ترجمات أجنبية

الإيكونوميست – فى الظلام …. تزن إسرائيل مستقبل الضفة الغربية

 الإيكونوميست 27/6/2020

بعيدًا عن كونه عرْضًا للقوة، كان علامة على اليأس. في 22 حزيران (يونيو)، تظاهر آلاف الفلسطينيين في أريحا ضد ضم إسرائيلي محتمل لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة. وانضم إليهم، بشكل غير معتاد، دبلوماسيون من جميع أنحاء العالم: من بريطانيا، وروسيا، والأردن واليابان. وألقى مبعوث الأمم المتحدة، نيكولاي ملادينوف، كلمة. وهكذا، بعد أشهُر من التحذيرات العلنية والضغط الهادئ، جلست الهالة الدبلوماسية الجماعية في العالم على كراسٍ بلاستيكية تحت شمس الصيف الحارقة.

في الأول من تموز (يوليو)، تستطيع الحكومة الإسرائيلية أن تبدأ في مناقشة الضم. وليس هذا التاريخ موعداً نهائياً بقدر ما هو نقطة البداية المنصوص عليها في اتفاق الائتلاف الحكومي الذي وقّعه في نيسان (أبريل) رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وشركاؤه في الحكم. ويمكن أن تقرر إسرائيل ضم مساحة كبيرة من الأرض الفلسطينية أو أن لا تضم أي شيء على الإطلاق، أو -كما يبدو مرجحًا- أن تفعل شيئاً بين الاثنين.

إذا فعلت أي شيء، فسوف يحدث أمام اعتراضات واسعة النطاق. بعض شركاء نتنياهو مترددون إزاء الضم. وعلى الرغم من انقسام الجمهور الإسرائيلي حول الحكمة من الضم، إلا أنه يُعتقد في الغالب أنه وسيلة للإلهاء وصرف الانتباه عن جائحة “كوفيد 19 والركود الاقتصادي المحتمل. ويعارض الديمقراطيون في أميركا هذه الخطوة. وكذلك يفعل العديد من الحلفاء الأوروبيين. وتحذر الدول العربية الصديقة من أنه سيهدد العلاقات مع إسرائيل. وحتى بعض المستوطنين الإسرائيليين يعارضونه (وإن كان ذلك لأسباب مختلفة). ثم هناك الفلسطينيون أنفسهم، الذين يقفون مرة أخرى كمتفرجين على الهوامش في الدراما الخاصة بهم.

ومن الأسرع حصر قائمة المؤيدين: بعض حلفاء نتنياهو في اليمين، وبعض الصقور الإسرائيليين، وعدد قليل من أعضاء إدارة دونالد ترامب. ومع ذلك، تمكنت هذه المجموعة الضيقة من المؤيدين من دفع الضم لتخرجه من هامش السياسة الإسرائيلية إلى عالم الإمكان.

يبقى ما يفعله نتنياهو أقل أهمية من حقيقة أنه قد يفعله. كانت اتفاقات أوسلو، الموقعة في العام 1993، تؤذن بفترة انتقالية قصيرة في الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية. وبعد 30 عامًا تقريبًا، يتدافع العالم الآن -ليس لتطبيق حل دولتين، وإنما لمجرد الحفاظ على الوضع الراهن الذي كان يجب أن ينتهي في العام 1999- في نهاية لعملية تتعلق بـ”العملية” نفسها أكثر مما تتعلق بالسلام.

لقد ضمت إسرائيل مسبقاً القدس الشرقية ومرتفعات الجولان، وهما منطقتان أخريان كانت قد استولت عليهما في حرب العام 1967 -ولكن ليس الضفة الغربية، التي تشكل موطنًا لثلاثة ملايين فلسطيني يعتبرونها قلب دولتهم المستقبلية، و430.000 مستوطن إسرائيلي. (يعيش 230.000 مستوطن آخر في القدس الشرقية). ولطالما اعتُبر وضع الضفة الغربية متروكاً لاتفاقية سلام نهائية بين إسرائيل والفلسطينيين.

مثل أسلافه، حاول ترامب صياغة اتفاقية. وتتصور خطته “السلام من أجل الازدهار”، التي صدرت في كانون الثاني (يناير)، قيام دولة فلسطينية -في حالة استيفاء الفلسطينيين قائمة من الشروط المرهقة- في غزة وعلى 70 في المائة من الضفة الغربية. وتسمح الخطة لإسرائيل بضم الـ30 في المائة المتبقية، والتي تتكون من المستوطنات وغور الأردن.

وقد رفض الفلسطينيون الخطة، في حين أيدها نتنياهو وحاول على الفور ضم الأراضي المخصصة فيها لإسرائيل. لكن الأميركيين طلبوا منه الانتظار، جزئياً لأن السيد نتنياهو كان في ذلك الوقت يكافح من أجل بقائه السياسي. وكانت ثلاث انتخابات تم إجراؤها في غضون عام واحد قد فشلت في تمكينه من تشكيل حكومة إلى أن أبرم صفقة مع منافسه المستنفَد، بيني غانتس.

مع اقتراب الأول من حزيران (يوليو)، ظلت خطط نتنياهو غامضة. يمكن لإسرائيل أن تضم الـ30 في المائة من الضفة كاملة أو شيئاً أصغر -ربما كتلة أو اثنتين من الكتل الاستيطانية (مثل معاليه أدوميم). وثمة خيار آخر هو ضم المستوطنات المتناثرة عميقاً في الضفة الغربية لتكريس “الحقائق على الأرض”. ويعتقد البعض في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن نتنياهو سيفعل أقل مع ذلك: اللعب على الوقت وتشكيل لجنة للتحضير للضم. وفي 3 حزيران (يونيو)، أقام المسؤولون الأمنيون “لعبة حرب” للتخطيط لعنف محتمل على الجانب الفلسطيني، لكنهم كانوا في الظلام بشأن نوايا حكومتهم. “ضم؟ أي ضم”؟ يسأل دبلوماسي إسرائيلي.

مثل أسلافه التسعة منذ العام 1967، لم يقم نتنياهو بأي خطوات جادة نحو الضم أبعد من القدس الشرقية. وأصبح الضم قضية فقط عشية الانتخابات التي أجريت في نيسان (أبريل) من العام الماضي، عندما وعد بضم مستوطنات قريبة من حدود ما قبل العام 1967. ورأى الكثيرون ذلك على أنه وسيلة للتحايل فحسب. لكنه كشف النقاب، بعد خمسة أشهر ومع اقتراب موعد انتخابات أخرى، عن اقتراح بضم غور الأردن. ثم، قبل خمسة أسابيع من موعد إجراء الانتخابات الأخيرة، جاءت خطة ترامب.

يعتقد بعض الذين تحدثوا مع نتنياهو أنه يريد أن يكون الزعيم الذي يعيد رسم حدود إسرائيل. وما يزال آخرون يعتقدون أن هذه كله حيلة تهدف إلى تشتيت الانتباه عن محاكمته الجارية بتهم الفساد وعن تعامله مع الوباء. ويقول يائير لابيد، زعيم المعارضة: “إنه يحتاج إلى الضم كوسيلة لتحويل الانتباه حتى لا يتحدث الإسرائيليون عن الاقتصاد. بدلاً من ذلك، جعل الجميع يركضون مثل دجاجات مقطوعة الرأس ويتحدثون عن الضم”.

كان من المفاجئ حقاً أنه قوبل بمعارضة شديدة من بعض المستوطنين، الذين يعتبرون أي ذكر لدولة فلسطينية لعنة. وقد طلب منهم نتنياهو ألا يقلقوا: لن يقبل الفلسطينيون بخطة ترامب أبدًا. إنهم غير مقتنعين. ويقول ييغال دلموني، رئيس مجلس يشع، جماعة الضغط المكونة من المستوطنين: “لا يوجد شريك في الجانب الفلسطيني الآن. ولكن من سيقول في المستقبل إنها لن تكون هناك مثل هذه القيادة؟ سيكون بمقدورهم القول إن إسرائيل وافقت مسبقاً على أن تكون لديهم دولة على 70 في المائة من الأرض”.

قليلون هم الذين سألوا عما يفضله الفلسطينيون. ويقول زاهي خوري، وهو رجل أعمال في رام الله: “الأمر أشبه بدعوة الناس إلى حضور حفل زفاف حيث لا تأتي العروس”. هناك معارضة شبه إجماعية للضم بطبيعة الحال، ولكن هناك أيضًا شعور بالخذلان واليأس. فقد شاهد الفلسطينيون المستوطنات الإسرائيلية وهي تُوسع لعقود. وتلاشت الآمال في سلام تفاوضي. وتبدو قيادتهم عاجزة عن فعل أي شيء. ويقول أكثر من نصف الفلسطينيين في الضفة الغربية إنهم سيؤيدون العودة إلى “الكفاح المسلح” إذا ضمت إسرائيل أراضي فلسطينية.

ويرغب حوالي اثنان من كل خمسة في حل السلطة الفلسطينية وحكمهم الذاتي المحدود، وإجبار إسرائيل على تحمل المسؤولية عن الأراضي المحتلة. وبوصفها غير متمتعة بالشعبية، كبداية، فإن السلطة الفلسطينية تخاطر بفقدان سبب وجودها: إذا ضمت إسرائيل جزءًا كبيرًا من الأراضي، لن يعود بإمكان السلطة الفلسطينية أن تدعي بأنها حكومة لدولة قيد الانتظار. لكن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والعجائز من حوله لا يريدون اتخاذ أي خطوات جذرية. وحتى قرارهم الأخير بتعليق التنسيق الأمني مع إسرائيل كان إلى حد كبير للعرض فقط. وقد استمر التنسيق بسرية.

إذا كانت القيادة ساكنة، فإن الجمهور ليس كذلك. فقد فقدت نسبة متزايدة من الفلسطينيين الثقة في حل الدولتين. وقدّر استطلاع للرأي أجري في شباط (فبراير) نسبة الدعم له بـ39 في المائة فقط، وهو أدنى مستوى يُسجل منذ جيل. والضم لن يساعد. ويقول عاموس جلعاد، الجنرال المتقاعد الذي قاد ذات مرة السياسة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينينة المحتلة، إن الضم سيجعل الفلسطينيين “يطالبون بالحقوق كمواطنين في إسرائيل”. وقد سمع نتنياهو تحذيرات مماثلة من رؤساء الأمن لديه. لكنه يعتقد أن الفلسطينيين سوف يستسلمون ويقبلون بسلسلة من الدويلات المعزولة.

كان هذا هو ما عرضه الرئيس ترامب. لكن إدارته منقسمة الآن حول ما إذا كانت ستؤيد الضم من جانب واحد. وكان سفيره في القدس، ديفيد فريدمان، يدير مؤسسة خيرية جمعت ملايين الدولارات من أجل المستوطنات. وهو يريد أن تمضي إسرائيل قدماً بالضم الآن، خشية أن يخسر رئيسه الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر). ويبدو جاريد كوشنر، صهر الرئيس ومؤلف خطته، أقل حماسة. وليس الأمر أن لديه اعتراضات أيديولوجية، وإنما ينطلق من مخاوف من أن الضم سيقضي على فرصته للعب دور صانع السلام. ويقول مايك بومبيو، وزير الخارجية، إن الأمر متروك لإسرائيل.
خارج الإدارة، ينطوي الضم على مخاطر. كان دعم الحزبين لإسرائيل في أميركا ينحسر منذ سنوات: فقد أدت علاقات نتنياهو المتوترة مع باراك أوباما واعتناقه للرئيس ترامب إلى الإضرار بموقفه لدى الديمقراطيين. وسيعمل الضم على المزيد من تقويض هذا الموقف. ويعارض جو بايدن، المرشح الرئاسي الديمقراطي، هذه الخطوة. ومع ذلك، في الوقت الحالي، استبعد الحزب وقف 4 مليارات دولار أميركي من المساعدات العسكرية السنوية لإسرائيل. وربما تكون تحذيرات الزعماء الأوروبيين كذلك فحسب. ومع ذلك، لا شيء من هذا سيكون جيداً لإسرائيل.

مصر، وهي إحدى دولتين عربيتين تربطهما علاقات رسمية مع إسرائيل، كانت صامتة بشكل واضح تماماً. وهي منشغلة بأزمات أخرى، من “كوفيد-19” إلى الحرب في ليبيا. لكن صوت الأردن كان أعلى كثيراً. ويخشى العاهل الأردني الملك عبد الله من أن يؤدي الضم إلى اضطرابات في بلده وإحياء الحديث عن “خيار الأردن” الذي يتصوَّر بلاده كدولة فلسطينية مستقبلية. لكن الأردن لا يمتلك نفوذاً كبيراً على إسرائيل. ويتوقع البعض أنه يمكن أن يذهب إلى حد تمزيق معاهدة السلام معها.

كما صنع نتنياهو الكثير من علاقات إسرائيل المتنامية مع دول الخليج. ومع أن أياً منها لا تعترف رسميًا بإسرائيل، فإن جيوشها وأجهزة التجسس تتبادل المعلومات الاستخبارية، وهناك أيضًا روابط اقتصادية سرية. وقد حذر سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، يوسف العتيبة، في مقال نُشر يوم 12 حزيران (يونيو) على صفحات إحدى الصحف الإسرائيلية، من أن الضم سيعرض كل ذلك للخطر. وكتب: “نود أن نعتقد بأن إسرائيل هي فرصة وليست عدواً. وسيكون قرار إسرائيل بشأن الضم إشارة لا لبس فيها إلى ما إذا كانت ترى الأشياء بالطريقة نفسها”.

قد يحدُّ الضم من صداقة دول الخليج مع إسرائيل. لكن مصالحهم المشتركة -بالتحديد كراهيتهم لإيران والإسلام السياسي، سوف تبقى بغض النظر عن ذلك. وقد اعترف وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، بذلك. وقال يوم 16 حزيران (يونيو): “هل يمكن أن يكون لديّ خلاف سياسي مع إسرائيل، لكنني أحاول في نفس الوقت أن أجسّر جوانب أخرى من العلاقة؟ أعتقد أنني أستطيع”.

ربما لم يكن الجزء الأكثر كشفاً في مقال الرأي الذي كتبه العتيبة هو نصه وإنما عنوانه: “الضم أو التطبيع”. فلطالما قالت الدول العربية لعقود إن إسرائيل لن تتمتع بعلاقات ودية في المنطقة إلا إذا منحت الفلسطينيين دولة. وكان الخيار هو مواصلة الاحتلال أو التطبيع. لكن السيد العتيبة لم يذكر تقريباً استقلال الفلسطينيين. وفي تأطيره، أكد أنه يجب على إسرائيل الحفاظ على الوضع الراهن فحسب. ويعتبر البعض في اليمين الإسرائيلي هذا نصراً. ويقول جدعون سعار، وهو مشرع من حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو: “لقد اعتادوا على انتقادنا بسبب الوضع الراهن. والآن أصبحوا ينتقدوننا على تغيير الوضع الراهن”.

ومع ذلك، ثمة القليل مما يستوجب للاحتفال. احتمالات تجدد المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين قاتمة. وقادة إسرائيل متشددون جداً وقوميون للغاية، وقادة فلسطين منقسمون ومفتقرون إلى الشرعية. وكانت خطة السيد ترامب ميتة لدى وصولها. وبعد ثلاثة عقود من الفشل، أصبح المعيار منخفضًا حقاً: العالَم لا يريد أكثر من مجرد الحفاظ على وضع لطالما وصفه بأنه غير قابل للاستدامة.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان :

Into darkness: Israel weighs the future of the West Bank 

7

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى