ترجمات عبرية

اسرائيل اليوم – دورون مصا – انتفاضة المحيط العربي الفلسطيني

اسرائيل اليوم – بقلم  دورون مصا  – 13/12/2021

” ما يجري من حراك ثائر في الضفة وفي اسرائيل نفسها هو جزء من ظاهرة واحدة تتمثل بثورة المحيط العربي – الفلسطيني التي تتجاوز الحدود وتشمل كل المنطقة الجغرافية ما بين البحر والنهر “.

سلسلة العمليات الاخيرة في يهودا والسامرة وفي شرقي القدس لا ترتبط بحماس ولا بالجهاد الاسلامي ايضا. والتفسير الذي يربط المنظمات الاسلامية بالارهاب مثله كمثل المحاولة للبحث عن قطعة النقد من تحت الفانوس – فهذه ليست فقط سهلة ومريحة، بل لاننا نعرف ظاهرا اي اجوبة يمكن ان تعرض في امور كهذه، مثل اعتقال نشطاء معارضة فلسطينيين وتجنيد اجهزة الامن لمكافحة الارهاب.  

ليس المشاركون في العمليات ذوي انتماء تنظيمي. فهم في الغالب شبان فلسطينيون ينفذون ارهابا غير منظم بل وحتى “بدائي” باسلوب الطعن والدهس. عمليا، من المتعذر ايضا ان نعلق موجة العمليات بباعث محدد ما. فلم يقع اي حدث شاذ في الحرم، ولم يسجل اي نشاط استثنائي لاسرائيل في يهودا والسامرة وفي قطاع غزة، مسألة حي الشيخ جراح نائمة، وعليه لكل هذه الاسباب واضح ان استيقاظ الواقع الامني يتعلق  بسياقات اعمق تجري في الساحة العربية – الفلسطينية وليس مؤكدا ان لدى اسرائيل ادوات جيدة كي توقف مسار تطورها.

ان حقيقة أن سلسلة احداث الارهاب تقع في وقت قريب من ظواهر اخرى توفر تلميحات لتلك السياقات. فالحديث عن فوضى داخلية في بؤر مختلفة من مناطق السلطة الفلسطينية مثلما في منطقة جنين،  حيث تجري في الاسابيع الاخيرة اجهزة الامن حملة لاعادة السيطرة. لظاهرة الارهاب الفلسطيني ولظاهرة العنف  الداخلي في السلطة يوجد قاسم مشترك واحد – المحيط الاجتماعي الفلسطيني الذي يقف خلفهما. هذا هو العامل الذي يتحدى ما يمكن ان نسميه “النظام” الاقتصادي – السياسي  الذي  عملت عليه معا اسرائيل والسلطة. يستند هذا النظام الى نموذج منفعي سعى لان يحقق جودة حياة الفلسطينيين وبهذه الطريقة يلطف حدة الفاعلية الوطنية – السياسية، وهو المسؤول عن الاستقرار الامني النسبي في العقد والنصف الاخيرين.

والان تتراكم المؤشرات التي تدل على أن المحيط الفلسطيني بدأ يتحدى هذا النظام. فالحديث يدور عن شبان مطلوبون للارهاب، ذوي سوابق وهامشيين، ليسوا مشاركين في النظام السياسي – الاقتصادي ولا يرون فيه مستقبلهم، ولهذا فانهم يسعون الى تقويضه ويوجهون طاقاتهم  الى منتجيه الاساسيين:  اسرائيل عبر الارهاب تجاه الخارج، والسلطة عبر الفوضى الداخلية. الانباء السيئة حقا هي أن هذا الميل لا يتميز به فقط ما يجري في مناطق السلطة في يهودا والسامرة بل وفي اسرائيل نفسها، حيث يرفع المحيط العربي رأسه. ظاهرة الفوضى التي تعربد في النقب من جانب البدو، العنف في البلدات العربية في الشمال والفوضى المتواصلة في المدن المختلطة في اسرائيل، هي جزء من تلك الظاهرة لتمرد المحيط العربي الفلسطيني، الذي يجري في نفس الوقت في المجال الجغرافي كله الذي بين البحر المتوسط ونهر الاردن. 

ان ميلنا المعروف لتأطير الظواهر والاحداث وتعريفها – عبر تعريفات منقطعة ايضا تخلق تمييزا بين ظواهر مثل “الجريمة العربية”، “الفوضى في الجنوب”، “الارهاب الفلسطيني”، “العنف في المجتمع الفلسطيني” – يفوت الفهم بان الكامل اكبر من مجموع اجزائه. يدور الحديث عن سلسلة عروض تعكس سياقا مشابها، يتجاوز  الحدود الجغرافية والمجتمعية. هذا سياق الثورة الزاحفة للمحيط العربي الفلسطيني على النموذج المنفعي –الاقتصادي الذي ميز السنوات الاخيرة، وبصفته هذه يهدد بتقويض اسس الاستقرار الامني والمدني. 

هذا لا يزال لا يعني أننا قريبون من انتفاضة ثالثة في يهودا والسامرة أو تكرار احداث حارس الاسوار، ولكننا نقف بالفعل امام تحد هام في محاولة للتصدي لهذا السياق. اسرائيل تتخذ خطوات مختلفة حيال كل مصدر على حده، تحاول تعزيز القوات، تعمل على تعزيز السلطة الفلسطينية كي تكبح اضعافها وتحاول تفعيل الشرطة حيال الجريمة الداخلية. ولكن ينبغي الاعتراف بان تحكمها بسياقات اجتماعية تعرف الواقع محدود للغاية وهذا الدرس تلقته اسرائيل وشهدته في كل واحدة من الانتفاضات الفلسطينية على مدى التاريخ. لعله ينبغي الاستعداد منذ الان لما هو اسوأ من كل شيء، لانتفاضة  المحيط العربي – الفلسطيني. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى