اسرائيل اليوم – بقلم اسحق دهان – الفصل ليس دوما سيئا ..!

اسرائيل اليوم– بقلم اسحق دهان – 29/9/2021
” محظور الاستخفاف بخوف السكان القدامى من الهجرة المكثفة للسكان المختلفين – سواء كانوا عربا أم متدينين واصوليين. من أن تمس باحساس الهوية الخاصة في المكان “.
الاضطرابات وأعمال العنف التي أغرقت اللد وعكا في ايار الماضي، وأدت الى مقتل أبرياء رفعت الى جدول الاعمال العام السياسة المناسبة للمدن التي يعيش فيها جنبا الى جنب يهود وعرب. رئيسا مدينتي اللد وعكا يئير رفيفو وشمعون لانكري – تباهيا دوما، وعن حق، في الجهود التي يبذلانها من اجل التعايش. رغم ذلك، انهار كل شيء وتفجر كموجة تسونامي. ولكن في نظرة اخرى يتبين أنه ممكن، من خلال سياسة عاقلة، تلطيف حدة التوترات اذا ما حرصنا فقط على المشاركة – الاختلاط عند الحاجة ولكن الانفصال ايضا عند الحاجة.
الى جانب المدن المختلطة التي يوجد فيها فصل في السكن مثلما في اللد وفي الرملة، تطورت مدن يمكن أن نسميها “متخالطة”. ففي العقود الاخيرة اتسعت ميول هجرة شبان عرب متعلمين من الطبقة الوسطى ممن ملوا العنف والثقافة الفاسدة في السياسة المحلية العشائرية وهاجروا الى مدن مثل نوف هجليل (في الماضي الناصرة العليا)، كرمئيل وغيرها. في ايار الماضي مجدت صحيفة “هآرتس” نوف هجليل، التي بخلاف اللد وعكا – تجاوزها العنف. وقد عزت الصحيفة ذلك الى حقيقة ان في نوف هجليل لا ينتهج فصل في الاحياء بين اليهود والعرب، ولكن هذا خطأ بصري. كالمعتاد، مقررو الذوق من اليسار هم ضحايا النموذج الكوني المحبب عليهم، ذاك الذي يتجاهل المحلي. رفيقات ورفاق، في المدن التي السكان فيها تقليديون فان خلط السكان لا يساعد في التعايش بل العكس (الامور تسري في مجال السكن؛ في مجالات التجارة وسوق العمل تكون المشاركة – الاختلاط جدير وناجع) وذلك لانه بخلاف تام مع جالسي المقاهي التقدميين في تل أبيب، فان الجمهور اليهودي – التقليدي المتواجد بمعدلات عالية في اللد، في الرملة، في عكا وفي العفولة، معني بان يشدد ويرفع الحواجز والاسوار. مشروع بل وحتى محق.
بالفعل، فان المسؤولين عن تخطيط استخدامات الارض هم اعضاء لجان التخطيط الذين اختارهم السكان، والى جانبهم مهنيون مثل الجغرافيين والمعماريين. ولكن فوق رؤوسهم يحوم رعب النخبة المدنية. هكذا مثلا، في السنتين الاخيرتين ثارت معارضة سكان العفولة لسكن العرب في مدينتهم، ولكن صحافيي مقاهي تل ابيب، الذين هم معفيون من هذه المشكلة قرروا بانهم يعرفون بشكل افضل ما هو المناسب للسكان الجهلة، وقد عزوا المعارضة لـ “خوف” المحليين من “الاخر” العربي. وبالفعل، العكس هو الصحيح: المعارضة المحلية تكمن ايضا واساسا في القيم، في الثقافة وفي التقاليد. فضلا عن ذلك: اذا كان نموذج الاختلاط يمر بهدوء، فهذه حقا نتيجة الخوف: الخوف من التصنيف والاقصاء لكل من لا يسير على الخط مع طغيان النخبة المدنية. منتخبو الجمهور في هذه المدن ممن سيتجرأون على الفصل سينالون لقب “العنصريين” والمجال سيوصف كمخلوق ابرتهايد من العدم. اما الحقيقة، التي تنطوي وتختبىء من الخوف فبسيطة: القدامى يخافون من امكانية ان تؤدي هجرة مكثفة لسكان مختلفين (عرب، مثلما هم ايضا الحريديون والمتدينون القوميون)، ستمس باحساس تماثل المكان، الذي بني بكد عظيم. فللمدينة وللحي توجد قيمة هوية وتاريخية جدير تطويرها احيانا وعدم الاستخفاف بها باسم المثل الكونية.
بالفعل، يتطور في اليسار الاسرائيلي في السنوات الاخيرة خطاب يقظ يتعلق بالخوف على هوية المكان “الاصلية” على ان يدورالحديث بالطبع عن الهوية العربية والتاريخ العربي. كل من يسعى لان يحمي التقاليد اليهودية والهوية اليهودية سيحظى باللقب المنكر كاستيطاني. وبالعموم، يجري في اسرائيل نهج لتثبيت القيم بخلاف تام مع ارادة السكان من خلال خلق تصنيفات سلبية والصاقها بكل من لا يسير على الخط مع مقرر الذوق. ينبغي للمرء أن يكون غبيا وسيء النية كي يعرف المنطق التخطيطي التقليدي والمحافظ، ذاك الذي ينتقد حماية الطابع الاهلي، الديني والثقافي كـ “ابرتهايد” وكعنصري.
لا تبشر الامور بالضرورة بالتشاؤم. يمكن بالتأكيد انتزاع حل يحسن للجميع – مثلا، تحسين جودة الحياة في المدن العربية – التقليدية والى جانب ذلك توسيع حدود الحكم المحلي والاستثمار في مناطق صناعية في السلطات المحلية، مثلما جرى في التسعينيات، مع اقامة الضواحي الحريدية. باللغة البريطانية يسود المثل “الجدران العالية تصنع جيرانا طيبين”. محقون. الفصل جيد احيانا.



