الصراع الفلسطيني الاسرائيلي

الانتفاضة بعد 20 عاماً بعيون محللين إسرائيليين : إسرائيل تمضي يمينًا.. وبذور انتفاضة جديدة !

بقلم خلدون البرغوثي * – 5/10/2020

برزت الذكرى العشرون لانطلاق الانتفاضة الثانية بشكل ملحوظ في وسائل الإعلام العبرية، وتناولت التحليلات هذه المناسبة من عدة زوايا، فتوقف المحلل العسكري عاموس هرئيل في مقال في صحيفة “هآرتس” عند أهم الملامح العامة بعد مرور عقدين وحصرها في جملة واحدة “الاسرائيليون تحركوا يمينا، السلام ابتعد”، فيما اعتبرت عميره هاس (“هآرتس”) أن من أبرز نتائج الانتفاضة الثانية أن “العمليات الانتحارية خلقت ميزان رعب مع الإسرائيليين، لكنها لم توقف جرافات الإدارة المدنية”. ويستعرض إيال ليفي في تقرير مطوّل في صحيفة “معاريف” تسلسل الأحداث من وجهة نظر ثلاثة من القادة الإسرائيليين الذين تولوا مناصب أمنية وعسكرية في فترة الانتفاضة الثانية وهم شاؤول موفاز وموشيه يعلون وآفي ديختر، ويتناول تباين مواقفهم من أسباب انطلاقة الانتفاضة، وهل كانت عفوية أم مخططا لها.

وتركز تحليلات أخرى على قدرة إسرائيل على قمع الانتفاضة من ناحية، فيما تذهب هديل عزام جلاجل في مقال في “هآرتس” إلى التزامن بين الذكرى العشرين للانتفاضة الفلسطينية، وبين “يوم الغفران اليهودي”، وتتناول الهوية الفلسطينية في الداخل، والتظاهرات ضد نتنياهو، وهل يمكن الغفران للاحتلال في “يوم الغفران”!

موفاز ويعلون وديختر.. الانتفاضة بين العفوية والتخطيط

يستعرض إيال ليفي في صحيفة “معاريف” تباين وجهات نظر ثلاثة من القادة الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين الذين كان لهم دور بارز في مواجهة الانتفاضة الثانية، حيال أسباب اندلاع الانتفاضة.

يرى شاؤول موفاز الذي كان رئيسا للأركان عندما اندلعت الانتفاضة، ووزيرا للدفاع عند انتهائها في عام 2005، أن الانتفاضة كانت حدثا مخططا له. ويشير موفاز إلى أحداث سابقة شكلت مؤشرات بالنسبة لشعبة لاستخبارات العسكرية في الجيش- “أمان” إلى إمكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية لن تكون مشابهة لانتفاضة الحجارة الأولى العام 1987، بل ستكون انتفاضة “رصاص وعبوات متفجرة”. أبرز هذه الأحداث هي مواجهات استمرت ثلاثة أيام في ذكرى النكبة عام 2000 (أي قبل اندلاع الانتفاضة بستة شهور). ووقعت فيها اشتباكات مسلحة بمشاركة عناصر من تنظيم “فتح” ومن الأجهزة الأمنية الفلسطينية. هذا الحدث ومع فشل المفاوضات في “كامب ديفيد 2000” دفعا قادة الجيش للاستعداد لانتفاضة جديدة.

ويتفق موشيه يعلون الذي كان نائبا لموفاز في رئاسة الأركان في تلك الفترة، مع ما يطرحه قائده السابق بأن الرئيس ياسر عرفات سعى للانتفاضة لكنه لم يصدر الأمر المباشر لانطلاقها، بل كان هناك تناغم ولغة مشتركة بينه وبين مروان البرغوثي الذي تولى قيادة “التنظيم” لثقة عرفات بأن البرغوثي هو الأقدر على تولى مهمة قيادة الانتفاضة.

قال يعلون عن تلك الأحداث: “نزلت للميدان في مفترقات الضفة الغربية، نشطاء التنظيم أطلقوا علينا النار، عرفنا أن هؤلاء ليسوا نشطاء حماس ولا الجهاد الإسلامي، عرفات اختار مروان البرغوثي رئيسا للتنظيم (تنظيم فتح) لأنه كان على قناعة أن مروان سيقوم بالمهمة”.

ويرى يعلون أن اقتحام زعيم المعارضة آنذاك أريئيل شارون المسجد الأقصى ليس سببا لانفجار الانتفاضة، بل كان ذريعة لذلك، فحينها كان ياسر عرفات يبحث عن الفرصة المناسبة ليشعل النار.

في المقابل، يختلف رئيس جهاز الأمن العام (“الشاباك”) في تلك الفترة آفي ديختر في الرأي مع موفاز ويعلون. ويرى ديختر أن اندلاع الانتفاضة الثانية لم يكن مخططا، بل جاء نتيجة لاقتحام شارون للمسجد الأقصى يوم الخميس 28 أيلول 2000.

يقول ديختر إنه كان هناك جدل بين جهاز “الشاباك” وبين شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش- “أمان” حول كون الانتفاضة مخططا لها أم جاءت بشكل عفوي، وبقيت هناك عدة طروحات حتى عملية “السور الواقي” التي اجتاح فيها الجيش الإسرائيلي المدن الفلسطينية. فبعد اعتقال 8000 فلسطيني خلال الاجتياح – يقول ديختر- ساهمت التحقيقات معهم في بناء تصور حول الشبكة التي كانت تعتبر “برلمان الانتفاضة”، وأدت اعترافات هؤلاء إلى التوصل إلى النتيجة الحاسمة بالنسبة للشاباك، أن الانتفاضة لم تكن حدثا مخططا له.

ويتناول إيال ليفي في هذا التقرير أيضا الجهود الدولية لوقف الانتفاضة في بداياتها وتعرض كل من إسرائيل من جهة، وعرفات بشكل خاص من جهة أخرى، لضغوط للإعلان عن وقف أعمال العنف، لكن هذه الجهود من وجهة نظر ديختر فشلت مع انسحاب عرفات من مبادرة للتوصل لاتفاق في باريس في الرابع من تشرين الأول 2000 برعاية الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، وبحضور وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين اولبرايت وياسر عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود باراك. كما يشير ديختر إلى محاولة ثانية عقدت في شرم الشيخ بمصر بعد أسبوعين من لقاء باريس، بحضور الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون والمصري السابق حسني مبارك والأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان. ويقول ديختر إن فرص الاتفاق كانت معدومة، أيضا في هذه القمة.

ويستعرض التقرير كافة التطورات التي مرت بها الانتفاضة وصولا إلى انتهائها عام 2005.

في نهاية التقرير يقارن ديختر بين الوضع الحالي في غزة وبين الوضع في الضفة قبل عشرين عاما، ويقول “إن عملية مشابهة للدرع الواقي يجب أن تنفذ في غزة، فلا توجد أية فرصة سياسية لمنع ذلك”.

“ميزان رعب”.. لم يوقف جرافات الإدارة المدنية!

أما عميره هاس فتستعرض في “هآرتس” وضع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي حاليا، بعد مرور عشرين عاما على انطلاق الانتفاضة. وترى هاس في بداية تحليلها أن أبرز أسباب اندلاع الانتفاضة استغلال إسرائيل المفاوضات مع الفلسطينيين للمضي في مشروع المصادرة والاستيطان، وسط نفاق دولي لصالح إسرائيل. وتعتبر أن الانتفاضة الثانية لم تكن شعبية تماما عند مقارنتها بالانتفاضة الأولى، لكنها رسخت فكرة الصمود الشعبي في مواجهة القمع الإسرائيلي الذي استهدف الفلسطينيين.

وعلى مستوى الدعاية، تشير هاس إلى أن إسرائيل نجحت عالميا في تعزيز فكرة أن الحرب تدور “بين جيشين”، في ظل انخراط عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في تنفيذ عمليات ضد المستوطنين وقوات الجيش. وتشير إلى أن حركة “حماس” انضمت متأخرة لفعاليات الانتفاضة، لكنها أثبتت فعالية أكبر من حركة “فتح” فيما يتعلق بعدد القتلى الإسرائيليين في الهجمات التي نفذتها. وعن جدوى العمليات الانتحارية تقول هاس إنها “خلقت ميزان رعب مع الاسرائيليين، لكنها لم توقف استمرار جرافات الإدارة المدنية” في تنفيذ عمليات المصادرة والتوسع الاستيطاني.
وتخلص هاس إلى أن النضال الفلسطيني مني بأربع هزائم، فالانتفاضة الأولى التي أمل الفلسطينيون أن تنتهي بإقامة دولة على حدود 1967، لم تحقق ذلك.

كما لم تكبح اتفاقية أوسلو شهوة إسرائيل لالتهام الأراضي الفلسطينية.

كذلك لم تؤد الدبلوماسية الفلسطينية إلى نتائج ملموسة على الأرض لصالح الفلسطينيين.

وأخيرا، لم تحقق المقاومة الشعبية والقانونية انتصارا حاسما ضد استيلاء إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، رغم تحقيق انتصارات صغيرة هنا وهناك.

وترى هاس أن هذا الوضع يعتبر انتصارا شبه كامل لإسرائيل، فمصادرة الأراضي مستمرة، والضفة تتحول شيئا فشيئا إلى قطاع غزة جديد.

إسرائيل إلى اليمين.. والانسحاب من أراض فلسطينية يحولها لقواعد هجوم

أما عاموس هرئيل فيذهب إلى فحص تأثير الانتفاضة الثانية على المجتمع الإسرائيلي.

يسرد هرئيل في صحيفة “هآرتس” هذه التأثيرات على شكل نقاط أبرزها أن الانتفاضة أعادت تشكيل الخارطة السياسية في اسرائيل لصالح اليمين؛ إذ خلفت فترة العمليات الكبيرة نتائج نفسية وسياسية عميقة في اوساط الجمهور الاسرائيلي. فقد رسخت هذه الفترة رواية أنه “في كل مرة تنسحب اسرائيل من مناطق بشكل أحادي الجانب أو بشكل متفق عليه، فإن هذه المناطق تصبح منطلقا للعدو لتنفيذ هجمات جديدة”. وساهمت هذه الرواية في فوز نتنياهو وبقائه في الحكم في السنوات العشر الأخيرة، مع تقديمه نفسه للإسرائيليين على أنه هو الذي وفر لهم أطول فترات الهدوء.

مع ذلك يتوقع هرئيل أنه حتى بدء الإجراءات الجنائية في محاكمة نتنياهو في مطلع العام المقبل، فإن الأمن الشخصي للإسرائيليين وأسرهم سيبقى الاعتبار الرئيس الذي يبني عليه الناخبون في إسرائيل اختيارهم. ومع الفشل في التوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين ستبقى حالة عدم الثقة قائمة بين الطرفين، إذ لا يزال شعور الخوف المتبادل على حاله رغم مرور 15 عاماً.

هناك نقطة ثانية يطرحها هرئيل مرتبطة بتأثير القادة وقراراتهم على مجريات الأحداث لاحقا، ويشير إلى أن أريئيل شارون الذي تسبب باندلاع الانتفاضة، ومع توليه رئاسة الحكومة بعد ستة شهور من انطلاقها، اتخذ سلسلة قرارات حاسمة باجتياح المدن والمخيمات الفلسطينية في عملية “السور الواقي” في آذار 2002 وفرض الحصار على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وعزله في المقاطعة حتى وفاته، ثم إقامة الجدار الفاصل؛ وفي النهاية قرر شارون الانسحاب من قطاع غزة ضمن خطته للانفصال أحادي الجانب عن الفلسطينيين.

ويرى هرئيل أن شارون كان رجلا ثابتا على مواقفه ولم يتأثر بالضغط الجماهيري أو الضغط السياسي ومضى في تنفيذ خططه. وقد يكون الانفصال عن غزة تاريخيا، وبالرغم من تصاعد قوة “حماس” وسيطرتها على القطاع لاحقا، لكن الانسحاب من القطاع قلص نقاط الاحتكاك بين اسرائيل والفلسطينيين بشكل كبير، ومن يدعي من اليمين أنه كان بالإمكان الحفاظ على مستوطنات كتلة “غوش قطيف” آمنة في قلب القطاع فإنه يتجاهل التطورات في القطاع قبل الانسحاب، كما يقول هرئيل.

النقطة الثالثة في نظر الكاتب أن الفلسطينيين باختيارهم تنفيذ عمليات ضد الجيش والمستوطنين والإسرائيليين [داخل الخط الأخضر] خلقوا بشكل استثنائي حالة من شبه الإجماع في إسرائيل من ناحية الإجراءات الصارمة التي يتوجب تنفيذها ضدهم. هذه الحالة إذا أضيف لها تولي محمود عباس الرئاسة الفلسطينية، وهو الشخصية التي ترفض العنف، ومع الصورة السلبية عالميا للهجمات الانتحارية بعد هجمات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة ولاحقا في مدن أوروبية، أدت إلى تراجع دعم الجمهور الفلسطيني لمثل هذه العمليات، ورغم أن حركتي “حماس” والجهاد الإسلامي لم تعلنا رسميا تراجعهما عن تنفيذها، لكن هذه العمليات تراجعت بشكل كبير جدا منذ العام 2006.

أما وضع القضية الفلسطينية في العشرين عاما الماضية فيرى هرئيل أنه يراوح مكانه، فبين إعلان ايهود باراك بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000 أنه لا يوجد شريك سلام فلسطيني، وبين توقيع نتنياهو اتفاقيات سلام مع الإمارات والبحرين، شهدت الضفة الغربية تعاونا أمنيا في الأعوام الـ15 الأخيرة، حتى في الوقت الذي شنت فيه إسرائيل ثلاث حروب دامية على قطاع غزة، وكذلك في فترة عمليات الطعن والدهس في الضفة والقدس العام 2015. وفي قطاع غزة بالمقابل، يقود يحيى السنوار “حماس” من خلال سياسة براغماتية نسبيا، تضع التخفيف من الأزمة الإنسانية في قطاع غزة المحاصر على رأس أولوياته.

برغم ذلك يبقى هناك اتجاهان، فمقاومة إسرائيل لم تندثر من ناحية، ومن ناحية أخرى إمكانية وجود شركاء مستعدين لتفاهمات هادئة مع إسرائيل في الضفة وغزة قائمة أيضا، رغم أن احتمالات التوصل لاتفاق سلام نهائي منعدمة حاليا.

المبادرة والسيطرة على الأحداث

يرى يوآف ليمور في صحيفة “يسرائيل هيوم” أن أهم دروس الانتفاضة الفلسطينية هو قرار إسرائيل أن تتولى المبادرة وتسيطر بنفسها على مجريات الأحداث، وهذا كان عبر قرار أريئيل شارون اجتياح المناطق الفلسطينية عام 2002.

ويشير ليمور إلى مفارقة في سلوك شارون، فهو أعاد سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية، لكنه انسحب من قطاع غزة، ففقد السيطرة عليه لصالح حركة “حماس” في النهاية.

بالمجمل يرى ليمور أن استراتيجية إسرائيل في الضفة أدت إلى وضع تقدمت فيه إسرائيل كثيرا في الأعوام العشرين الأخيرة، فيما تراجع وضع الفلسطينيين سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا. واستمرار هذا الوضع وعدم وجود أي أفق بالنسبة لهم، سيجعلهم يبحثون من جديد عن مخرج ما عن طريق العنف. لذلك، على إسرائيل أن تنفذ من جديد استراتيجية “المبادرة والسيطرة على الأحداث” وعدم الانجرار إليها، خاصة وأن المجتمع الإسرائيلي أثبت أنه مستعد لتقديم الثمن من أجل ذلك، لكنه بحاجة لقيادة تضع هدفا وتسعى إليه، لا كما يحدث الآن في معركتها الفاشلة مع كورونا.

أجواء كورونا.. تذكير برعب الانتفاضة

في صحيفة “يسرائيل هيوم” أيضا تقارن ليلاخ شوفال بين الأجواء التي فرضتها الانتفاضة الثانية على الإسرائيليين والأجواء الحالية التي فرضها تفشي وباء كورونا. تقول شوفال في مقال بعنوان “رعب.. وتغيير وجهة نظر: موجة الإرهاب التي غيّرت إسرائيل”، إن العمليات الفلسطينية قبل عشرين عاما فرضت على الإسرائيليين حالة رعب جعلتهم يتجنبون المواصلات العامة والمراكز المكتظة ونوادي الترفيه.. والآن يعيش الإسرائيليون أجواء مشابهة، وأكثر سؤال مشترك في الحالين هو: متى سينتهي هذا الوضع؟

وتنقل الكاتبة عن رئيس قسم الأبحاث في الجيش مع اندلاع الانتفاضة اللواء (احتياط) عاموس جلعاد، أنه حذر رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود باراك وقادة الجيش من أن ياسر عرفات يخطط لموجة عمليات ضد إسرائيل لكن دون أن يظهر كمسؤول عنها، لكن تحذيره لم يلق آذانا صاغية إلا من قبل رئيس الأركان شاؤول موفاز الذي طلب من الجيش التأهب لذلك.

وتقدم هذه المحللة وجهة نظر تقرب بين من يقول إن الانتفاضة كانت حدثا عفويا، وبين من يقول إنه تم التخطيط لها؛ إذ تعتبر أن الانتفاضة كانت ستحدث في وقتها، بتخطيط أو دون تخطيط، فالظروف كانت مهيأة، وجاء اقتحام شارون للمسجد الأقصى ليطلق موجة العنف. وبعد استعراضها تسلسل أبرز الأحداث المفصلية في الانتفاضة، تقدم الكاتبة أهم نتائجها من وجهة نظر اللواء جلعاد. وتتلخص هذه النتائج بفقدان قطاع كبير من الإسرائيليين الثقة في استعداد الفلسطينيين للسلام، كما يغيب الشأن الفلسطيني عن الاهتمام الداخلي الإسرائيلي مع توقف العمليات وإحباط الكثير منها، ولو نجح عشرة بالمئة من هذه العمليات لكان الوضع مختلفا الآن، حسبما يقول جلعاد.

ومن الدروس الأخرى، حسب جلعاد، ضرورة عدم تجاهل أي تحذير استخباراتي أمني، وهذا يقتضي حاليا أن تسعى إسرائيل لإحياء التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، خاصة أن من يسعون لخلافة محمود عباس سيتنافسون على التشدد تجاه إسرائيل لكسب تأييد الشارع الفلسطيني، لا سيما أن حركتي “حماس” والجهاد الإسلامي تقدمان طرحا منافسا، يقول إن نهج السلام أثبت فشله، والمقاومة هي البديل.

الدرس الأخير بالنسبة لجلعاد هو أن الموقف الأميركي الحالي لن يستمر إلى الأبد، فالتغيير وارد جدا في الولايات المتحدة، وعقيدة نتنياهو المسماة “السلام مقابل السلام” لن تصمد طويلا، فحتى الإمارات لا تزال متمسكة بادعائها أن اتفاق السلام اشترط وقف الضم. لذلك يجب العودة للحديث مع الفلسطينيين وللتنسيق الأمني وعدم الاعتماد على القوة العسكرية في التعامل معهم.

الفلسطينيون لن يغفروا لإسرائيل

تتناول هديل عزام جلاجل في مقال في صحيفة “هآرتس” تزامن “يوم الغفران” مع مرور عشرين عاما على الانتفاضة، وبعد استعراض تسلسل أحداثها ونتائجها الدامية تقول جلاجل: “عشرون عامًا مرت على انتفاضة الأقصى ولا يزال العنف والعنصرية تجاه الفلسطينيين في شقي الخط الأخضر مستمرا”. وتشير إلى أن المشكلة الأساسية للفلسطينيين في إسرائيل تكمن في السياسات السلطوية التي تعاملهم كمجموعة إثنية بلا مكانة وحقوق، وتسنّ قوانين عنصرية كـ”قانون القومية”، وتهدم بيوتهم، وفي الوقت ذاته ترفض توسيع مسطّحات البلدات العربية، وتحرّض على العرب. وتضيف: “ربّما وقعت أحداث الانتفاضة الثانية قبل عشرين عامًا، ولكن ماذا عن الواقع العنصريّ المستمر؟ ماذا عن الحياة نفسها”؟ وتخلص إلى أن الفلسطينيين في إسرائيل ليسوا جزءا من المجتمع الإسرائيلي الذي يحارب من أجل الحفاظ على صورة الدولة وطابعها؛ “فهذه ليست دولتنا، شئتم أم أبيتم فإن العيش في دولةٍ لا ننتمي إليها بل وتحت تهديد متواصل من قبل أجهزتها فقط لأننا فلسطينيون، هو شعور لا يطاق”. وتختم بالقول: “بالحديث عن يوم الغفران، لن يغفر الشعب الفلسطينيّ لشارون ولا لِمن سار على دربه لأنهم سلبونا حق الوجود الأساس على أرضنا وفي وطننا الحبيب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى