أقلام وأراء

الإصلاح في الأردن خطوة للأمام خطوتان إلى الوراء

عريب الرنتاوي – 21/11/2021

ولّدت نتائج أعمال “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية” في الأردن، مناخاً من “الارتياح الحذر” بإمكانية تحقيق تقدم ملموس على مسار الإصلاح السياسي المعطّل في البلاد منذ عدة سنوات … ونقول ارتياحاً حذراً، لأن سيل الشكوك في فرص نقل هذه التوصيات إلى حيز التنفيذ، ظل يتدفق متغذياً بتجارب فشل سابقة كانت من نصيب لجان ومبادرات مماثلة، شغلت الأردنيين واحتلت فضاءاتهم طوال السنوات العشرين الفائتة. 

على أنه لن يمضيَ وقت طويل، قبل أن ينقلب “الارتياح الحذر” إلى تشاؤم مطبق، بعد أن كشفت الحكومة عن تعديلات دستورية ألحقتها بتلك التي توصلت إليها اللجنة الملكية، والمحصورة أساساً بمواءمة الدستور مع مشروعي قانوني الأحزاب والانتخابات اللذان اقترحتهما، فضلاً بالطبع عن بعض الأراء والأفكار والمقترحات المعنية بتطوير آليات العمل البرلماني. 

التعديلات المقترحة من الحكومة، تخطت القانونين المذكورين، إلى ما هو أبعد منهما … فهي إن مررها البرلمان بغرفتيه، ستنشئ مجلساً للأمن الوطني والسياسة الخارجية، يرأسه الملك، ويعين اثنين من أعضائه الذين سيتم اختيارهما بصفتيهما الشخصية، في حين سيتم اختيار بقية الأعضاء بصفاتهم الوظيفية وليس الشخصية … المقترحات الحكومية الدستورية، ستضيف إلى صلاحيات الملك الواسعة، صلاحيات جديدة في تعيين كبار مسؤولي الدولة المدنيين والدينيين، بعد أن أناطت به تعديلات سابقة صلاحيات حصرية في تعيين قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية ومؤسسات الرقابة والنزاهة والقضاء وغيرها. 

في تبرير تعديلات دستورية سابقة، لم تكن مفهومة من قبل كثيرٍ من الأردنيين والأردنيات، نهضت “السردية” الحكومية على فرضية “تحصين الأردن ومؤسساته السيادية من أمنية ودفاعية” قبل الدخول في تجربة الحكومات البرلمانية… والنتيجة أن سنوات عدة على تلك التعديلات التي جرّدت الحكومة من صلاحيات واسعة كانت تمتلكها – ولو نظرياً على الأقل – قد انقضت من دون أن تبصر الحكومات البرلمانية الضوء. 

اليوم يبدو أن هناك من تنبه لأهمية “تحصين الفضاء الديني” فاستلحق أهم منصبين حكوميين في هذا المجال، بوضعهما في تصرف الملك من دون تنسيب من الحكومة، أو توصية منها … أما الكيان الدستوري الجديد المقترح: مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية، فيخشى كثيرون من أنه سيتحول إلى حكومة ظل، لا تحاسب ولا تُساءل، أكثر سلطة وسطوة في اتخاذ القرار ورسم السياسات، من الحكومة القابعة على “الدوار الرابع” في عمان، والتي تتطوع أو ترغم على اقتراح سحب معظم سلطاتها وصلاحياتها التي تمليها القاعدة الدستورية حول “الولاية العامة” للحكومة. 

مع أن مخرجات اللجنة الملكية وما أعقبها من تصريحات بهذا الشأن، استبعدت إقدام الأردن على خوض غمار تجربة البرلمانات الحزبية والحكومات البرلمانية بصورتها المتقدمة، قبل أقل من عشر سنوات، فيما اقترح بعضم إطاراً زمنياً يصل إلى عشرين عاماً، لترجمة فكرة “التدرج” في ولوج مسار الإصلاح السياسي … لكن مع ذلك، فثمة “صفة استعجال” في إقرار التعديلات، لكأننا أمام خطر داهم، أو تهديد قائم. 

الأردن في ظل الوجبة المنتظرة من التعديلات الدستورية، يقف أمام واحد من سيناريوهين اثنين: الأول؛ أن تمر عملية تجريد الحكومة من صلاحياتها من دون أن نصل إلى الحكومة البرلمانية … والثاني؛ أن يجري تحويل الحكومة إلى “مجلس بلدي موسّع” لا أكثر، وعندها فقط يمكن التفكير بالحكومات البرلمانية والتناوب على السلطة. 

في مطلق الأحوال، ليس منتظراً، حتى وفقاً للسيناريو المتفائل الذي خرجت به اللجنة الملكية أن يلج الأردن عتبات التناوب على السلطة وتشكيل حكومات من الأغلبية النيابية قبل عشر سنوات في أدنى تقدير … أي أن لحظة قطاف ثمار الإصلاح مؤجلة لعقد من الزمن، فيما عملية تفريغ الحكومة من مكانتها وتجريدها من صلاحياتها، تجري على قدم وساق. 

الرسالة التي تبعث بها الإضافات الحكومية للتعديلات الدستورية التي اقترحتها اللجنة محمّلة بالدلالات والمعاني السلبية، فما كان تحقيقه متعذراً في فضاء عمل اللجنة المفتوح، جرى طبخه في غرف الحكومة ومؤسسات صنع القرار المغلقة … ويمكن القول بلا مواربة، أن الحكومة نجحت في شق “طريق التفافي” حول نتائج عمل اللجنة ومخرجاتها، وشرعت في التحسب والتحوط لهواجس وفزّاعات، قبل حصلوها، وبزمن طويل. 

من الناحية الشكلية، الحكومة قدمت ما لديها لمجلس النواب، ومجلس النواب “سيد نفسه” كما يقال في الخطاب السياسي الأردني، لكن تجربة الأردنيين مع حكومات وبرلمانات بلدانهم المتعاقبة، أظهرت بما يدع مجالاً للشك، بأن الأولى هي صاحية اليد العليا، وأن ما تريده يمرر في مجلس النواب ويتقرر في مجلس الأعيان، ليستقر في نهاية المطاف، على صفحات “الجريدة الرسمية”. 

والشاهد أن الذين أزعجتهم نتائج أعمال اللجنة، بل وفكرة الإصلاح على تواضعها ومحدوديتها و”تدرجها” كما تكشفت في وثائق اللجنة، قد قرروا التصدي لها، ليس برفض التوصيات والمقترحات ذاتها، بل بإضافة المزيد عليها، وبصورة تكفي لإبطال أثرها، واحتواء نتائجها، بل وقلبها رأساً على عقب. 

فكرة الإصلاح، أي إصلاح، وفي أي بلد كان وليس في الأردن وحده، تقوم على توزيع السلطات والصلاحيات وتفويضها، وليس على مركزتها، وتربط الصلاحية بالمسؤولية والمحاسبة، وتعلي من شأن الهيئات المنتخبة بوصفها التعبير عن الإرادة الطوعية للشعب، وليس خلق مزيدٍ من الهيئات المعينة، التي لا تطالها يد المحاسبة والمساءلة. 

فكرة الإصلاح والتحديث في الأردن، وكما جاء في الأوراق النقاشية ووثيقة اللجنة الملكية، ستنقل إلى فضاء ملكية دستورية وحكومات برلمانية منتخبة وبرلمان قائم على التعددية الحزبية … لقد استبشرنا خيرنا بقانون الانتخاب على أمل أن يقربنا من الهدف الأخير، لكن تعديلات الحكومة، تلقي برزم من العصي في دواليب الحكومات البرلمانية والملكية الدستورية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى