ترجمات أجنبية

الإندبندنت – بقلم بورزو داراجاهي- كيف غير دونالد ترامب العلاقات الدولية ، ربما إلى الأبد

الإندبندنت – بقلم بورزو داراجاهي – 23/10/2020

بعد الفوز أو الخسارة في الانتخابات الرئاسية ، ترك دونالد ترامب إرثًا عميقًا في السياسة الخارجية “.

كانت لحظة احتفال بالدبلوماسية في جميع أنحاء العالم، إذ أنهت سنوات من العداء المتصاعد والمخاوف من اندلاع حرب بسبب برنامج إيران النووي.

وعلى مدار شهور عاش المسؤولون ليس من الحلفاء في واشنطن، وبروكسل، ولندن، وباريس، وبرلين، فحسب، ولكن أيضًا من الخصوم في موسكو، وبكين، وطهران، سنوات من انعدام الثقة. وفي 14 يوليو (تموز) 2015، توصَّلوا إلى اتفاق يفرض قيودًا على التكنولوجيا النووية الإيرانية في العاصمة النمساوية فيينا، ويخفف من احتمال نشوب صراع مسلح كارثي آخر في الشرق الأوسط.

وبدا أن أمريكا تغلَّبت على كارثة غزو العراق عام 2003، وأعادت اكتشاف الدبلوماسية السلمية. وينقل الكاتب رأي أحد الأعضاء السابقين في فريق المفاوضات النووية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن الاتفاق: «كان مثالًا حديثًا نموذجيًّا للحل الدبلوماسي المتعدد الأطراف أو على الأقل كان نموذجًا لكيفية معالجة مشكلة عالمية كبرى».

لكن بعد أقل من ثلاث سنوات، وضع دونالد ترامب توقيعه على قطعة من الورق وأخرج أمريكا من الاتفاق المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة» أو الاتفاق النووي الإيراني، ليقوِّض ما عَدَّه كثيرون في العالم إنجازًا كبيرًا وأضر بالثقة في الولايات المتحدة والدبلوماسية الدولية، ربما على نحو دائم.

تقول تيتي إراستو، خبيرة الحد من التسلح في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام: «إن ما حدث (الانسحاب من الاتفاقية) فشل ذريع، وعندما تتفاوض الدول على أي اتفاقات بوجه عام، وعندما يكون هناك بعض المفاوضات الجديدة بشأن إيران أو أي دولة أخرى، لن تكون هناك ثقة في الجانب الأمريكي. ما الذي يدفع أي شخص لأن يثق بالآخرين في أي مفاوضات قادمة»؟

وبغض النظر عما إذا كان جو بايدن أو دونالد ترامب سيكون في البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) القادم، فإن صدمة السنوات الأربع الماضية غيرت العلاقات الدولية والنظام العالمي تغييرًا جذريًّا وربما على نحو دائم.

كانت بعض التطورات نتيجة لاتجاهات استمرت لسنوات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة والديناميات العالمية. ويشمل ذلك صعود الصين والهند، والاضمحلال البطيء والحتمي للهيمنة الأمريكية، فضلًا عن تصاعد الأيديولوجيات القومية في أعقاب إخفاقات النظام الليبرالي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن كثيرًا من تحوُّل العالم نحو مسار أكثر قتامة، وأكثر جشعًا، يمكن أن يكون متجذرًا في قرارات إدارة ترامب وسياساتها.

تهديدات بالتخلي عن الحلفاء

بالإضافة إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، تشمل تلك القرارات والسياسات التهديدات بالتخلي عن الحلفاء والتحالفات المستمرة منذ عقود، وقرارات حجب التمويل عن منظمات الصحة والأمن العالمية، ومحاولات ابتزاز الدول الأضعف، والتنمر عليها من أجل الحصول على تنازلات سياسية واقتصادية. لقد تحوَّل الأمن القومي والسياسة الخارجية إلى قضايا سياسية داخلية مضطربة وعاصفة.

وقال المسؤول السابق في إدارة أوباما إن التقلبات في الوضع السياسي الأمريكي لم تكن تنطبق على السياسة الخارجية بهذا الحد، لكنها الآن تجعل من الصعب التوصل إلى اتفاقيات في المستقبل. وأضاف: «لم نعتد على إبرام اتفاقيات للحد من التسلح تستمر حتى نهاية حكم الإدارة التي أبرمتها».

لقد كثرت انتهاكات البروتوكولات والأعراف الدبلوماسية خلال سنوات ترامب. وانحاز ترامب إلى الحكام المستبدين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وناريندرا مودي في الهند، وعبد الفتاح السيسي في مصر، الذي اشتهر بوصفه إياه «ديكتاتوري المفضل».

وفي غضون ذلك، كان ترامب يهاجم الحلفاء القدامى ويخرج غاضبًا من القمم العالمية. وفرض مسؤولو إدارته عقوبات ليس على أولئك الذين يتعاملون مع إيران، أو الصين، أو روسيا فحسب، ولكن على أي شخص يُغضِب واشنطن.

عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية

ولنضرب مثالًا واحدًا فقط على ذلك، فرض مسؤولو إدارة ترامب عقوبات اقتصادية على القضاة العاملين في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لتحقيقهم في جرائم حرب أمريكية مزعومة. والآن يكافح المسؤولون الأوروبيون لإيجاد طريقة لتوفير بطاقات ائتمان للقضاة حتى يتمكنوا من دفع ثمن تذاكر النقل العام الخاصة بهم.

ولم تعد الحبكة الافتراضية المأخوذة من رواية مثيرة مبتذلة – مثل سماح الولايات المتحدة لروسيا بغزو إحدى دول الناتو، أو مساعدة طاغية أجنبي في التخلص من منتقد مزعج – أمرًا بعيد الاحتمال. يقول جوناثان هاكنبرويتش، الباحث المتخصص في السياسة الخارجية والاقتصادية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «هذه الأشياء التي لا يمكن تصورها أصبحت أمورًا واردة الآن».

دافع مسؤولو إدارة ترامب عن إرث السياسة الخارجية للرئيس، مشيرين إلى اتفاقيات السلام بين إسرائيل وعديد من الملكيات المستبدة في شبه الجزيرة العربية ومقتل زعيم «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» أبي بكر البغدادي والقائد الإيراني قاسم سليماني، الذي كان شوكة لمدة طويلة في خاصرة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.

كما جادل مناصروه بأن مطالبه الرعناء، بحسب التقرير، بما في ذلك الدعوات الصاخبة لحلفاء الناتو للإسهام على نحو أكبر في الدفاع عن أنفسهم، ساعدت في إحداث تغييرات في السياسة سَعَت إليها الإدارات السابقة منذ مدة طويلة.

أنصار ترامب يدافعون عنه

تقول المبعوثة الأمريكية لحلف الناتو كاي بيلي هتشيسون ردًا على سؤال من الإندبندنت خلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت في 21 أكتوبر (تشرين الأول): «أعتقد أنه ليس سرًا أن الرئيس ترامب كان في البداية متشككًا بشأن الناتو، لكنني أعتقد أنه اعترف الآن بأن شركائنا الأوروبيين إلى جانب كندا كثَّفوا جهودهم وبدأوا في السير في الاتجاه الصحيح فيما يتعلق بتقاسم الأعباء والإنفاق، وأنا أعتقد أن هذا إنجاز كبير».

وأشارت إلى أنها خدمت في مجلس الشيوخ لمدة 20 عامًا وأضافت: «كل رئيس، سواء كان ديمقراطيًّا أو جمهوريًّا، قال إن أوروبا بحاجة إلى القيام بالمزيد من أجل الدفاع عن نفسها». ولا يزال كل صانعي السياسة يقولون إن شيئًا أساسيًّا قد تغير خلال سنوات ترامب؛ مما أضر بمصداقية واشنطن إلى الدرجة التي قد يستغرق إصلاحُها سنوات عديدة.

المصالح والدول الأجنبية تشكل السياسية الخارجية

في عهد ترامب، شاهد العالم كيف أن الولايات المتحدة شهدت انفتاحًا على نحو لم يسبق له مثيل أمام المصالح الخارجية، حيث كانت الدول الأجنبية تشق طريقها علانية إلى المحراب الداخلي للسلطة من خلال حجز غرف في عقارات ترامب أو التقرب إلى ترامب وأصدقائه في منتجع مار إيه لاجو بولاية فلوريدا.

وأغرق الحلفاء والأعداء على حد سواء أمريكا بالمال وكذلك المعلومات المضللة عبر الإنترنت، وهو ما رحَّب به ترامب في بعض الأحيان. وكشفت ولاية ترامب الأولى واشنطن أمام العالم على أنها سوق مفتوح يمكن فيه شراء السياسة الخارجية وبيعها.

يقول مات داس، مستشار السياسة الخارجية لسيناتور فيرمونت بيرني ساندرز: «من الجيد تمامًا الحديث عن تدخل روسيا والصين والحكومات المعادية في شؤون الولايات المتحدة. لكن المهم حقًا هو الحديث عن بعض الدول غير المعادية مثل قطر، والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل، والدور الذي يلعبونه في مناقشات سياستنا الخارجية».

وأكد على أن قوة جماعات الضغط والمصالح الأجنبية الأخرى حقيقة واقعة في واشنطن منذ مدة طويلة. وأضاف: «أصبح الأمر أكثر سفورًا الآن. وفكرة عهد ترامب تتلخص في أنه يعلن عن الأمور التي كانت تجري في هدوء بصوتٍ عالٍ».

بدأت الدول في جميع أنحاء العالم بالفعل في التكيف مع واقع ما بعد ترامب الجديد. وكتب هاكنبرويتش وفريق من زملائه مؤخرًا تقريرًا حول كيف يمكن لأوروبا أن تدافع عن نفسها ضد تنمر دولٍ مثل الولايات المتحدة والصين التي تحاول جرَّ الدول الأخرى إلى نزاعاتها.

أحد الأمثلة المذكورة في التقرير هو التهديد بفرض عقوبات على أشخاص ألمان، بمن فيهم رئيس بلدية بلدة صغيرة، بسبب بناء خط أنابيب الغاز الروسي «نورد ستريم 2». يقول هاكنبرويتش الذي يشير تقريره إلى أن كلًا من الجمهوريين والديمقراطيين يؤيدون الإجراء: «لستُ من أشد المعجبين بنورد ستريم، ولكن كيف يجري تهديد المسؤولين الألمان ورئيس بلدية بشأن هذا؟ هذا الأمر لا يحدث بين الحلفاء».

إعادة بناء الثقة قد يستغرق مدة طويلة

إن الإرث الذي يتركه ترامب يُظهِر للأوروبيين مدى ضعفهم. وسيرغبون في تقليل هذا الضعف. وهناك عدم ثقة، وحتى لو سكن جو بايدن البيت الأبيض، فلن يختفي ذلك على الفور – ربما خلال 10 إلى 15 عامًا.

وإضافةً إلى كل ذلك كانت سنوات ترامب حتى الآن بمثابة قصة تحذيرية حول هشاشة العلاقات الدولية التي تشكل حجر الأساس لضمان الأمن والازدهار العالميين. يقول دوس مستشار السياسة الخارجية: «حتى في ديمقراطية راسخة مثل الولايات المتحدة، يمكن للمرء الديماجوجي المستبد الملتزم أن يُحدِث أضرارًا كبيرة حتى في غضون أربع سنوات فقط.

إن المشروع والتحدي الرئيسيْن لإدارة بايدن ليس التحول إلى سياسات أفضل فحسب، ولكن إعادة بناء توافق أمريكي فعال في الآراء، بحيث تقوم عليه تلك السياسات حتى لا تتأرجح السياسة العامة ذهابًا وإيابًا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى