أقلام وأراء

الانتخابات الفلسطينية 2021

إبراهيم غرايبة 11/4/2021

تجري الاستعدادات للانتخابات التشريعية الفلسطينية الثالثة منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994، والمتوقع أن تكون في 22 مايو القادم وسط حالة معقدة على المستوى الفلسطيني والبيئة المحيطة بالعمليات والتحولات السياسية. لكن يبدو أنه لا مفر من إجراء هذه الانتخابات على أمل التقدم نحو وحدة فلسطينية بالقدر الذي يسمح للسلطة والمؤسسات العامة أن تعمل وتدير الشأن الفلسطيني.

لقد تشكلت السلطة الوطنية بعد توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993 في ظل حالة من التفرد الأميركي بقيادة الشأن العالمي، لكن حدثت تحولات كبرى ومهمة بعد ذلك في العالم وفي البيئة المحيطة بالشأن الفلسطيني؛ فقد استعادت روسيا قدراً من التوازن مع الولايات المتحدة، وسعت قوة إقليمية للتأثير في الساحة الفلسطينية وفي الشرق الأوسط، بدعم من محورها الإقليمي بما فيه حركة «حماس». لكن، وعلى مستوى آخر، فقد تراجع الاهتمام العالمي والإقليمي بالشأن الفلسطيني، وتوالت عمليات النسيان والتهميش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب الأميركية في العراق (2003) وصعود الجماعات المسلحة في أنحاء واسعة من العالم، ثم الأحداث الكبرى التي عصفت بالشرق الأوسط في أواخر العام 2010 ومازالت متوالياتها تعمل وتمضي بالمنطقة نحو أزمات جديدة غير مسبوقة وتزيد الشأن الفلسطيني تراجعاً في الاهتمام العالمي والإقليمي.
وعصفت بإسرائيل، الشريك الأساسي في الشأن الفلسطيني، أجندات وتحولات كبرى، إذ صعد اليمين وأحزابه، وأفل حزب العمل الإسرائيلي الذي أدار التسوية والترتيبات المتعلقة بقيام السلطة الفلسطينية والملفات العالقة، ثم فقدت إسرائيل قدرتها على تشكيل أغلبية سياسية تدير الشأن الإسرائيلي فضلا عن استكمال العلاقة مع الفلسطينيين وفقاً للاتفاقيات الموقعة.

وبالطبع فإن الفاعل الفلسطيني تأثر بالتحولات وبقوة الزمن الجبارة، حيث أصيبت حركة «فتح» بالشيخوخة، ثم الانقسام العميق، وهي الآن تتأهب لخوض الانتخابات القادمة بثلاث قوائم رئيسية تعكس تيارات التجديد والإصلاح في الحركة كما الجمود والإعراض عن حركة التاريخ والزمن. والأزمة نفسها أصابت أيضاً حركة «حماس» التي تعرضت للانقسام والجدل الداخلي كما التجاذب بين المصالح الإقليمية والداخلية. وقد تعرض حلفاء «حماس» كذلك لأزمات كبرى وعاصفة، فسوريا والعراق (بعد عام 2003) خرجا تقريبا من التأثير الإقليمي، وبدأت كل من إيران وتركيا تراجع حساباتها، ويمكن أن نلاحظ كيف أن قيادات «حماس» في الخارج، وكذلك أنشطتها ومكاتبها، كل ذلك يشهد حالة من الانحسار والأفول.

ورغم ذلك فإن إيجابيات كثيرة تتشكل في المشهد الفلسطيني الجديد، فالفلسطينيون في فلسطين اليوم يواجهون التحديات والتطلعات بأنفسهم معتمدين على أنفسهم وعلى معطيات الواقع الفلسطيني، وينشئون بأنفسهم شبكة علاقاتهم ومصالحهم. وهم يملكون مستوى معقولا من التعليم والتنمية والفاعلية الاجتماعية يمكّنهم من تسيير شؤونهم واحتياجاتهم بمستوى جيد. كما أن الدول الصديقة والداعمة للتيار العام والرئيسي في الشأن الفلسطيني والمواقف الفلسطينية الرئيسية، مثل مصر ودول الخليج والأردن والمغرب، ما زالت متمسكة بموافقها وما زالت أيضاً تملك القدرات والعلاقات نفسها منذ بدأت التسوية السياسية للقضية الفلسطينية وما نشأ عنها.

وتمكن الإشارة في المساحة المتبقية إلى التغير الذي حدث في المزاج الفلسطيني والاتجاه السياسي داخل فلسطين نحو الالتفات إلى القضايا الأساسية والأولويات التي تعزز الوجود الفلسطيني في فلسطين، وإلى انحسار اتجاهات وعمليات العنف التي عقّدت المشهد السياسي وأضعفت الموقف الفلسطيني وساهمت في عزلة الفلسطينيين وتعميق مأساتهم وزيادة الضغط على المكونات الأساسية للوجود الفلسطيني، وهي التنمية أو قدرة الفلسطينيين على إدارة اقتصاد ومستوى معيشي يمكّنهم من حياة كريمية ولائقة وإدارة مؤسساتهم واحتياجاتهم في مجالات التعليم والصحة والتكامل الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى