اسرائيل اليوم – بقلم آفي بار-ايلي – تخويف عابث : أبرتهايد

اسرائيل اليوم – بقلم آفي بار-ايلي – 28/6/2020
“ المبدأ الاساس الذي يجب على كل الاجنحة السياسية لدولة اسرائيل ان تلتزم به هو: لا تحتمل الا سيادة فلسطينية محدودة. لقد علمتنا السنوات الاخيرة بان تقييد الهجرة الينا هام للغاية. من الحيوي تثبيتها بسيادة اسرائيلية في غور الاردن “.
بين كل التخويفات ضد فرض القانون الاسرائيلي على نحو 30 في المئة من اراضي الضفة، فان الاكثر تأثيرا هو ذاك الذي يحذر من أن ضم هذه الارض الى دولة اسرائيل يفرض نظام تفرقة اجتماعية ومنح حقوق سياسية مختلفة لفئات مختلفة (“أبرتهايد”). ولكن لو كان مطلقو هذه الحجة منسجمين مع أنفسهم لتعين عليهم ان يعترفوا بانها تنطبق على كل تقسيم لا يتخلى عن المصالح الحيوية لاسرائيل. فكل تسوية تضمن وجود اسرائيل ملزمة بان تفرض قيودا متشددة على سيادة الدولة العربية. المبدأ: تقييد قدرتها على الاتصال عسكريا او ديمغرافيا مع الاغلبية العربية الهائلة في المنطقة.
من هنا لا يفترض ان يقوم هنا “ابرتهايد”. لا منطق في المقارنة بين النظام الديمقراطي الواضح السائد في نطاق اسرائيل السيادية والذي يشمل عموم مواطنيها، بما فيها الحقوق الشخصية، اللغوية والدينية للعرب، وبين النظام العنصري الذي استبعد السكان السود الغفيرين في جنوب افريقيا كلها. ولكن مع ذلك يوجد لـ “حجة الابرتهايد” وجه معين جدير البحث فيه: التشبيه بالدول المرعية السوداء التي تضمنت أقلية غير كبيرة من السكان السود في جنوب افريقيا وسميت “بانتوستانات”.
هل يمكن التشبيه بين الدول المرعية السوداء لقبائل البانتو التي اقيمت في داخل جنوب افريقيا وبين الدولة ذات السيادة المحدودة الموصوفة في خطة ترامب، الـ “دولة ناقص” لنتنياهو، الحكم الذاتي لبيغن وافكار مشابهة ليغئال الون وموشيه دايان؟
اسرائيل ستسيطر تماما على الكيان التابع المقترح للفلسطينيين، هكذا زعم، مثلما سيطرت جنوب افريقيا البيضاء على البانتوستانات. اسرائيل ستكون اقوى منه بلا قياس – عسكريا، اقتصادي، علميا، دبلوماسيا. والصراع ضد اسرائيل سيكون من ناحيته انتحارا (وان كان هذا ممارسة فلسطينية متكررة، شخصيا وجماعيا). سيحظر عليه عقد التحالفات. وهو سيجرد من السلاح. اسرائيل ستسيطر على سمائه، على مياهه، على الطرق اليه، على اقتصاده. وعليه، فحسب الزعم، هذا لن يكون كيانا سياسيا مستقلا. كل غايته – كغاية البانتوستانات – ستكون حرمان سكانه الفلسطينيين من حق الانتخاب للمؤسسات السياسية التي تقرر مصيرهم وتسيطر على كل مجالات حياتهم، اي الكنيست، الحكومة والسلطة القضائية لدولة اسرائيل.
حتى هنا القسم غير المدحوض سطحيا في “حجة الابرتهايد”. ولكن واضح تماما أنها تنطبق بكل مفعولها على الدولة الفلسطينية التي حتى مؤيدي مسيرة اوسلو (وأنا بينهم) ارادوا ان يقيموها. فكل المتفاوضين، الموالين لدولة اليهود، ومن ارسلهم، اسحق رابين، ايهود باراك، ارئيل شارون وايهود اولمرت – وليس فقط بنيامين نتنياهو – كلهم اصروا على التجريد من السلاح، حظر التحالفات، السيطرة على المعابر والتداخل الاقتصادي الذي معناه سيطرة اقتصادية اسرائيلية. كلهم اصروا على “دولة ناقص”. لقد قامت مسيرة اوسلو على دولة كانت في وقع الامر حكما ذاتيا يسمى دولة، والى جانبه قوة عظمى عسكرية واقتصادية اقوى بكثير. وهذه المطالب كانت من نصيب الجميع، باستثناء الاحزاب العربية في اسرائيل، بما في ذلك ميرتس (على الاقل حتى وقت اخير مضى).
من يرفض الشيء لا يمارسه. كل من يريد أن يقيم دولة قومية ديمقراطية لليهود لا يمكنه أن يسمح للفلسطينيين غربي نهر الاردن الا بـ “سيادة محدودة” – هذا هو التعريف المناسب. اذا كان هذا مشوها – فهذا هو “تشويه” كل الصهاينة من الوسط – اليمين واليسار بما في ذلك اليسار الصيهوني. ولكن هذه مطالب حيوية لوجود اسرائيل. من يسعى لان يحبطها، يسعى بذلك الى أن يعيد اليهود الى مكانة أقلية مضطهده في العالم، بل وفي بلادهم. دعاية الابرتهايد هي غطاء رقيق وكاذب لهذا التطلع الهدام.
خطة ترامب هي بشرى هامة في انها ترسم حدودا اسرائيلية فاعلة ومستقرة دون جدال على نهر الاردن، تحبط الخطة الفلسطينية لاغراق اسرائيل بالهجرة وبالارهاب من الشرق. ولكنها لا تغير على الاطلاق المبدأ بان دولة اسرائيل في كل اجنحتها السياسية ملزمة بان تتمسك به: لا تحتمل الا سيادة فلسطينية محدودة. لقد علمتنا السنوات الاخيرة بان تقييد الهجرة الينا هام للغاية. من الحيوي تثبيتها بسيادة اسرائيلية في غور الاردن.



