهد ثورة داخلية على النظام الايراني وفق تصورات ترامب ونتنياهو، وعليه فان رهانات ترامب ونتنياهو لإضعاف ايران لم تجدي نفعاَ. 

إذا كانت سياسة الضغط القصوى (الاقتصادية، السياسية والعسكرية) التي افضت إليها حالة الانسحاب من الاتفاقية النووية في عهد ترامب عام 2018 لم تحد من ايقاف برنامج ايران النووي، وكانت خطأ فادحاً من وجهة نظر جنرالات إسرائيل، وبالمقابل إعادة احياء الاتفاقية النووية الجارية في فينا هذه الايام أيضاً لم تقنع اسرائيل بقدرة بنود هذا الاتفاق (في حال تم) على احتواء برنامج وقدرات ايران النووية والصاروخية، ومع قناعة إسرائيل التامة بعدم قدرتها على مهاجمة ايران بصورة منفردة بدون دعم امريكي مباشر _ وهو الخيار الذي لا تفضله الادارة الامريكية الحالية، رغم بعض الاشارات عن تحضير البدائل في حال فشل جولات المفاوضات الدائرة الان، إذاً: ما الذي تريده اسرائيل من أمريكا، وهل تكرار تهديداتها وتحديها لادارة بايدن سيدفع الاخير الى تكرار نفس موقفه سلفه الديموقراطي اوباما، من قبيل اعادة افتتاح القنصلية الامريكية في القدس الشرقية و/أو إعادة إفتتاح مكتب ممثلية منظمة التحرير في واشنطن … من جانب واحد ودون الاستئذان من إسرائيل. أم سيمنح إسرائيل حصانة الحماية تحت المظلة النووية الامريكية على غرار اليابان وكوريا الشمالية الى جانب امتيازات مالية وعسكرية غير مسبوقة حال التزامها الصمت بعد اعلان الاتفاق. 

هوامش :

[1] https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AD%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%88%D9%8A-%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%86%D9%81/

[2] https://al-akhbar.com/Palestine/324043

[3] https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2021-12-07/israel-must-change-its-strategy-to-iran-and-the-jcpoa

[4] https://www.arab48.com/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/2021/07/14/%D8%A8%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%AA-%D8%A5%D9%87%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-%D8%B3%D9%85%D8%AD-%D8%A8%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D9%85%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A

* باحث في العلاقات الدولية، معهد فلسطين لابحاث الامن القومي، مدير برنامج دراسات السياسة الخارجية الامريكية، زميل أبحاث ما بعد الدكتوراة جامعة Utara Malaysia UUM.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى