الأسرى

اقتطاع مخصصات الأسرى المالية قرار عنصري مخالف للقانون الدولي الإنساني 

بقلم  المحامي علي ابوهلال*  – 31/12/2019

من جديد تعود مسألة اقتطاع مخصصات الأسرى في سجون الاحتلال من أموال المقاصة الفلسطينية التي تجبيها حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى الواجهة، وتعود لتتبوأ اهتمام وسائل الإعلام والمهتمين بالشأن الفلسطيني والإسرائيلي.

فقد صادق مجلس الوزراء الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية “الكابينيت”، يوم الأحد الماضي 29/12/2019 على قرار يقضي بخصم 150 مليون شيكل أي ما يعادل 45 مليون دولار شهريا من عائدات الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، بذريعة “دفع الأموال كرواتب ومخصصات للأسرى ولعائلات القتلى الفلسطينيين الذين قضوا في عمليات ضد إسرائيل”.

ويأتي هذا القرار الجديد القديم استمراراً لموقف حكومة الاحتلال الذي اتخذته في شهر شباط/ فبراير الماضي، والتي قررت بموجبه خصم مبلغ 11,3 مليون دولار شهريا من عائدات الضرائب في محاولة للضغط على السلطة لوقف تحويل مستحقات عائلات المعتقلين والشهداء والجرحى، ويذكر أن إيرادات المقاصة هي الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عن وزارة المالية الفلسطينية، على السلع الواردة للأخيرة من الخارج، ويبلغ متوسطها الشهري نحو 700 مليون شيكل، تقتطع تل أبيب منها 3 في المئة بدل جباية.

وقد رفضت القيادة الفلسطينية هذا القرار في حينه وامتنعت عن استلام أموال المقاصة المنقوصة لعدة أشهر، ثم عادت وقبلت استلامها مخصوما منها مخصصات الأسرى بسبب الأزمة المالية التي عاشتها الحكومة الفلسطينية والتي أدت إلى عجز مالي كبير في دفع ما عليها من مستحقات ومن ضمنها عدم قدرتها على دفع كامل رواتب الموظفين لعدة أشهر.

خصم مخصصات الأسرى المالية تشريع إسرائيلي عنصري

يجد القرار الإسرائيلي خصم مخصصات الأسرى المالية دعما من الكنيست الإسرائيلي ومن المنظومة القانونية والتشريعية الإسرائيلية، بما يتناقض مع القانون الدولي، والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وللقانون الدولي الإنساني، حيث قررت الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 2/7/2018 القانون الخاص بخصم مخصصات الأسرى الفلسطينيين وعائلات الشهداء من عائدات الضرائب الفلسطينية، ما يخالف الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير وحكومة الاحتلال، ويشكل اعتداء صارخا على حقوق الأسرى وعائلاتهم.

وينص القانون الإسرائيلي على أن يقوم وزير الأمن الإسرائيلي سنويا بتقديم تقرير إلى المجلس الأمني المصغر يوجز فيه الأموال التي تقوم الحكومة الفلسطينية بتحويلها إلى المعتقلين الفلسطينيين وعائلات الفلسطينيين الذين سقطوا ضحايا لانتهاكات الاحتلال، هذا المبلغ ستقسم إلى 12 جزء، وسيتم خصمها شهرياً من أموال الضرائب التي تجبيها وتحولها دولة الاحتلال لخزينة الفلسطينية.

وتشكل تلك المبالغ ما يقارب من 7% من ميزانية الحكومة الفلسطينية حيث سيتم اقتطاع المبالغ التي تدفعها الحكومة الفلسطينية ومنظمة التحرير لعائلات الأسرى تعويضاً عن الأحكام الصادرة عن قضاء الاحتلال بحقهم من أموال الضرائب والرسوم الجمركية التي تجبيها دولة الاحتلال لحساب الحكومة الفلسطينية.

علماً أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تخصص جزءا كبيراً من موازنتها لدعم السجناء الإسرائيليين الذين اقترفوا جرائم قتل واعتداءات بحق الفلسطينيين، في ظل شرعنة دولة الاحتلال للقوانين العنصرية التي تجيز أعمال العنف تجاههم، في حين يتم وقف مخصصات الأسرى الفلسطينيين واتهامهم بالإرهاب، وهم في الحقيقة مقاتلين شرعيين ناضلوا من أجل حقهم في تقرير المصير وفق ما كفلته قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، كما أن الأسرى الفلسطينيين هم ضحايا لمنظومة القضاء العسكري الإسرائيلي التي لا توفر الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة للأسرى، والذين يتم في العادة محاكمتهم على اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب الشديد.

رعاية الأسرى وعائلاتهم حق كفله القانون الفلسطيني

نظم القانون الأساسي الفلسطيني في المادة 22 رعاية أسر الشهداء والأسرى ورعاية الجرحى، حيث نص على أن “رعاية أسر الشهداء والأسرى ورعاية الجرحى والمتضررين والمعاقين واجب ينظم القانون أحكامه، وتكفل السلطة الوطنية لهم خدمات التعليم والتأمين الصحي والاجتماعي”. وتستند الحكومة في دفع المخصصات الشهرية للأسرى المحررين على القرار بقانون الأسرى والمحررين رقم (19) لسنة 2004، وتم تعديله من خلال قرار بقانون رقم (1) لسنة 2013، حيث حددت المادة رقم (3) منه سبل تحقيق أهداف القانون ودور السلطة الوطنية الفلسطينية في ذلك.

عرف قانون الأسرى والمحررين للعام 2004 في المادة رقم (1) الأسير المحرر بأنه ” كل أسير تم تحريره من سجون الاحتلال”. ووصفت المادة رقم (2) من القانون أن الأسرى المحررين ” شريحة مناضلة وجزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع العربي الفلسطيني وتكفل أحكام القانون حياة كريمة لهم ولأسرهم”. ويعد رعاية العائلات المتضررة من الاحتلال أحد المكونات القانونية والنظامية والإدارية في النظام السياسي الفلسطيني، ونظم رعاية عائلات الأسرى بقانون رقم 19 لسنة 2014 وقرار بقانون رقم 1 لسنة 2013 بشأن تعديل قانون الاسرى والمحررين.

من جهة أخرى، يقع على عاتق دولة فلسطين مسؤولية توفير الضمان الاجتماعي لعائلات الأسرى والمحررين، ويقع هذا في إطار قاعدة قانونية دولية تقضي بالاهتمام بالعائلات المتضررة، بغض النظر عن العمل الذي قام به أحد أفرادها حفاظا على الاستقرار الاجتماعي في المجتمع. ويستفيد من الخدمات المقدمة فئة الأسرى داخل السجون وفئة الأسرى المحررين خارج السجون، وذلك لتمكينهم من العيش بمستوى معيشي لائق باعتبارهم ضحايا للاحتلال.

اتفاقية جنيف الرابعة تكفل حقوق الأسرى في الرعاية والمساعدة المالية

كفلت المادة (98) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب للعام 1949 للمعتقلين حق تلقي المساعدات المالية من دولهم، بالنص على أنه “يجوز للمعتقلين أن يتلقوا إعانات من الدولة التي يكونون من رعاياها، أو من الدول الحامية، أو من أي هيئة تساعدهم، أو من عائلاتهم، وكذلك إيراد ممتلكاتهم طبقاً لتشريع الدولة الحاجزة”. وأنه “تفتح الدولة الحاجزة حساباً منتظماً لكل شخص معتقل تودع فيه المخصصات المبينة في هذه المادة، والأجور التي يتقاضاها، وكذلك المبالغ التي ترسل إليه، كما تودع في حسابه أيضاً المبالغ التي سحبت منه والتي يمكنه التصرف فيها طبقاً للتشريع الساري في الإقليم الذي يوجد فيه الشخص المعتقل. وتوفر له جميع التسهيلات التي تتفق مع التشريع الساري في الإقليم المعني لإرسال إعانات إلى عائلته وإلى الأشخاص الذين يعتمدون عليه اقتصادياً وله أن يسحب من هذا الحساب المبالغ اللازمة لمصاريفه الشخصية في الحدود التي تعينها الدولة الحاجزة”.

ولا يوجد ما يتعارض مع نصوص القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بضرورة تقديم الإعانات أو الرواتب لأسر المعتقلين والأسرى المحررين والذين تعتمد عائلاتهم عليهم اقتصاديا بشكل كامل في تدبر أمور حياتهم وتوفير الحياة الكريمة والمستوى المعيشي اللائق لهم، ووجوب منح المخصصات المالية لهم وحقهم في ذلك، خاصة أولئك الذين قضوا سنوات طويلة في الأسر، والذين يفتقدون للتأهيل المناسب لتمكينهم من العمل والعيش بكرامة ورعاية عائلاتهم وتوفير المستوى المعيشي الملائم لهم، بالإضافة إلى أولئك الذين ليست لديهم القدرة على العمل.

يعتبر قرار دولة الاحتلال خصم مخصصات الأسرى المالية مخالفاً لقواعد القانون الدولي الإنساني وللشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وقرارات الشرعية الدولية، كما أن القرار يستهدف الأسرى الفلسطينيين ويكثّف من معاناتهم، ابتداءً من اللجوء إلى احتجاز الفلسطينيين داخل دولة الاحتلال ذاتها مخالفة بذلك نص المادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب، وعدم الاعتراف بهم كأسرى حرب تنطبق عليهم اتفاقية جنيف الثالثة للعام 1949 بشأن حماية أسرى الحرب، وانتهاء بانتهاك حقوقهم ومنها قانون خصم مخصصات الأسرى الفلسطينيين وعائلات الشهداء من عائدات ضرائب السلطة الفلسطينية.

ويعد القانون الإسرائيلي بخصم مخصصات الأسرى تشريع عنصري، ويعتبر من الانتهاكات المتواصلة لحقوق الأسرى والمعتقلين وجزأ من الممارسات التعسفية بحقهم، كما أنه جريمة إنسانية وعنصرية تستوجب المسؤولية الدولية لدولة الاحتلال، يجب محاكمة المسؤولين عنها أمام القضاء الجنائي الدولي وخاصة لدى المحكمة الجنائية الدولية.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى