ترجمات أجنبية

إيكونوميست: التقارب الديمغرافي بين العرب واليهود يخرج العامل السكاني من النزاع

إيكونوميست 18-8-2022م

زيادة معدلات الولادة بين اليهود الأرثوذكس أدت لتعويض الانخفاض في أماكن أخرى، وقالت خبيرة ديمغرافية إسرائيلية “لو كان لدى امرأة إسرائيلية أقل من ثلاثة أولاد تشعر أنها بحاجة إلى التوضيح أو الاعتذار”. لدى المرأة الإسرائيلية معدل ولادة 2.9 مقارنة مع المرأة البريطانية والفرنسية، بنسبة 1.6 و 1.8 على التوالي.

وتعتبر الديمغرافيا في “الأرض المقدسة” ذات بعد جيوسياسي واقتصادي. من بين سكان إسرائيل، الذين يبلغ عددهم 9.5 مليون نسمة، يمثل العرب ومعظمهم مسلمون 21% أما اليهود فنسبتهم 74% ولو أضفنا سكان الضفة الغربية وقطاع غزة فالغالبية اليهودية تنخفض للنصف. وهذا باختصار مأزق إسرائيل ثلاثي الأبعاد، فإسرائيل لن تتمكن من أن تكون بلدا غالبيته اليهود في كل المناطق التي احتلتها في 1967 وديمقراطية كاملة لا تميز ضد سكانها العرب.

ولهذا فالأرقام مهمة، إذ دقق القادة الإسرائيليون والفلسطينييون في معدلات الولادة. ووصف الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والذي هيمن على السياسة الفلسطينية لأكثر من 3 عقود “رحم المرأة العربية” بأنه “السلاح الأقوى”، وكانت التوقعات الديمغرافية هي أن يتفوق عدد العرب الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر المتوسط على اليهود في النهاية. وهو ما أثار قلق بنيامين نتنياهو قبل أن يصبح رئيسا للوزراء. ففي عام 2003 تحسر نتنياهو من أن معدلات الولادة بين العرب في إسرائيل قد تكون أعلى، بشكل يهدد يهودية إسرائيل وبعيدا عن التوجهات في الضفة الغربية وغزة. وفي ذلك الوقت، كانت هناك فجوة بالفعل.

ففي داخل إسرائيل نفسها، كانت المرأة العربية تنجب أطفالا أعلى من المعدل العام للمرأة اليهودية، لكن هذه الفجوة اختفت في العقود الماضية، إذ انخفضت معدلات الولادة بين العرب وزادت بين اليهود الإسرائيليين.ففي عام 1960 كان معدل الولادة للمرأة العربية في إسرائيل هو 9.3%، ولكن النسبة انخفضت في العقود التالية إلى 4.7 قبل أن تصل إلى 3.0% اليوم. وتراجعت معدلات الولادة للمرأة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة من 4.6% في عام 2003 إلى 3.8% عام 2019. واتبعت المرأة الفلسطينية والمرأة العربية في إسرائيل نفس المسار الذي سارت عليه المرأة في نادي دول التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث تراجعت معدلات الولادة من 3% عام 1970 إلى 1.6% وأقل من المعدل المطلوب وهو 2.1% المطلوب لمنع تقلص السكان. وعلى مستوى العالم يعتبر المسلمون الأكثر خصوبة من بين الجماعات الدينية، وذلك حسب استطلاع لمركز بو للأبحاث. لكن المعدل انخفض بشكل حاد من 4.3% عام 1995 إلى 2.9% عام 2015. وشهدت 7 دول إسلامية عربية – تعد الأكثر خصوبة من بين 12 دولة – تراجعا في معدلات الخصوبة ما بين السبعينيات من القرن الماضي والعشرية الأولى من القرن العشرين.

وفي إيران التي دعا قادتها المرأة لإنجاب المزيد من الأطفال، انخفضت معدلات الولادة من 7.0% عام 1984 إلى 1.7%. وهو ما يجعل معدلات الولادة في إسرائيل بين اليهود مفاجئا، ففي الفترة ما بين 1960- 1990 تراجعت معدلات الولادة من 3.4% إلى 2.6% مما اقترح أن اليهوديات متخلفات خطوة عن النساء في أماكن أخرى، إلا أن الموجة عادة وعدلت الميزان لتصبح في مستوى 3.1%.

الزيادة جاءت من اليهود الأرثوذكس “الحاريديم” الذين تبلغ نسبة الخصوبة بينهم 6.6% وهي أعلى من المستوى الوطني وثلاثة أضعاف اليهود العلمانيين.

ويقول الاقتصادي في جامعة تل أبيب دان بن ديفيد إن مشاركة الحاريديم في إسرائيل زادت في كل جيل. ورغم أنهم لا يشكلون إلا 13% من مجمل سكان إسرائيل إلإ أن أبناءهم يشكلون 19% من أطفال إسرائيل تحت سن الـ14 عاما و24% من الأطفال تحت سن الرابعة. وفي ظل التوجه الحالي ترى دائرة الإحصائيات أن نصف الإسرائيليين سيكونوا من الحاريديم بحلول 2065. وربما فرح الحاخامات والقوميون المتطرفون بهذا إلا أن زيادة الحارديم ستغير شكل إسرائيل وتهدد اقتصادها، كما يقول بن ديفيد.

ويرسل معظم اليهود الأروثوذكس أبناءهم للمدارس الدينية لدراسة التوراة بدلا من المدارس العادية لدراسة الرياضيات والعلوم الضرورية للوظائف في القطاع التكنولوجي. ولا يدخل إلى سوق العمل إلا القليل من الرجال الحاريدم، إذ يواصل معظمهم دراسة النصوص الدينية القديمة حتى سن البلوغ. وعادة ما تساعدهم زوجاتهم وتدعمهم الدولة.

وهناك عدة أسباب وراء زيادة عدد اليهود الأرثوذكس، ربما للتعويض عن الذين ماتوا في الهولوكوست أو الاعتقاد أن الإنجاب هو واجب ديني.

وقال يراش كوكر وله ستة أطفال: “لا أقوم بتحديد النسل” و”الكثير من الأشياء بيد الله وهذه واحدة منها”. وعادة ما تتزوج المرأة من الحاريديم وتنجب في سجن مبكرة مقارنة مع المرأة العلمانية.

وهناك سبب آخر يشير إلى أن المجتمعات اليهودية المتدينة عزلت نفسها عن المؤثرات الأخرى مثل التلفزيون والإنترنت، التي تسهم في التشجيع على تحديد النسل. لكن من الصعب شرح تزايد معدلات الولادة بين اليهود العلمانيين في إسرائيل الذين لديهم أطفال أكثر من المعدل العادي. فمعظمهم يعمل والأموال المدفوعة للآباء مقابل إجازات بعد الولادة ليست سخية، كما أن العناية الصحية ليست رخيصة مقارنة مع بقية الدول الغنية.

وهناك من يرى أن الإسرائيليين ينجبون لأنهم يحلمون بمستقبل وردي، فإسرائيل من بين 10 دول تعتبر الأكثر سعادة في العالم. وتساعد الدولة على الإنجاب وتدعم علاج الخصوبة. وتخصص 150 مليون دولار لتمويل عمليات الإنجاب عبر الأنابيب ولدى إسرائيل الصغيرة أجنة مجمدة مثل ما لدى الولايات المتحدة. وربما لن يكون لهذا أثر على معدلات الإنجاب لكنها تظهر حرصا من الدولة على زيادة معدلات الإنجاب. وهناك عامل آخر وهو أن الأجداد والجدات يقدمون دعما للأمهات بعد الولادة.

ويُبرز التقارب من حيث العدد بين اليهود والعرب أن الديمغرافيا لم تعد مهمة للإسرائيليين أو الفلسطينيين، لأن أيا من المجتمعين لن يكون قادرا على تجاوز الآخر في عدد السكان. ومن الأفضل لهم البحث عن طرق أخرى للتشارك في “الأرض المقدسة”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى