أقلام وأراءشؤون مكافحة الاٍرهاب

الإرهاب عام 2021… حصاد وتحديات

منير اديب 1-1-2022

انتهى عام 2021 بكل ما حملة من آلام وجروح وتفجيرات ضربت شرق العالم وغربه ولم تترك بقعة إلا ومسها المتطرفون أو هددوا أمنها، ولم ينتهِ العام الأول من العقد الثالث من الألفية الثالثة إلا بجهود بعضها بدت نتائجه في مواجهة تنظيمات العنف والتطرف وإخفاقات لم تغب عن المشهد، لعل العام الجديد يشهد تصويباً لها ضمن استراتيجية مواجهة الإرهاب.
وكما لا يمكن أن نقلل من خطر تنظيمات العنف والتطرف، لا يمكن أن نقلل أيضاً من الجهود المبذولة في مواجهة هذه التنظيمات، سواء المحلية أم الدولية، ومن الخطر والخطأ اعتبار هذه الجهود كافية في ظل نتائج تبدو غير مرضية مع حصاد عام 2021، بخاصة أن هذه التنظيمات ما زالت تُهدد أمن البلاد والعباد.
فما زال “داعش” يهدد الأمن بخلاياه النشطة والخاملة في بعض الأحيان رغم سقوط دولته قبل عامين وتحديداً في 22 آذار (مارس) من العام 2019، ورغم إنقضاء عام 2021 فما زال العالم عاجزاً عن مواجهة ناجزة للتنظيمات العابرة الحدود والقارات، ولعل “داعش” يمثل الخطر الأكبر، هذا في ما يتعلق بالمواجهة الأمنية لهذا التنظيم والعسكرية أيضاً، أما المواجهة الفكرية فتبدو الجهود أقل والتأثير شبه منعدم، وهذه معضلة أخرى ربما لا يلتفت إليها المجتمع الدولي.
خطر “داعش” لا يُهدد أمن الشرق الأوسط فقط ولن ينتهي خطره عند الحدود الجغرافية التي أقام عليها دولته في 29 حزيران (يونيو) من العام 2014، وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه المجتمع الدولي وأن تواكبه جهود المواجهة بحيث تكون جماعية، فلن يتم القضاء على التنظيمات العابرة الحدود والقارات إلا من خلال جهود دولية تواكب خطر هذه التنظيمات وتمددها في العالم.
مواجهة التنظيمات المتطرفة لن تصادر حق الدول التي يتواجد فيها هذا التنظيم أو ذاك ولا على شكل المواجهة التي تناسب كل قطر من الأقطار، وإنما سوف تتم مراعاة ظروف كل دولة وإمكاناتها ومدى انتشار هذه التنظيمات في داخلها وقدرتها أيضاً، هنا سيكون لهذه المواجهة أثر قد يكون ملموساً بصورة أوضح في عام 2022، فالجهود الفردية أو المحلية أو حتى الإقليمية لا تقضي على التنظيمات الأكثر شراسة وبخاصة العابر منها للحدود، وإنما تظل هذه الجهود في إطار مناوشة هذه التنظيمات.
لن نتناول الأخطاء التي وقع فيها المجتمع الدولي في مواجهة تنظيم “داعش” ودولته التي أنشأها في غيبة من المجتمع الدولي، ولكن سنناقش سبب الإخفاق على الأقل في مواجهة التنظيم وعملياته النوعية التي يفاجئنا بها بين الوقت والآخر من مكان الى آخر، وهو ما يمكن أن نلخصة في ثلاث كلمات هي: غياب الرؤية والتصور.
من أُول الأخطاء التي وقع فيها المجتمع الدولي أنه لم يواجه “داعش” بما ينبغي أن يكون وبما يوازي خطره في الوقت نفسه، وبالتالي لم ينجح في القضاء على التنظيم بشكل نهائي، وما بين المواجهة الخاطئة ومواجهة بقايا التنظيم ما زال خطر “داعش” قائماً ومرشحاً للصعود والتنامي، ومن المهم ألا يفرق المجتمع الدولي بين التنظيمات المتطرفة ويعتبرها جميعاً خطراً على الأمن؛ بمعنى يواجه الأشد خطراً بينما يترك الأقل خطورة “عسكرياً”، مع العلم أنه بقليل من التدقيق تكتشف أن ما يراه أقل خطراً هو في الحقيقة أشد خطراً لأنه يمثل حاضنة لغيرة من تنظيمات العنف والتطرف، وهذا ما يصب في خانة غياب الرؤية وضبابية التصور.
المجتمع الدولي ما زال بائساً في مواجهة جماعات العنف والتطرف عموماً و”داعش” على وجه الخصوص، وحمل عام 2021 إخفاقات كثيرة، ولعل الإخفاق الأهم والأبرز أنه لم يحقق نجاحاً يمكن أن نلمسة في مواجهة هذا التنظيم، ولعل المقياس في ذلك العمليات النوعية التي ما زال التنظيم قادراً على تنفيذها، فضلاً عن رقعة انتشاره في أفريقيا.
فرغم سقوط دولة “داعش” جغرافياً في الرقة والموصل، إلا أننا لاحظنا انتشاراً وتمدداً لتنظيم “قاعدة الجهاد”؛ فكما انتشر “داعش” على بقايا “القاعدة” يحاول التنظيم الأخير، كما يعتقد، الانتشار على بقايا “داعش”، وتبدو الأزمة هنا في انتشار كلا التنظيمين على مساحات أوسع في أفريقيا في ظل انسحابات دولية أو تقليص في عدد الجنود التي أسندت لهم مهمة مواجهة الإرهاب.
من الغريب والمضحك أن الولايات المتحدة الأميركية واجهت “داعش” في عام 2021 بينما سلمت السلطة لحركة “طالبان” في أفغانستان، وهي تعلم وتدرك أنها التي أحتضنت وما زالت تنظيم “القاعدة” الذي نفذ تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001، لدرجة أن الملا محمد عمر، زعيم الحركة رفض تسليم أسامة بن لادن على خلفية تفجيرات أيلول (سبتمبر) ووصفتة وقتها بضيف “طالبان” وتحملّت “الحركة” الغزو مقابل عدم التخلي عن “القاعدة” مدة 22 عاماً! حتى سلّمتها أميركا السلطة مرة أخرى عام 2021 راجية منها ألا تنفذ “القاعدة” عمليات ضد واشنطن!
إخفاق المجتمع الدولي وواشنطن في مواجهة الإرهاب أو تراجعهما في ذلك كما بدا في تسليم السلطة لحركة “طالبان” عندما غزت أميركا الدولة الآسيوية من أجل إسقاط حكمها تخرج منها مهزومة وهي تعيد السلطة لها في العام نفسه، فلا “طالبان” تغيرت ولا “القاعدة” تركت جبال تورا بورا ولكن أخفقت أميركا في مواجهتها، ولعل التراجع الدولي في مواجهة “القاعدة” سوف يدفع ضريبته المجتمع الدولي.
من الأخطاء التي وقع فيها المجتمع الدولي أنه واجه “القاعدة” و “داعش” وإن كانت مواجهة دون المستوى، بينما ترك تنظيم “الإخوان المسلمين” الذي مثل حماية ورعاية لكل التنظيمات المتطرفة، ليس هذا فحسب ولكن مارست أذرعة عمليات عنف وإرهاب في بعض الدول منها مصر، فقد خرجت من رحم التنظيم ميلشيات مسلحة منها “سواعد مصر… حسم” و “لواء الثورة” و “المقاومة الشعبية” و “ولع”، وكل هذه الميليشيات لها علاقة عضوية وفكرية بالتنظيم الأم وهو “الإخوان المسلمون”.
هنا لعبت أميركا لعبة مصالحها السياسة وتصالحت مع بعض التنظيمات المتطرفة طالما قبلت هذه التنظيمات التطويع وارتضت أن تكون جزءاً من اللعبة الأميركية، فأميركا تقدم مصلحتها الخاصة على أي مصالح أخرى بما فيها مواجهة الإرهاب الذي يمثل تحدياً دولياً، وهذه كارثة من كوارث الإرهاب الذي نعيشه ولعله أهم أسباب بقائه رغم جهود مواجهة الإرهاب الدولية والمحلية، وما ينطبق على أميركا ينطبق على دول كبرى مثل بريطانيا على سبيل المثال.
والتعويل الوحيد في مواجهة الإرهاب يقع عبئه على محور المواجهة ممثلاً بدول الإقليم، مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وهو ما يفرض عبئاً آخر له علاقة بوضع استراتيجية مواجهة يتبناها المجتمع الدولي ثم إقناعه بضرورة العمل عليها.
الجهود التي تبذلها الدول الثلاث تتعدى فكرة مواجهة خطر الإرهاب على أراضيها إلى مواجهة هذا الخطر خارج أراضيها، بل مواجهة الإرهاب نيابة عن العالم، ولذلك لا بد من أن يكون هناك استثمار لهذه الجهود بحيث تضع هذه الدول عجلة المجتمع الدولي على قضبان المواجهة فيسير القطار في طريقه الصحيح.
عام 2022 مملوء بالتحديات الكبيرة ولعل أهمها أن تأخذ المواجهة الفكرية للتنظيمات الإرهابية مساحة أكبر حتى يصبح المجتمع الدولي أكثر قدرة على تفكيك الأفكار المؤسسة لهذه التنظيمات؛ هذه الأفكار لا يمكن أن تستوعبها هذه المجتمعات ولكن الدول المشار إليها قادرة على تقديم النصيحة والإرشاد في هذا الجانب، ليس ذلك فحسب، ولكنها قادرة على وضع الإستراتيجية المشار إليها وإقناع المجتمع الدولي بها وهو ما نظن أنها قطعت فيه شوطاً وسوف تستكمل بقية خطواتها في العام 2022.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى