شوؤن عربية

اتفاق إطار للتفاوض بين لبنان وإسرائيل على وقع الانهيار

عبير بشير – 3/10/2020

ليس بسيطاً أن يكون الاتفاق على بدء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل أسهل من الاتفاق على تشكيل الحكومة اللبنانية، ومن مراعاة الصديق الفرنسي ماكرون. والأشد دهشة، هو أن الاتفاق على التفاوض للترسيم مع إسرائيل يبدو أسهل من الاتفاق على التفاوض للترسيم مع سورية، حيث تتشابك البلوكات، إلى الحدود الفلتانة في جرود الهرمل وسائر البقاع… نزولاً إلى «سرِ الأسرار»، مزارع شبعا.!

وليس بسيطا ، الإعلان عن اتفاق الإطار حول ترسيم الحدود البحرية، من حيث «التوقيت» أولاً، الذي هو عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعلى وقع اتفاقات «التطبيع» المنتشرة في المنطقة.

ومع أن الاتفاق، ولو كان «تاريخياً»، جاء «ثمرة» جهد استمر عقداً من الزمن، وبالتالي فهو ليس «وليد» ظروف اليوم، ولكن ذلك لا يمنع من التساؤل عن «التوظيف» في اللحظة السياسية «الحالية.

فقد كان من المفترض بأن يمسك حزب الله ومن خلفه إيران بقوة بورقة ترسيم الحدود اللبنانية – الإسرائيلية في إطار المواجهة الأميركية – الإيرانية المحتدمة في المنطقة. على بعد نحو شهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأن لا يسهما بمنح المرشح ترامب هدايا انتخابية قبل الاستحقاق الرئاسي يمكن أن يوظفها لصالحه أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، لكن نبيه بري خرج، ليعلن عن اتفاق الإطار مع إسرائيل برعاية واشنطن !!!

ويتبعه مساعد وزير الخارجية دايفيد شنكر بتحديد موعد انطلاق المفاوضات في 14 تشرين الأول الحالي، مدعيا بأن هذا الاتفاق سيعطى لبنان دفعة للأمام، في مواجهة ظروفها الاقتصادية.

وهذا يطرح تساؤلا مشروعاً عن التوقيت الذي يأتي بعد التطبيع الإماراتي – البحريني مع إسرائيل ليضيف انتصاراً جديداً للدبلوماسية الأميركية، بما يجعل لبنان الدولة الجديدة الذاهبة إلى بدء التفاوض مع إسرائيل لترتيب مسألة الحدود البحرية المفتوحة على ترتيب وترسيم المصالح الاقتصادية بين البلدين.

بعدما بات واضحاً أنه رغم إتمام تلزيم البلوك النفطي رقم 9 في المياه الإقليمية وتوقيع عقد في شباط 2018 مع ائتلاف شركات دولية هي «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية و«نوفاتيك» الروسية، فإن عمليات التنقيب في هذا الحقل لن تبدأ ما لم يتم التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل. فهذه الشركات تريد ضمان استثماراتها على أقل تقدير قبل الخوض في الاعتبارات السياسية التي قد تُعيقها عن مباشرة أعمال.

وسيُضفي مشهد المفاوضات حول ترسيم الحدود في الناقورة بين ممثلي لبنان وإسرائيل بضيافة الأمم المتحدة وإدارة الولايات المتحدة أمام عدسات الإعلام الأميركي والغربي حالة من الزهو لدى «البيت الأبيض»، لنجاح إدارة دونالد ترامب في الإتيان باللبنانيين والإسرائيليين إلى طاولة لترسيم الحدود، على الساعة الأميركية. ولا يمكن لبري أن يكون قد حدّد توقيت الإعلان عن الاتفاق وموعد بدء المفاوضات من دون التشاور والتنسيق مع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

وكان لافتا، بعد إعلان بري عن فحوى « اتفاق الإطار»، الذي تم التوصل إليه مع الأميركيين بإدارته الشخصيّة، صدور بيان من رئاسة الجمهورية، لم يأتِ على ذكر نبيه بري من قريب أو من بعيد، وحصر الشكر بوزير الخارجية بومبيو، وليعلن البيان أن الرئيس عون هو من «سيتولى التفاوض» في المرحلة المقبلة، عملاً بأحكام الدستور.

ويقول بعض المتابعين إن عون أراد توجيه «رسالة» واضحة لبري، بأن الدستور اللبناني يمنحه صلاحيات إدارة المفاوضات، وليس رئيس مجلس النواب.

وبعيداً عن كلام عون، نجح صهره جبران باسيل، في خطف الأضواء، بتغريدة لافتة، ليعيد التصويب على تفاهم مار مخايل، حيث دعا باسيل إلى مفاوضات على الطريقة اللبنانية، «لا الفارسية ولا العربية».

ويشكل اتفاق الإطار عنوان الاهتمام الداخلي في القادم من الأيام. ثمة من يقول إن «خفايا» كثيرة خلفه ستحدِث بعض التغييرات في المشهد السياسي في لبنان، وقد تنعكس على الحكومة أولاً، من باب «الرضا» الأميركي، وأن الثنائي الشيعي، ينتظر بشكل خاص مقابلا من الأميركيين يقضي بتجميد العقوبات التي تواصل الإدارة الحالية إعلانها فيما انه سيكون محرجا للإدارة الاستمرار في فرض العقوبات على أطراف يجلسون إلى الطاولة معهم من اجل التفاوض مع إسرائيل. ثم أن لبنان يحتاج إلى الراعي الأميركي، ليس فقط لدعم الجيش والأمن والمؤسسات، بل أيضاً لتجنّب المصير الأسوَد الذي يمكن أن يبلغه، إذا رفع الأميركيون حصانتهم عن القطاع المالي والمصرفي واستجابوا لدعاوى الدائنين.

هذا يعني عملياً، أنّ قوى السلطة، ومن خلالها حزب الله، قرَرت تهدئة اللعبة مع الولايات المتحدة، وعدم الوقوف في وجه «المدحلة» لئلا تدفع الثمن غالياً جداً.

وهذا ينسحب ايضا على رئيس الجمهورية الساعي الى تسلم هذا الملف منذ اشهر من اجل درء العقوبات الاميركية التي كثر الحديث عن وجود نية لفرضها على اعضاء من فريقه، ومحاولة استعادة المبادرة ربما من أجل معركة الرئاسة المقبلة مشاركاً الثنائي الشيعي فكرة أنهما، وعبر خطوة الترسيم المحتملة، يمكن ان ينطلق التنقيب عن الغاز الذي يمكن أن يدر على لبنان مليارات الدولارات.

ولكن على كل حال، فالاتفاق ليس عابراً، والمسألة ليست مسألة تقنية، بل هي سياسية في العمق. وصحيح أن الآلية التي ستعتمد في المفاوضات هي الآلية الثلاثية الموجودة منذ تفاهمات نيسان 1996 والمتبعة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701، والتي بواسطتها أنجز الخط الأزرق البري، والتي تعتمد على عدم التخاطب المباشر بين المفاوضَين اللبناني والإسرائيلي، بل من خلال الفريق الثالث الأميركي الذي سيتولى الإدارة، بيد أن المفاوضات تهدف إلى إنجاز اتفاقات بين «حكومتَي لبنان وإسرائيل على حدودهما» كما جاء في الورقة التي جسّدت الاتفاق – الإطار الذي تلاه نبيه بري، حيث غابت حدود فلسطين المحتلة وحضرت حدود إسرائيل، «وحين يتم التوافق على الترسيم في نهاية المطاف، سيتم إيداع اتفاق ترسيم الحدود البحرية لدى الأمم المتحدة.

وأما إسرائيل، فتقرأ الملف من زاوية أخرى، وهي «زلق» لبنان في اتجاه التفاوض نحو مسائل أكثر عمقاً، وتتعلق بمناخ الشرق الأوسط الجديد حول التطبيع. وهي تتلقّى دعماً أميركياً في هذا المجال، أياً كان المقيم في البيت الأبيض سواء كان ترامب المصاب بفيروس كورونا أو بايدن.

وسيكون الترسيم حيوياً للبنان، ليس فقط في البحر حيث الموارد الغازية، بل أيضاً في البرّ، حيث سيتمّ استثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا من المفاوضات، لأنّ سورية لم تقدِّم إلى لبنان وثيقةً تثبت أنّها أراضٍ لبنانية. وعلى أساس هوية هذه الأراضي تتوقف مشروعية عمل «حزب الله» المسلّح.

إذا عندما تبدأ مفاوضات الترسيم، في حضور الوسيط الأميركي والراعي الدولي، سيكون لبنان قد خطا خطوة مُهمَّة في اتجاه شيءٍ ما. والأيام الآتية ستحسم ما هو هذا الشيء. وربما يفتح الاتفاق في خواتيمه الباب واسعاً أمام إعلان نهاية الصراع مع إسرائيل من بوابة المصالح الاقتصادية!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى