ترجمات عبرية

اسرائيل اليوم – بقلم دان شفتن – لا، لا توجد أي حرب أهلية على الابواب

اسرائيل اليوم  – بقلم دان شفتن ، رئيس البرنامج الدولي للامن القومي في جامعة حيفا  – 10/12/2019

يجدر فحص الازمة السياسية في اسرائيل بادوات استراتيجية وبمنظور مقارن. من المهم ان نميز ايضا بين المشاكل الخاصة باسرائيل وبين ازمات بنيوية تتميز بها معظم الديمقراطيات، وكذا بين الطريق المسدود في الساحة السياسية وبين حصانة المجتمع.

تعيش معظم الديمقراطيات الغربية في أزمة. فمثلا: في الولايات المتحدة، في بريطانيا، في فرنسا، في المانيا، في ايطاليا، في اسبانيا وفي استراليا، الخلفية المحلية مختلفة، ولكن القاسم المشترك هو فقدان ثقة الجمهور بالتزام منتخبيه بان يتقدموا بجواب على احتياجاته، في فترة تغييرات دراماتيكية وغير مفهومة في محيطة الاقتصادي، الثقافي والسياسي. ففي عصر الشفافية الزائدة، يكون السياسيون مطالبين بان يتحدثوا الى البروتوكول وان يبدو حديثهم جيدا، بدلا من الحديث بموضوعية وعمل اللازم. عليهم ان يعرضوا رضى فوريا بدلا من ان يستثمروا في تحسين الوضع، والظهور كاولياء، اكثر مما ان يعرضوا زعامة وانجازات في المواضيع الداخلية وفي السياسة الخارجية.

الازمة في العالم وفي اسرائيل خطيرة، ولكن الاختبار الاعلى للامن القومي هو في مجال المجتمع: فمجتمع حصين سيتغلب ايضا على الضائقة السياسية، فيما أن ذاك الذي فقد اطواقه لن يتخلص منها. في الولايات المتحدة وفي اوروبا يعكس الانقسام السياسي الاستقطاب في المجتمع ايضا. فالولايات المتحدة تقف على شفا حرب أهلية باردة بين مؤيدي ترامب وبين كارهيه وماقتيه. قسم كبير من الجمهور في اوروبا رد على هذيانات القيادة عديمة المسؤولية في القطب الاول (أساسا في مسألة الهجرة وفي مسألة الهوية القومية) بتبني مواقف خطيرة في القطب السياسي المقابل. في معظم الديمقراطيات ضعفت جدا الكتلة في وسط الساحة السياسية، الساعية الى توازن بناء وفاعل بين الاحتياجات القومية الشرعية وبين التطبيق المتوازن للقيم الكونية.

بخلاف الكليشيهات عن المجتمع الممزق والحجج السائبة بشأن الحرب الاهلية على الابواب، يثبت التيار المركزي في المجتمع الاسرائيلي بسلوكه المتواصل جمعا من التكافل العميق، أساسات البناء، التفكر، المناعة الباعثة على الثناء والالتزام العميق بالتعددية الاجتماعية والسياسية. الى جانب يسار واضح وضيق جدا وأقلية أكبر منه من اليمين الواضح، تقف الاغلبية المطلقة من المجتمع الاسرائيلي في مركز الساحة السياسية. في اوساط من اقاموا الدولة، من يحمونها، يعيلونها اقتصاديا ومسؤولون عن انجازاتها – اليهود غير الاصوليين والدروز – هذه الاغلبية في المركز ابرز بكثير.

في أوساط التيار المركزي هذا يوجد اجماع قومي واسع جدا في المواضيع القومية الاساسية. فليس صدفة انه لم يطفو الى السطح في الحملتين الانتخابيتين العاصفتين في الاشهر الاخيرة خلاف حقيقي في مواضيع الاقتصاد والمجتمع او في مواضيع الخارجية والامن. في المجال الاقتصادي – الاجتماعي يركز الجميع على تحسين صيغة دولة الرفاه الاسرائيلية، بينما في الولايات المتحدة وبريطانيا تتنكر محافل مركزية لنجاعة وأحقية النظام القائم. في مواضيع الامن لا خلف حقيقي على الخطوات تجاه ايران، وان كانت كفيلة بان تؤدي الى حرب ضروس. في الموضوع الفلسطيني يعرف الطرفان بان لا احتمالا قريبا للسلام ويعيشان في حرج: اليمين لا يعرف كيف يبقى في يهودا والسامرة ويقيم دولة يهودية؛ واليسار لا يعرف كيف يخرج يضمن الامن. حتى في المداولات، الهامة بحد ذاتها، عن قوة الجهاز القضائي، وفي مسائل الدين والدولة، جند الطرفان للمواجهة على مسألة هوية رئيس الوزراء. رغم الفوارق الهامة في التشديدات، يدور الحديث عن اجماع قومي واسع جدا على مباديء الدولة اليهودية والديمقراطي. بدونها لا يمكن أن نفهم قدرة صمود المجتمع المفتوح في مواجهة عشرات الاف الصواريخ وفي مواجهة خطر الحرب، النجاح الاقتصادي لاسرائيل، التحسن الدراماتيكي في مكانتها في العالم وفي المنطقة، انجازاتها العلمية والتكنولوجية وابداعاتها الثقافية البارزة.

صحيح أن الازمة الاقتصادية ضارة ومثقلة، الا ان قدرة المجتمع المتواصلة على ضمان أمنه وازدهاره، رغم خطورتها، تدل ايضا على القدرة للتغلب عليها. مجتمعات ديمقراطية اخرى اظهرت في ظروف اسهل بكثير انجازات اقل عظمة بكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى