ترجمات أجنبية

احوال تركية ، دايفيد ليبسكا يكتب –  التدخل التركي في ليبيا قد يُشعل الوضع في المنطقة

احوال تركية ، دايفيد ليبسكا *- 6/1/2020

في عام 1911، قاد الرجل الذي سيكون بعد ذلك مؤسس الجمهورية التركية حملةً عثمانية فاشلة ضد الإيطاليين في تركيا. انهارت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى التي اندلعت بعد تلك الحملة، وهو ما سمح لمصطفى كمال أتاتورك في النهاية بقيادة تأسيس الجمهورية.

وبعد مرور ما يزيد على قرن بقليل، رسم الرئيس رجب طيب أردوغان – منافس أتاتورك الوحيد بين زعماء تركيا في العصر الحديث – خطةً للتدخل في ليبيا من جديد، حصلت على موافقة البرلمان يوم الخميس، في خطوة تكشف نيته إعادة الهيمنة التركية على المنطقة.

وقال ستيفن ايه. كوك، الزميل الأول في مجلس العلاقات الخارجية، في تدوينة صوتية لموقع أحوال تركية إن أردوغان “يستطيع أن يطرح ما يفعله هناك على أنه تحرُّك مسؤول، ينبغي أن تقوم به قوة مسؤولة في المنطقة، وزعيم للعالم الإسلامي… وإن كان من المحتمل أن يكون مُزعْزِعاً للاستقرار… أعتقد أن هناك الكثير من المخاطر التي يواجهها أردوغان هناك”.

وحتى في أسوأ الحالات، قد لا يصل الأمر إلى اندلاع حرب عالمية جديدة. لكن صحيفة (واشنطن بوست) قالت في إحدى افتتاحياتها الأسبوع الماضي إن نشر قوات تركية في ليبيا دعماً لحكومة الوفاق الوطني، التي تتخذ من طرابلس مقراً، قد يُشعل فتيل صراع كبير بين عدة دول في المنطقة، ويؤدي إلى تدفق موجة جديدة من المهاجرين صوب أوروبا، فضلاً عن أنه قد يتسبب في تنامي أذرع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا.

ويتفق ميشيل كازينس، رئيس تحرير صحيفة (ليبيا هيرالد) الإلكترونية، إلى حد كبير مع هذا الرأي. ويرى كازينس أن التدخل التركي يعيد تشكيل ملامح الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا، لتتحول إلى صراع إقليمي أوسع نطاقاً، قد تنخرط فيه بعد وقت قصير جيوش دول عربية أخرى مثل مصر والمملكة العربية السعودية، اللتين تدعمان الجنرال خليفة حفتر، بعدما كانت تلك الحرب تُدار من خلال وكلاء.

وتساءل كازينس في تدوينة صوتية لموقع أحوال تركية “هل سيواجهون بعضهم البعض فقط في داخل ليبيا، أم ستتسع ساحة المواجهة لتصبح إقليمية؟ ثَمّةُ أمر خطير قد يحدث”.

ويدعم أردوغان منذ فترة طويلة حكومة الوفاق الوطني في ليبيا؛ فقد أرسل لها العام الماضي مستشارين عسكريين، وأسلحة، وأسطولاً من الطائرات المسيّرة، لصد قوات خليفة حفتر، التي تتقدم صوب العاصمة، والمدعومة من روسيا ودولة الإمارات أيضاً.

وخلال الأسابيع الأخيرة، بدأت تركيا تتودد إلى تونس والجزائر، على أمل أن تدعما حكومة الوفاق أيضاً. وتوجّه أردوغان إلى تونس الأسبوع الماضي في زيارة مفاجئة، في الوقت الذي تخطط فيه البحرية التركية لنشر فرقاطتين في الجزائر لتنفيذ تدريبات مشتركة وتدريب القوات البحرية الجزائرية.

وقال كازينس، الذي يعتقد أن تونس والجزائر قد تنحازان في النهاية إلى الصف التركي في ليبيا، “أرى أن زيارة أردوغان لتونس تأتي إلى حد كبير في إطار توجهاته الحالمة بالعثمانية الجديدة، وسعيه إلى أن تكون تونس بين حلفائه الجدد”.

وتقف حكومة الوفاق الوطني في موقف بالغ الصعوبة، تحتاج فيه إلى دعم إضافي. وعزا كازينس النجاح الذي حققته قوات حفتر في الأسابيع الماضية إلى وجود نحو ألف من المرتزقة الروس، وقال إن عملية نشر القوات التركية – التي عجّلت بها تركيا – تأتي في وقت بالغ الدقة.

أضاف أن هذه الخطوة “ستُنقذ حكومة الوفاق الوطني من الهزيمة” متوقعاً انضمام نحو ألف جندي تركي إلى القتال في ليبيا. وقال إن “القوات المسلحة التركية محترفة، وتعرف كيف تتصرف جيداً. سيكونون في مواجهة جيش، وهو جيش حفتر غير المدرب جيداً على الإطلاق”.

وأرسلت تركيا بالفعل بعض المسلحين السوريين للقتال في ليبيا، وجمعت المزيد في معسكرات للتدريب في تركيا، استعداداً لإرسالهم إلى جبهات القتال، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يراقب الوضع في سوريا بشكل مستقل.

أيضاً، وافقت اليونان وقبرص وإسرائيل يوم الخميس على بناء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي، سيمر في مياه بشرقي المتوسط تدّعي أنقرة بأنها تقع داخل حدودها البحرية التي رسّمتها في اتفاقيتها البحرية مع حكومة الوفاق الوطني. ويقول محللون إن تلك الاتفاقية، التي وُقّعت في نوفمبر الماضي، غير قانونية. وترى أغلبية أن تلك الاتفاقية طغت على الحوار في شرقي المتوسط، لكنها ستُبطَل إذا سقطت حكومة الوفاق الوطني.

وبالنسبة لكازينس، فإن اتفاقية خطوط الأنابيب سلّطت الضوء على انحراف اليونان عن توجهات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين يعترفان بحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، وتحوُّلها إلى دعم حفتر.

وقال “اليونان انزلقت إلى هذا الصراع، وأصبحت الآن مُقرّبة من حفتر وحكومته في بنغازي… نرى العداء اليوناني التركي يتجلّى في المشهد الليبي”.

هناك تصارع آخر يلعب دوراً في الصراع الليبي، وهو التصارع الذي بين روسيا وتركيا، واللتين دعمتا أطرافاً متنافسة في سوريا قبل أن تتوصلا إلى اتفاقات لتجنب الصراع المباشر في العامين الماضيين. وها هما من جديد يدعمان أطرافاً متنافسة. ومن المقرر أن يلتقي الرئيسان التركي والروسي في إسطنبول في الثامن من يناير لافتتاح خط أنابيب تُرك ستريم ومناقشة الوضع في سوريا وليبيا.

وروسيا مهتمّة بالموارد الطبيعية الليبية الضخمة وقربها من أوروبا، ضمن استراتيجية أوسع نطاقاً للضغط على أوروبا بعدد من نقاط النفوذ في المتوسط، بما في ذلك قاعدتها البحرية في طرطوس السورية.

وقال كوك إن “المسرح الليبي جزء من هذا، ومن المهم فيما يبدو أن تضع الاستراتيجية الروسية المخاوف التركية في حساباتها”. ويرى كوك أن التوصل إلى اتفاق بين تركيا وروسيا بشأن ليبيا أصعب بكثير مما تَحقّق في سوريا.

ويقول كازينس إن الرئيسين لن يسمحا أبداً لقواتهما بالدخول في مواجهة في ليبيا، ويرى أن المكاسب التي ستحققها روسيا من التوصل إلى اتفاق مع تركيا قد تكون مغرية جداً لموسكو.

وأردف قائلاً “أتوقع أن يتوصّلا إلى اتفاق يُعطي تركيا الضوء الأخضر لفعل ما يحلو لها في ليبيا… كَسْبُ تركيا – العضو في حلف شمال الأطلسي – كحليف، وإضعاف الحلف وعضوية تركيا فيه، يمثل مكسباً دبلوماسياً كبيراً لروسيا”.

وبالنسبة لتركيا، فإن ليبيا مهمة بلا شك. ويدعم حزبُ العدالة والتنمية بقيادة أردوغان حكومةَ الوفاق الوطني لأسباب من بينها الارتباط الإسلامي الذي يعود إلى عشرات السنين.

وقال كوك “الإسلاميون الأتراك لديهم هذا الحنين الغريب لليبيا” مشيراً إلى أن أول رحلة خارجية قام بها رئيس الوزراء نجم الدين أربكان – الذي علّم أردوغان السياسة – في أواخر التسعينيات، كانت إلى طرابلس.

وللإخوان المسلمين اليوم نفوذ سياسي كبير لدى حكومة الوفاق الوطني في ليبيا. بيد أن ارتباط حكومة حزب العدالة والتنمية بليبيا يعود إلى ما قبل الربيع العربي؛ فبعدما تدخلت الدول الغربية للإطاحة بمعمر القذافي، علّقت شركات البناء التركية العمل في مشروعات إنشاء بقيمة تصل إلى نحو 18 مليار دولار. وتأمل أنقرة الآن في دعم الطرف الفائز واستئناف تلك المشروعات، بل وجذب المزيد، في ليبيا بعد انتهاء الحرب واستقرارها.

وقال كازينس “إذا بدأ الاقتصاد ينتعش، ستكون (ليبيا) منجم ذهب للشركات التي ستذهب لإعادة البناء… بالنسبة لتركيا، فإن هذا مهم للغاية، لأن الاقتصاد التركي ليس على ما يرام، وستكون خسارتها لهذا أمراً كارثياً”.

ويخطط زعماء العالم للالتقاء في برلين في وقت لاحق من الشهر الجاري، في مسعى لإيجاد حل سياسي للحرب الأهلية الدائرة في ليبيا، لكن معظم المراقبين للوضع هناك لا يتوقعون أن تضع تلك القمة نهايةً للعنف.

وما زال تحقيق التنمية الاقتصادية حلم بعيد المنال لليبيا اليوم، حيث زادت روسيا وتركيا ودولة الإمارات دعمهم العسكري بقوة في الأشهر الأخيرة، بينما قد يدخل على الخط لاعبون آخرون قريباً، مثل اليونان والجزائر وتونس.

نتيجة لذلك، فإن خطاب الكراهية والتضليل آخذ في الزيادة، وعدد النازحين بلغ عشرات الآلاف، في الوقت الذي يتمزق فيه النسيج القبلي والمجتمعي الليبي، ويُنذر فيه العنف وعدم الاستقرار بالامتداد إلى خارج حدود ليبيا.

وقال كازينس “ليبيا كرة قدم يركلها الجميع… لا أقول إن ليبيا نفسها ليست مسؤولة عن الكثير من مشاكلها، لكن تلك المشاكل بلغت درجة من السوء الذي لا حدود له، بفعل عدد من العوامل الخارجية”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى