شؤون فلسطينية

اتفاق إسطنبول” بين حركتي فتح وحماس .. دوافعه وآفاقه

عزام شعث * – 8/10/2020

مقدمة

اختتمت حركتا فتح وحماس اجتماعًا ثنائيًا انعقد في تركيا بإعلان الحركتين الاتفاق على “رؤية مشتركة”. ففي بيانٍ مشترك صدر عنهما في إسطنبول بتاريخ 24 أيلول/ سبتمبر 2020، أعلنت الحركتين أنَّ الاجتماعات تناولت “البحث حول المسارات التي اتُفق عليها في مؤتمر الأمناء العامين الذي انعقد مطلع شهر سبتمبر في رام الله وبيروت[1]، وجرى إنضاج رؤية متفق عليها بين وفدي الحركتين”[2]، وتم التوافق بين وفدي الحركتين على إجراء الانتخابات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزّة على قاعدة التمثيل النسبي الكامل في غضون ستة أشهر، حيث سيصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا بذلك. ومن المقرر أنْ تُجرى انتخابات المجلس التشريعي في الجولة الأولى، ثم انتخاب رئيس السلطة الفلسطينية، وتليها انتخابات المجلس الوطنيالفلسطيني، وفق ما صرح به رئيس وفد حركة فتح في حوارات إسطنبول[3].

وقد جاءت هذه الخطوة بعد مرور أكثر من 13 سنة على الانقسام السياسي والجغرافي في أُطر النظام السياسي الفلسطيني ومؤسساته، وبين الضفة الغربية وقطاع غزّة، وبعد أنْ أخفق الطرفان في تطبيق اتفاقيات إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية بدءًا من إعلان مكة 2007، وانتهاءً باتفاق القاهرة 2017.

لقد كانت الخلافات بين طرفي الانقسام -طيلة هذه السنوات- عميقة إلى الحد الذي استعصى حلها، ففي وقت عزّزت حركة حماس حُكمها في قطاع غزّة في غياب الشراكة الوطنية، كانت حركة فتح والسلطة الفلسطينية تُراكم من إجراءات التمييز وسياسة العقوبات التي طبقتها ضد سكان القطاع منذ منتصف عام 2007، وفي ضوئها استمرت القطيعة بين الطرفين، دون أنْ تتوفر الإرادة لديهما من أجل طي صفحة الانقسام ومعالجة أسبابه وتداعياته.

لا شك أنَّ التَّطور في موقف الحركتين الفلسطينيتين الأكبر يطرح الأسئلة حول أسباب لجوئهما إلى تركيا بعد أنْ كانت مصر هي المقر الدائم والراعي الحصري لحوارات المصالحة الفلسطينية، وما هي دوافع تفعيل ملف المصالحة في هذا الوقت تحديدًا، وما هي آفاق التطبيق الفعلي لاتفاقات المصالحة واحتمالاته؟

“إسطنبول” محطة جديدة

بعد سنوات طويلة من الاستضافة المصرية التقليدية لوفدي “فتح” و”حماس” ورعايتها لحوارات المصالحة بينهما، شهد هذا الملف تحولًا مفاجئًا باتجاه تركيا، مما أثار التكهنات بشأن ما إذا كانت نيّة الفلسطينيين تتجه فعلًا لنقل الملف من القاهرة إلى أنقرة، أم أنَّها في إطار الخطوات “التكتيكية” والمُتفق عليها بين الحركتين.

لقد انقسم الرأي من جانب المتابعين لقضايا الشأن الفلسطيني وتشابكاته إلى اتجاهين: أولهما يرى أنْ الحركتين أرادتا توجيه رسالة احتجاج للدول العربية التي اسقطت مشروع القرار الذي قدمته فلسطين في اجتماع وزراء الخارجية لإدانة اتفاق التطبيع الإسرائيلي الإماراتي[4]. فيما أرجع أنصار الاتجاه الثاني لجوء حركة فتح تحديدًا إلى تركيا إلى انزياحها التدريجي إلى المحور التركي القطري، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع “إسرائيل” وتُعوّل عليه في فتح خطوط التفاوض معها مستقبلًا، والاستفادة من القروض التي سوف تخصّصها قطر للسلطة الفلسطينية في ظلّ أزمتها المالية راهنًا، في الوقت الذي تنخرط فيه حركة حماس فعليًا في هذا المحور.

أسباب ودوافع تفعيل ملف المصالحة

ثمّة عوامل داخلية وأخرى خارجية دفعت طرفي الانقسام الفلسطيني “فتح” و”حماس” إلى إعادة احياء وتفعيل ملف المصالحة من جديد، والاتفاق على إجراء الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزّة، أبرزها:

أولًا: إدراك الحركتين للضغوط والمخاطر الخارجية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، والتي بدأت مع الإعلان عن صفقة القرن التي أعدّها وأعلن عنها الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” في 28 كانون الثاني/ يناير 2020، وما تبعها من إجراءات إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، ثمّ خشية قيادة السلطة الفلسطينية من أنْ تتحول هذه الضغوط إلى إجراءات عملية تؤدي إلى تغييرها- أي تغيير القيادة الفلسطينية واستبدالها- خصوصًا بعد أنْ أعلن السفير الأمريكي في تل أبيب، ديفيد فريدمان، في 17 أيلول/ سبتمبر 2020، عن النيّة الأمريكية لتغيير القيادة الفلسطينية، بقوله: إنَّ “واشنطن تفكر في تنصيب محمد دحلان زعيمًا للفلسطينيين”، الأمر الذي اعتبرته السلطة الفلسطينية وحركة فتح تدخلًا في الشؤون الفلسطينية و”مؤامرة” لتصفية القضية الفلسطينية، وذلك على الرغم من تعديل صحيفة “إسرائيل اليوم” الخبر الذي نقلته عن السفير الأمريكي إلى “ليست لدينا مصلحة في هندسة القيادة الفلسطينية”، ورغم ما أعلنه النائب محمد دحلان ردًا على تصريحات “فريدمان”، بقوله: “من لا ينتخبه شعبه لا يستطيع القيادة، وحذّر من زعزعة الجبهة الداخلية، ومن الوقوع في شرك التكتيكات الأمريكية المهندسة بدقة، ودعا إلى انتخابات وطنية شاملة..”.

ثانيًا: الأزمة التي تعصف بالسلطة الفلسطينية في الناحيتين السياسية والمالية بعد أن تعثرت عملية التسوية السياسية مع “إسرائيل” منذ عام 2014، وما تلاها من إعلان الرئيس الفلسطيني في 19 أيار/ مايو 2020، “تحلل السلطة الفلسطينية من جميع الاتفاقيات والتفاهمات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بما فيها الأمنية، ردًا على قرار ضم أجزاء من الضفة الغربية”، بالإضافة إلى ما تعانيه السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة على خلفية رفضها استلام أموال المقاصة[5] التي تجبيها “إسرائيل” بالنيابة عنها، وعدم قدرتها على الوفاء بدفع رواتب موظفيها كاملة، والانفاق على القطاعات الخدمية فيها.

ثالثًا: الفشل في إدارة الشأن العام في الضفة الغربية وقطاع غزّة؛ إذ أنَّ الحركتين اللتين تديران المنطقتين لم تقدما نموذجًا ناجحًا في إدارة الحكم، ولم تُخفّفا من واقع الأزمات والضغوط والتدهور الكارثي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي لعموم الفلسطينيين في الضفة وغزّة، بحيث ارتفعت معدلات الفقر والبطالة إلى نسبٍ غير مسبوقة، لتصل معدلات الفقر لـ 14% في الضفة الغربية و53% في قطاع غزّة[6]، ومعدلات البطالة لـ 14% في الضفة الغربية و46% في قطاع غزّة[7]، وكان القطاع الأكثر تأثرًا جراء الانقسام الداخلي والحصار الإسرائيلي المشدّد عليه منذ ما يزيد عن 14 عامًا.  

رابعًا: أنًّ الحركتين تسعيان إلى تجديد شرعيتهما المتآكلة في المؤسستين الرئاسية والتشريعية منذ الأعوام 2009 و2010، لا سيما وأنَّ السلطة الفلسطينية تتعرض لضغوط الممولين الدوليين الذين يطالبونها بالعمل على تجديد الشرعيات عبر تنظيم الانتخابات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزّة.  

احتمالات المصالحة وآفاقها

على مدى أكثر من 13 سنة اصطدمت اتفاقات المصالحة الفلسطينية الموقّعة بين حركتي فتح وحماس بملفات لم تستطع الحركتان تسويتها وتطبيقها على الأرض، وذلك على الرغم مما تضمنته من آليات لتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها والعمل على معالجة هذه الملفات وإزالة آثار الانقسام وتداعياته.

لقد أعاقت ملفات الأمن، والمعابر، والموظفين، وتوحيد المؤسسات، والبرنامج السياسي للحكومة، وإعادة بناء منظمة التحرير، مسار المصالحة الفلسطينية، وظلّت شائكةً ومُعلقة، واستمر الانقسام على حاله.

ويؤخذ على لقاء إسطنبول، أخيرًا، أنَّه لم يبحث في القضايا الخلافية والجدليّة بين الطرفين، لضمان معالجتها والتوصل إلى تفاهمات بشأنها قبل الوصول إلى محطة الانتخابات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وإنّما اكتفى الوفدان بالإعلان عن التوافق على إجراء الانتخابات، وكأنهما أرادوا أنْ يرحلوا القضايا والملفات الشائكة إلى ما بعد الانتخابات، وهذه الإحالة قد تتسبب في نسف عملية المصالحة برمتها في غياب الجهة الضامنة والقادرة على إلزام الطرفين، خصوصًا أنَّ النيّة لا تتجه لتشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات واسعة تتولى هذه المهمة قبل الانتخابات، ثم إنَّ التفاهمات لا تزال ثنائية بين طرفي الانقسام، وتغيب عنها الفصائل الفلسطينية وقوى المجتمع المدني، وبالتالي تنعدم ميزة الضامن ومعها ميزة الضغط من قِبل طرف ثالث أو أطراف متعددة.

ولئن أدركتا الحركتان الفلسطينيتان ضرورة اللجوء إلى خيار الانتخابات كآلية للخروج من المأزق ومغادرة مرحلة الانقسام، والبدء في مرحلة جديدة تقوم على أسس الشراكة الوطنية كما وفرتها وثيقة الأسرى عام 2005، فإنَّ هذه العملية ينبغي أنْ تحتكم إلى برنامج كفاحي لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي كما قرّره اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في رام الله وبيروت، يبدأ بمواجهة صفقة القرن وخطة الضم والتهويد الإسرائيلية على قاعدة المقاومة الشعبية الشاملة مع الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس المحتلة وقطاع غزّة.

إنَّ لهذه المرحلة الجديدة معطياتها ومتطلباتها ولها محاذيرها أيضًا، الأمر الذي يستدعي استثمار الجهد الراهن وتكثيفه والتحوط من أجل القفز عن احتمالات الفشل وتعطيل العملية الانتخابية المأمولة، وذلك من خلال تهيئة المناخات عبر إيجاد البديل الملائم والمتاح لضمان مشاركة المقدسيين في الانتخابات في حال أقدمت “إسرائيل” على منعهم من المشاركة فيها، ثم عدم الارتهان للتحولات الإقليمية والدولية بما فيها انتظار وترقب نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر القادم، وأخيرًا أنْ تتوفر الضمانة الأكيدة للاستمرار في العملية الانتخابية بمراحلها الثلاث بصرف النظر عن نتائج انتخابات المجلس التشريعي، وألا تقتصر عليها.              

وفي ضوء ما تقدم، تجد المصالحة نفسها أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة، وهي:

الأول، أن تمضي حركتا فتح وحماس في مسار المصالحة وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة، وأنْ يصدر الرئيس الفلسطيني مرسومًا بمواعيد الانتخابات وآلياتها، وتلتزم الحركتان بتهيئة المناخات الإيجابية لتنظيمها واحترام نتائجها، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى الإشراف على تطبيق بنود اتفاقات المصالحة ومعالجة آثار الانقسام من خلال توحيد مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، بما فيه بناء منظمة التحرير على أسس الشراكة الوطنية الجامعة.

الثاني، استمرار الوضع القائم كما هو عليه الآن مع بعض التحسينات، وضمن هذا السيناريو يمكن أنْ ينجح الطرفين، بمشاركة أطراف فلسطينية أخرى، بإيجاد نوع من التعايش في ظل الانقسام، مأسسته وإدارته، وليس حلّه ومعالجة تداعياته، وذلك بالاتفاق على تأجيل العملية الانتخابية، وتأليف لجنة تتولى مهمة التنسيق بين السلطتين في غزّة ورام الله في أمور الحياة اليومية مع تسوية بعض قضايا الخلاف بين الحركتين، كوقف التحريض الإعلامي، والاعتقال السياسي، وفتح المؤسسات والمقرات التي تم إغلاقها منذ وقوع الانقسام، ووقف انتهاك الحقوق والحريات العامة والفردية في الضفة الغربية وقطاع غزّة.

الثالث، الانهيار والفشل في غياب التوصل إلى تفاهمات تسبق العملية الانتخابية، مما يهدّدها ويُفشل عملية المصالحة برمتها، مثلما هو حال كل اللقاءات السابقة التي جمعت طرفي الانقسام، والاتفاقات التي وُقعت بينهما على مدى أكثر 13 سنة. هذا السيناريو سوف يتأسس استنادًا إلى أسبابٍ عدّة، أهمها: إنْ تمسك كل طرف- من طرفي الانقسام- برؤيته دون أنْ يقدّم تنازلات من أجل المصلحة الوطنية؛ أو أدرك أحد الطرفين أو كليهما أنَّ نتائج الانتخابات ليست في صالحه، وأنَّه لن يحقق من ورائها موقعًا متقدمًا في مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، وأخيرًا، إنْ استسلمت الأطراف الفلسطينية للضغوط الإسرائيلية والأمريكية، أو ارتهنت لنتائج الانتخاب الأمريكية. وهذه تعني في المحصلة النهائية ديمومة الانقسام، الذي سيضعف من قدرة الفلسطينيين على بناء نظام سياسي راسخ يحتكم إلى المبادئ الديمقراطية، كما ستقلل من قدرتهم على مواجهة التحديات الخارجية التي تستهدف المشروع الوطني برمته، وتجعلهم غير قادرين على تحقيق تطلعاتهم الوطنية في التحرر والاستقلال الوطني.

*عن المركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدّراساتالإستراتيجيّة (مسارات) .

الهوامش

[1] أعلن بيان الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في 3 أيلول/ سبتمبر 2020، عن تشكيل لجنة من شخصيات وطنية لتقديم رؤية استراتيجية لتحقيق إنهاء الانقسام والمصالحة والشراكة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية خلال مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع؛ وتشكيل لجنة وطنية موحدة لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة. للمزيد، راجع البيان الختامي لاجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية على الرابط التالي: https://wafa.ps/Pages/Details/8680.

[2] بيان صادر عن لقاء الشراكة بين فتح وحماس في إسطنبولhttp://www.embassyofpalestine.org.tr/News/Details/20558

[3] تصريح لرئيس وفد حركة فتح وفي حوارات إسطنبول حول آلية الانتخابات الفلسطينية:  bit.ly/33Ek3Ml

[4] وكان المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في دورته العادية ألـ 154 رفض مشروع قرار قدمته فلسطين يُدين اتفاق التطبيع بين دولة الإمارات وإسرائيل. وسبق أنْ رفضت السلطة الفلسطينية الاتفاق الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي، واستمرت في انتقاده ومهاجمة دولة الإمارات العربية المتحدة وقطع العلاقات معها وسحب السفير الفلسطيني لدى أبو ظبي، رغم ما أعلنته دولة الإمارات من أنَّ “الاتفاق يخدم القضية الفلسطينية، ويتكفل بوقف خطة الضمّ الإسرائيلية في الضفة الغربية وغور الأردن، وأنّه بقصد التوصل إلى سلامٍ عادلٍ وشامل، وفق مبدأ حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية”.    

[5] تشكّل أموال المقاصة التي تجبيها إسرائيل بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي نحو 60% من إجمالي مدخولات السلطة الفلسطينية الشهرية.

[6] معدلات الفقر في الضفة الغربية وقطاع غزّة https://www.24fm.ps/ar/news/1594302290.

[7] للمزيد حول معدلات البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزّة راجع http://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=3747.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى