ترجمات أجنبية

احوال التركية، إدوارد جي ستافورد يكتب – هل يشكل الماضي مستقبل العلاقات الأميركية التركية

احوال التركية، إدوارد جي ستافورد *- 26/12/2019

وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا خلال العام الماضي إلى مستويات من التوتر ترقى إلى الأزمة. ومع ذلك، من الناحية العملية، فهي ليست الآن أسوأ بكثير مما كانت عليه خلال السنوات القليلة الماضية. ويعكس هذا جزئياً عدم قدرة أو عدم رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في التعامل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كما يتوقع المرء من رئيس أميركي تعرض بشكل متكرر للتضليل أو الإحراج أو الإحباط من نظيره التركي.

هل سيستمر هذا الوضع في العام المقبل عندما يحاول أردوغان الدفع بأجندة خارجية لتشتيت انتباه الناخبين الأتراك عن وضعهم الاقتصادي الصعب؟ هل قرر ترامب أن تركيا في عهد أردوغان ضرورية جداً لاستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لا سيما في مواجهة إيران، حتى أنه سيواصل حماية أردوغان من غضب أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي الذين يخططون لاتخاذ إجراءات بهدف فرض عقوبات؟

تقديم توقعات أمر محفوف بالمخاطر، لكن العامين الأخيرين يشيران إلى العوامل الصعبة التي ستستمر من خلالها العلاقات.

أولاً، يعني ترامب ما يقوله إزاء وضع أميركا أولاً. فقط بإمكانك أن تسأل المقاتلين الأكراد في شمال سوريا عما يحدث عندما يقرر ترامب أن المصلحة القومية الأميركية، كما يراها، لا يخدمها استمرار العلاقات معهم. يتمثل الخطر الذي يواجه الولايات المتحدة هو أن أميركا أولاً تصبح أميركا وحدها. قد يرغب ترامب في التشاور مع وزير خارجية أردوغان ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو إذ أنه يعرف جيداً كيف يمكن أن يؤدي سعي دولة ما لتحقيق مصالحها دون اعتبار للتأثير على الجيران إلى شبه العزلة.

ثانياً، تفسير ترامب هذا لأميركا أولاً لا يهتم تقريباً بوضع حقوق الإنسان في دول أخرى بما في ذلك شركاء حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي حين يواجه الصحفيون والأكاديميون وغيرهم في تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية وروسيا وأماكن أخرى من العالم درجات متفاوتة من الاضطهاد أو ما هو أسوأ من ذلك، فإنهم يعلمون جميعاً أن الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب لن تضغط من أجل احترام حقوق الإنسان في بلد ما إلا إذا كانت لديها بعض المزايا المباشرة لتحقيق أهداف السياسة الأميركية كما هو الحال في نيكاراغوا وكوبا وفنزويلا. وتشرح قضية هونغ كونغ ذلك بقوة – فقد كان الكونغرس وليس الجهاز التنفيذي للحكومة الأميركية هو الذي تولى زمام المبادرة في الدعوة إلى احترام الديمقراطية والعدالة في هونغ كونغ.

ثالثاً، الجهود التي بُذلت للإطاحة بترامب من الرئاسة إما باستخدام نتائج تقرير المحقق الخاص روبرت مولر لإجباره على الاستقالة أو باستخدام المساءلة، لم يكن لها تأثير ملموس على سلوكه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ولم تؤثر على السياسة الداخلية تقريباً. وفي ظل شبه اليقين من أن مجلس الشيوخ سيصوت لصالح إبقاء ترامب في منصبه واحتمال متزايد لإعادة انتخابه بسبب الانقسامات بين خصومه السياسيين، يمكننا أن نتوقع منه أن يواصل صنع قرارات في السياسة الخارجية متهورة وفوضوية ومحيرة.

بالنسبة لتركيا، أو بتعبير أدق بالنسبة لأردوغان، فإن هذا يعني أن فترة السنتين ونصف السنة الماضية من التفاعلات مع ترامب تمثل نموذجاً للتعامل معه ومع الولايات المتحدة في المستقبل. تشمل قائمة القضايا التي كدرت صفو العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا والتي قد تثأر أو لا تثار مرة أخرى في المستقبل:

الإبادة الجماعية للأرمن: أدى تصويت الكونغرس على قرار يعترف بترحيل الأرمن وقتلهم في عام 1915 على أيدي الإمبراطورية العثمانية كعمل من أعمال الإبادة الجماعية إلى موجة من الإدانات الغاضبة أو الإشادة المبتهجة اعتماداً على ما يعتقده الشخص أو يشعر به إزاء الأحداث التي وقعت في عام 1915. لكن من الناحية العملية، لا يعني هذا شيئاً يُذكر. وهذا هو السبب في أن تدخل ترامب مع حليفه القوي في مجلس الشيوخ، لينزي غراهام، كان يهدف فقط إلى تأخير قرار مجلس الشيوخ الذي تمت الموافقة عليه هذا الشهر وليس الحيلولة دون تمريره. سوف يضع ترامب الآن القضية وراءه، وستختفي الخطب العنيفة للحكومة التركية والبرلمان التركي في المستقبل القريب.

سوريا: سوف يستمر ترامب في حماية المصالح الحيوية للولايات المتحدة لمنع إيران من تشكيل جسر بري لا يمكن تحمله من إيران إلى البحر المتوسط وحدود إسرائيل. بخلاف هذا الهدف، وبالنظر إلى مقتل أبو بكر البغدادي وتحول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى منظمة إرهابية مبعثرة بدلاً من دولة إرهابية، سيترك ترامب سوريا إلى حد كبير تحت رحمة الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان. وإذا ارتكب أردوغان خطأ من منطلق أنه في موقع قوة وهاجم الأكراد غير الإرهابيين أو غيرهم، فقد يجبر مجلس الشيوخ الأميركي ترامب على الرد، لكن قد يكون رئيس تركيا واثقاً من أن ترامب لن يجعل الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيساً في سوريا.

شرق البحر المتوسط: ما لم تتورط تركيا في أعمال عنف ضد قبرص أو إسرائيل أو الشركات الأميركية العاملة في موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط حول قبرص، فمن المرجح أن يترك ترامب زمام المبادرة في هذا النزاع إلى الاتحاد الأوروبي. تسمح ثروات النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة نتيجة التكسير الهيدروليكي بألا يقلق ترامب كثيراً على أسواق النفط أو الغاز العالمية. فقط إذا سعت تركيا إلى تقويض سيادة إسرائيل أو المصالح المالية للشركات الأميركية عن طريق إعاقة التنقيب عن موارد الطاقة أو نقلها في نهاية المطاف إلى الأسواق العالمية، فسيتم حث ترامب على التدخل فيما يعتبره قضية الاتحاد الأوروبي وآخرين بشكل أساسي.

فتح الله غولن وأتباعه: ربما لا يزال لدى ترامب بعض المستشارين الذين يدافعون عن احترام طلب تسليم رجل الدين الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن بغض النظر عن الأدلة غير الكافية المقدمة حتى الآن من أنقرة لإثبات تورط غولن في محاولة انقلاب فاشلة في عام 2016. لكن، وزير العدل الأميركي وليام بار ليس الشخص الذي يمكن أن يوافق على الالتفاف على القانون ليناسب المصالح السياسية للرئيس. وفي الوقت نفسه، حصل أردوغان على أكبر قدر من رأس المال السياسي من محاكمات الانقلاب العادلة وغير العادلة. ستواصل الدولة التركية الضغط من أجل تسليم غولن والعديد من أتباعه من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكن التعامل مع الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق في تركيا يجذب انتباه الناخبين أكثر من الجهود المبذولة ضد المتآمرين المزعومين وراء محاولة الانقلاب.

حلف الناتو/ روسيا: قد يدعو بعض المنتقدين في واشنطن إلى طرد تركيا من حلف الناتو، لكن مثل هذه الدعوات ستذهب أدراج الرياح. يبدو أن ترامب قرر أن حلف الناتو مفيد للولايات المتحدة، وبالتالي لم يعد يعامله بازدراء، على الرغم من أنه لا يزال يشكو من أن العديد من حلفاء الناتو قاموا بتقليص جيوشهم.

بعد أن قررت تركيا أن تتحول إلى روسيا لشراء نظام دفاع جوي لأن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قرر عدم بيع صواريخ باتريوت إلى تركيا، دون أن تهتم بفقدان مشاركتها في البرنامج الذي تقوده الولايات المتحدة لبناء طائرات مقاتلة من طراز إف-35، يولي ترامب اهتماماً لحصول تركيا على نظام إس-400 الروسي أقل بكثير من مجلس الشيوخ الأميركي. تجدر الإشارة إلى أن فاتورة تمويل الدفاع الأميركي لعام 2020 التي تمت الموافقة عليها الأسبوع الماضي تتضمن أموالاً للتخزين طويل الأجل لما يصل إلى ست طائرات من طراز إف-35 مخصصة لتركيا، بالإضافة إلى دعوة لترامب لفرض عقوبات اقتصادية بموجب قانون معاقبة خصوم أميركا من خلال العقوبات. من الواضح أن الكونغرس الأميركي مستعد للضغط من أجل وضع نهاية حاسمة لمشاركة تركيا في برنامج الطائرات المقاتلة إف-35.

باختصار، نجح أردوغان في قيادة العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا بمساعدة إعجاب ترامب الشخصي به وتركيز ترامب على أماكن أخرى وأصوات بعض المستشارين المؤثرين الذين ينظرون إلى سوء إدارة أردوغان لتركيا على أنه تحد مؤقت يجب التغاضي عنه من أجل استمرار مصالح الولايات المتحدة مع حليف جيو-استراتيجي. أي مراجعة لمغامرات أردوغان في سوريا أو ليبيا أو شرق البحر المتوسط أو أي مكان آخر أثناء سعيه لتشتيت انتباه الجمهور التركي عن الوضع الاقتصادي الحالي يجب أن تأتي من الداخل وليس من الخارج.

*أكاديمي عمل في أقسام تابعة للشؤون الخارجية الأميركية ومتخصص في بالشأن التركي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى