شوؤن عربية

الأطر العامة للحوار الإستراتيجي العراقي الأمريكي

بقلم فراس إلياس – 6/6/2020

جاءت الإستراتيجية الأمريكية حيال العراق عام 2003، لتعيد تشكيل الواقع السياسي العراقي، عبر بوابة إسقاط النظام السياسي، وعلى الرغم من الطموحات التي كانت تحملها الإدارة الأمريكية في تحويل العراق إلى نموذج استرشادي لها في الشرق الأوسط، فإن ديناميات الساحة العراقية جاءت في مستوى لم يتوقعه صانع القرار في الولايات المتحدة.

فحالة التشظي السياسي والأمني والمجتمعي التي جاءت مترافقة مع دور إيراني متصاعد، جعلت الإدارة الأمريكية تعيد حساباتها السياسية من جديد، إذ شرعت في عملية نقل السيادة للعراقيين، ومن ثم حاولت إعادة تعريف وجودها في العراق، عبر اتفاقات أمنية (الاتفاقية الأمنية واتفاقية الإطار الإستراتيجي) عقدتها مع العراق عام 2008، التي مهدت لانسحاب أمريكي من العراق عام 2011.

أدت عملية الانسحاب هذه إلى دفع إيران لملء الفراغ الأمني والإستراتيجي الذي خلفته الولايات المتحدة، ما أدخل العراق في دوامة جديدة من الصراعات السياسية والأمنية، التي هيأت بدورها الظروف الداخلية في العراق لبروز تنظيم داعش في يونيو 2014، الذي هيأ بدوره البيئة لبروز الفصائل المسلحة، تحت عنوان أمني عريض هو الحشد الشعبي.

وبعد نهاية الحرب على تنظيم داعش في ديسمبر 2017، خرجت من رحم الحشد الشعبي، العديد من الفصائل الولائية التي عرفت باعتقادها وارتباطها بولاية المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وبدأت تطرح نفسها كجزء من محور المقاومة الذي تقوده إيران في الشرق الأوسط.

ترى الولايات المتحدة أنه من شأن حوار إستراتيجي جديد، أن يضع الحكومة العراقية أمام التزامات جديدة حيال المصالح الأمريكية في العراق“.

جاءت هذه الأحداث بدورها مترافقة مع تحديات أخرى بدأت تعيشها الساحة العراقية منذ أكتوبر الماضي، والمتمثلة باندلاع التظاهرات الاحتجاجية في العديد من المدن العراقية، المطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد، وإخراج العراق من دائرة الصراع الأمريكي الإيراني، هذا فضلًا عن حالة فراغ دستوري عاشته البلاد منذ مطلع ديسمبر الماضي، إثر استقالة حكومة السيد عادل عبد المهدي، ورافقته عمليات فشل سياسي مستمرة لتشكيل حكومة جديدة، حتى تمكنت الكتل السياسية من تمرير حكومة السيد مصطفى الكاظمي رئيس جهاز المخابرات العراقي في بداية شهر مايو من العام الحاليّ.

وفي هذا الإطار، مثلت الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للحكومة العراقية في أبريل 2020، من ضرورة أن يكون هناك حوار عراقي – أمريكي، للبحث في طبيعة الوجود المستقبلي للولايات المتحدة في العراق، تحولًا مهمًا في طبيعة الرؤية الأمريكية للحالة العراقية بعد عملية اغتيال قائد قوة القدس قاسم سليماني، خصوصًا في ظل حالة التصعيد المستمر الذي تعتمده الفصائل الولائية المرتبطة بإيران، عند التعاطي مع مسألة الوجود العسكري الأمريكي في العراق، كما أنها ضغطت على مجلس النواب العراقي في يناير 2020، لإصدار قرار نيابي يلزم الحكومة العراقية بوضع جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية والأمريكية من العراق.

وعلى هذا الأساس ترى الولايات المتحدة أنه من شأن حوار إستراتيجي جديد، أن يضع الحكومة العراقية أمام التزامات جديدة حيال المصالح الأمريكية في العراق، إذ إن الولايات المتحدة تنظر لوجودها في العراق على أنه غاية قومية كبرى لا يمكن التفريط بها، خصوصًا أن العراق ركيزة مهمة من ركائز مواجهة إيران في الشرق الأوسط.

سبق أن خاض العراق جولات حوارية سابقة مع الولايات المتحدة، أسفرت عن توقيع الاتفاقية الأمنية واتفاقية الإطار الإستراتيجي بين البلدين“.

وبالإضافة إلى ذلك سيشهد الحوار الإستراتيجي المرتقب، بحث العديد من الملفات ذات التأثير والعلاقة بالحالتين العراقية والأمريكية، وهو ما يجعل للمخرجات التي من الممكن أن يتمخض عنها، تداعيات كبيرة على الساحة العراقية والبيئة الإقليمية، ومن ثم فإن الجدية التي أظهرتها الإدارة الأمريكية في الدعوة والتحضير لهذا الحوار، توحي بمدى أهمية الوصول إلى مقاربات إستراتيجية واضحة وعامة مع العراق.

مقدمات التحضير للحوار

كما تمت الإشارة، شكلت الدعوة الأمريكية لإجراء حوار إستراتيجي مع العراق، مدخلًا جديدًا من مداخيل العلاقة الحوارية بين العراق والولايات المتحدة، فقد سبق أن خاض العراق جولات حوارية سابقة مع الولايات المتحدة، أسفرت عن توقيع الاتفاقية الأمنية واتفاقية الإطار الإستراتيجي بين البلدين عام 2008.

ولعل هناك العديد من المسببات التي تدفع الولايات المتحدة للحوار مع العراق، وأهمها التطورات الأمنية الحاصلة في العراق، من عودة تهديدات تنظيم داعش وتصاعد سطوة الفصائل الولائية المرتبطة بإيران، إلى جانب تطورات سياسية واقتصادية أخرى، وهذه التطورات لا تقتصر على الساحة العراقية فحسب، بل هناك تطورات أخرى بدأت تفرض نفسها في الداخل الأمريكي، وأهمها تداعيات جائحة كورونا وتصاعد الاحتجاجات ضد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على خلفيات أحداث عنصرية جرت في البلاد، لذلك يجد الطرفان أن هناك حاجات إستراتيجية ينبغي تحقيقها من الحوار المرتقب.

وفي هذا الإطار، جرت العديد من المراسلات البروتوكولية بين الطرفين، بدأت برسالة وجهها السفير الأمريكي في بغداد ماثيو تولر إلى رئيس الحكومة العراقية السابق عادل عبد المهدي في 7 من أبريل الماضي، ليعبر فيها عن رغبة الإدارة الأمريكية في إجراء حوار إستراتيجي مع الحكومة العراقية، لبحث مستقبل الوجود الأمريكي في العراق، وقابلته الحكومة العراقية بالموافقة على إجراء هذا الحوار.

الحوار الإستراتيجي المرتقب سيكون معقدًا جدًا، ودرجة التعقيد هذه نابعة من ظروف الزمان والمكان التي يمر بها هذا الحوار“.

ومن ثم شرع الطرفان في تحديد أبرز المحاور الأساسية لهذا الحوار، وعلى الرغم من القيمة الأمنية العليا لهذا الحوار، فمن المتوقع أن يكون حوارًا شاملًا، يشتمل على مجمل مجالات العلاقة الإستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، وهو ما يتضح من الوفد التفاوضي العراقي، إذ عين العراق وفدًا تفاوضيًا ينقسم إلى ثلاثة وفود: سياسي واقتصادي وعسكري، كما أعلنت الحكومة العراقية أن التفاوض لن يكون على مستوى رئاسة الوزراء أو وزارة الخارجية، ما يعني أنها مهمة تفاوضية، سيضطلع بها ممثلون من أجهزة المخابرات والخارجية والاقتصاد والطاقة والدفاع في كلا البلدين.

أما عن أبرز الملفات التفاوضية التي ستكون حاضرة على طاولة الحوار، فعلى الجانب الأمريكي، من المتوقع أن تكون ملفات إيران وإصلاح قطاع الأمن بما يحقق مزيدًا من السيادة العراقية وتأمين المصالح الأمريكية في العراق، أبرز الملفات التي سيناقشها، أما على الجانب العراقي، فيمكن القول إن ملفات العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة ومجالات الدعم الاقتصادي والسياسي، إلى جانب إخراج العراق من أي صراع إقليمي ودولي، ستكون ملفات سيسعى المفاوض العراقي إلى تحقيق نتائج ملموسة فيها.

ولذلك يمكن القول إن الحوار الإستراتيجي المرتقب سيكون معقدًا جدًا، ودرجة التعقيد هذه نابعة من ظروف الزمان والمكان التي يمر بها هذا الحوار، خصوصًا أنه يأتي في ظل ظروف صعبة يعيشها العراق والولايات المتحدة.

أسئلة وإجابات على طاولة الحوار

إن الحوار الإستراتيجي المرتقب سيشهد مطالبات ومطالبات مقابلة عراقية – أمريكية، فمما لا شك فيه سيجلس كل طرف على طاولة الحوار وهو محمل بحزمة من التدابير والالتزامات، ورغم أن الخطوط العامة لهذا الحوار قد تبدو واضحة ومعلومة، فإنه سيكون أيضًا حوارًا للتفاهم على العديد من المسائل الإقليمية والدولية، وذلك بحكم التداخل المعقد الذي تعاني منه الحالة العراقية.

فالأزمة الحاليّة التي يمر بها العراق، ترتبط بصورة مباشرة بالتحولات التي تشهدها الساحة الإقليمية، خصوصًا عندما يتم الحديث عن الأزمة في سوريا أو التصعيد في منطقة الخليج العربي، فوقوع العراق في قلب منطقة الأزمات هذه، جعله ملفًا محوريًا يؤثر بصورة مباشرة في الأمن والاقتصاد الدوليين.

ومن المحتمل أن تقدم الولايات المتحدة مجموعة من الأسئلة التي ينبغي على الجانب العراقي تقديم إجابات واضحة بشأنها ومنها:

– ما الالتزامات التي من الممكن أن يقدمها العراق لحماية المصالح والمعسكرات والشركات الأمريكية في العراق؟

– كيف ستتمكن الحكومة العراقية من ضبط حركة الفصائل الولائية المرتبطة بإيران؟

– ما وجهة نظر الحكومة العراقية الجديدة من السياسات الإيرانية في العراق؟ وكيف ستتعامل معها مستقبلًا؟

– ما الإجراءات التي ستعتمدها الحكومة العراقية للتعاطي مع المطالبات الشعبية الهادفة إلى إعادة النظر بمجمل سياسات الحكم في العراق؟

– ما الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي من الممكن أن تعتمدها الحكومة العراقية في مواجهة تداعيات انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا والعلاقة الطاقوية مع إيران؟

– ما الذي يريده العراق من الولايات المتحدة على الصعد الأمنية والاستخبارية؟ وما الإجراءات التي يمكن أن تقدم عليها الحكومة العراقية في تحقيق وحدة وظيفية على مستوى هيكل القوة العسكرية، خصوصًا فيما يتعلق بمكافحة تنظيم داعش أو التهديدات التي تتعرض لها دول الجوار انطلاقًا من الأراضي العراقية؟

وفي مقابل هذه الأسئلة الأمريكية، من المتوقع أن تكون هناك أسئلة عراقية أيضًا، ينبغي على المفاوض الأمريكي الإجابة عنها وهي:

– ما الخطوات العملية التي من الممكن أن تقدم عليها الولايات المتحدة في حفظ السيادة العراقية، واعتماد برامج واضحة لدعم العراق في تحركاته الإقليمية والدولية؟

– ما الإجراءات التي من الممكن أن تقدم عليها الولايات المتحدة في دعم برامج التنمية الاقتصادية والصحية، فضلًا عن اعتماد برامج لتطوير القدرات العسكرية العراقية أمنيًا واستخباريًا ولوجستيًا؟

– كيفية التعاطي الأمريكي مع الحالة الإيرانية والفصائل المرتبطة بها، وهل سيكون العراق جزءًا من أي إجراءات تصعيدية قد تعتمدها الإدارة الأمريكية ضد إيران مستقبلًا؟

– كيف ستتعاطى الولايات المتحدة إذا لم يتمكن العراق من الإيفاء بأي التزامات قد تطلبها الولايات المتحدة، خصوصًا تلك المتعلقة بإيران أو الفصائل المرتبطة بها في العراق؟

ختامًا.. يمكن القول إن المعيار الرئيسي لأي حوار إستراتيجي ناجح، سيكون عبر التزام الولايات المتحدة كدولة، وليس إدارة الرئيس دونالد ترامب، بالبقاء على مسار إستراتيجي واضح ومستقر في العراق، وفق جداول زمنية واضحة وصريحة، توضح التزامات الطرفين وحقوق وواجبات كل منهما.

فلا يمكن للولايات المتحدة أن تنجح بالانسحاب من العراق، بمجرد هزيمة تنظيم داعش أو احتواء إيران والفصائل الولائية المرتبطة بها، بل عبر وضع برامج واضحة وشاملة، تساعد العراق كدولة ومؤسسات على الحياة، وضبط وتطوير وتفعيل مؤسساته الأمنية والمدنية، وصولًا لتحقيق الغاية النهائية المتمثلة بعراق قادر على أن يكون عضوًا فاعلًا في المجتمع الدولي.

*فراس إلياس – دكتوراه في العلوم السياسية، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في العراق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى