ترجمات أجنبية

إنسايد أرابيا – أليساندرو برونو – ضغوط هائلة .. العراق أمام اختبار التطبيع مع إسرائيل

إنسايد أرابيا – أليساندرو برونو – 21/10/2020

من المتوقع أن تنضم دول جديدة إلى موجة التطبيع مع (إسرائيل)، وسيتمثل الإنجاز الأكبر في تطبيع العلاقات بين (إسرائيل) والسعودية، لكن الإنجاز الأكبر من الناحية الجيوسياسية سيتمثل في اختراق دبلوماسي بين (إسرائيل) والعراق، بشكل قد يكسر النفوذ الإيراني.

حفز مؤيدو “اتفاقيات أبراهام” موجة من النشاط الدبلوماسي غير المسبوق في الشرق الأوسط، وكسروا الخط الأحمر المتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية كشرط للتطبيع مع (إسرائيل). وجاءت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين (إسرائيل) ودولتين خليجيتين – هما الإمارات والبحرين – نتيجة لعملية طويلة تكثفت في السنوات الأخيرة.

لكن الاتفاقيات ستعمل أيضًا كمحفز للخلاف الاجتماعي والسياسي في الدول العربية التي تعاني بالفعل من انقسامات عميقة؛ خاصة الدول المرتبطة بشكل وثيق بإيران والتي ظلت آخر معاقل الدعم للقضية الفلسطينية، إلى جانب تركيا في عهد الرئيس “رجب طيب أردوغان”.

إغراءات التطبيع

ترى بعض الدول التطبيع مع (إسرائيل) كدواء لعلاج المشاكل الاقتصادية طويلة الأمد، وبالتالي، كأداة لتخفيف الاضطرابات الاجتماعية المتزايدة. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الاعتراف الإقليمي الأوسع بـ(إسرائيل) يفتح فرص استراتيجية طويلة المدى.

وهكذا، يمكن “رشوة” العراق الذي يحتاج إلى استثمارات وأموال لتعويض الانخفاض الحاد في عائدات النفط في مقابل اتخاذ خطوات مماثلة للبحرين والإمارات، مما سيؤثر على مستقبل العلاقات الإيرانية العراقية.

وستصور واشنطن مثل هذه العمليةباعتبارها جزء من استراتيجية أكبر لاحتواء صعود الصين عبر المحيطين الهندي والهادئ.

جرت محاولات عديدة لتعزيز الروابط بين العراق و(إسرائيل) على مدى السنوات القليلة الماضية، ففي عام 2019، قامت 3 وفود عراقية (مكونة من 15 شخصية سياسية ودينية من الطائفتين السنية والشيعية) بزيارة إلى (إسرائيل) والتقوا بمسؤولين حكوميين وأكاديميين يهود، كما زارت الوفود العراقية النصب التذكاري للهولوكوست.

ويريد زعيم “حزب الأمة” العلماني في العراق، “مثال الألوسي”، وهو سني، أن يحذو العراق حذو الإمارات في إقامة علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل)، ولطالما جادل لصالح تطبيع العلاقات مع تل أبيب. ويعتقد أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد تم استغلاله من قبل عدة دول لمصالحها الخاصة وليس لصالح الشعب الفلسطيني.

ويؤكد “الألوسي” أن القادة العراقيين كانوا بالفعل على اتصال بالإسرائيليين، رغم أنهم ما زالوا حذرين من النفوذ الإيراني.

لا يعترف العراق بـ(إسرائيل)، ونتيجة لذلك، لا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين. كما شاركت بغدادفي حرب 1948، ومنذ ذلك الحين والدولتان في حالة حرب من الناحية العلمية.

شاركت القوات العراقية في المعارك ضد (إسرائيل) عامي 1967 و 1973، وأثناء حرب الخليج (1990-1991) أطلق العراق بضع عشرات من صواريخ سكود الباليستية ضد (إسرائيل).

كسر النفوذ الإيراني

من الواضح في الوقت الحالي، أن تطبيع العلاقات الإسرائيلية العراقية سيكون له فائدة مباشرة كبيرة لصالح الولايات المتحدة.

أعلن البنتاجون أنه بدأ في خفض عدد القوات في بغداد من 5200 إلى 3000، وقد يبدو الأمر وكأنه تكتيك لكسب الأصوات في أجندة “ترامب” الانتخابية، حيث وعد الرئيس بوقف “الحروب التي لا نهاية لها” في العراق، لكن له معانٍ ضمنية أعمق بكثير.

فعلى المستوى الجيوسياسي، يمكن للولايات المتحدة استخدام احتمالية التطبيع مع (إسرائيل) لمغادرة المنطقة، وتقليل مشاركتها العسكرية مع استمرار سعيها نحو هدفها الاستراتيجي المتمثل في كسر النفوذ الإيراني – وبدرجة أقل النفوذ التركي – في المنطقة، وستكون أداة التطبيع هذه أشد فتكًا في العراق ولبنان.

قد يُفهم التطبيع على أنه “نهاية التاريخ”، إذا استخدمنا كلمات “فرانسيس فوكوياما”. ففي نهاية المطاف، لم تكن الأسلحة الأمريكية هي التي كسرت “الستار الحديدي” والاتحاد السوفيتي، وإنما فعلت ذلك عملية تطبيع “جلاسنوست وبيريسترويكا”.

وهكذا، ربما سيتكرر هذا النمط، ويتوج باضطرابات سياسية في إيران.

بالطبع، اعترف “فوكوياما” نفسه بأن تحليله لنتائج الحرب الباردة ربما كان مفرط في التفاؤل، كما إن الوضع معقد بشكل خاص بالنسبة للعراق.

فبعد 4 أشهر من توليه منصبه، يواجه رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” ضغوطًا سياسية كبيرة، حيث يتعين عليه إدارة أزمات داخلية متعددة، تنضم إليها الآن علاقات خارجية أكثر حساسية  مع إغراء إضافي للحصول على دعم اقتصادي مقابل خيانة الفلسطينيين.

العراق وتكالب الأزمات

يتعين على “الكاظمي” في فترة ولايته التي تنتهي في يونيو/حزيران 2021 (موعد إجراء الانتخابات المقبلة) أن يواجه أزمة “كوفيد -19” التي طال أمدها وسط وضع اقتصادي مزري، يتسم بنقص السيولة وانهيار سوق النفط الخام.

كما أن هناك معارضة شعبية متزايدة بسبب ارتفاع معدلات البطالة (تقدر بطالة الشباب بنسبة 36%) وعنف قوات الأمن العراقية تجاه الاحتجاجات الشعبية.

وتواجه البلاد واحدة من أسوأ الأزمات المالية منذ عام 2003 (عندما غزتها الولايات المتحدة ودمرت الكثير من بنيتها التحتية) وقدر صندوق النقد الدولي أن اقتصاد العراق سينكمش بنحو 5% في عام 2020.

وفي ظل هيكل اقتصادي يستمد أكثر من 92% من دخله السنوي من صادرات النفط، يجد العراق نفسه بدون موارد مالية لتعويض انخفاض أسعار النفط وانخفاض الطلب (ناهيك عن حقيقة أن بغداد وافقت على خفض إنتاج النفط في العراق في سياق أوبك).

وهكذا، يؤدي الجمع بين الهشاشة الصحية والاقتصادية إلى تفاقم الاستياء ويؤجج الاضطرابات الاجتماعية في البلاد. وتقول الأمم المتحدة إن الفقر قد تفاقم في عام 2020 مقارنة بعام 2019، بحيث أصبح ثلث سكان العراق يعيشون الآن تحت عتبة الفقر.

وتبدو آفاق العراق أسوأ مما كانت عليه قبل عام، عندما اندلعت الاحتجاجات الضخمة المناهضة للحكومة في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث اشتكى الشباب من البطالة والفساد المستشري، مطالبين بتغييرات سياسية جذرية.

وكان أحد المطالب الرئيسية هو إنهاء التدخل الأجنبي (ليس الأمريكي فقط ولكن الإيراني أيضًا). وقمعت الحكومة ومختلف المليشيات التابعة لها المظاهرات مما أدى إلى مقتل أكثر من 500 شخص. ولم تتغير الظروف بعد مرور عام. وإذا كانت الاحتجاجات قد تضاءلت، فذلك يرجع إلى القيود والمخاوف المتعلقة بالوباء وليس بسبب تلبية أي من مطالب المتظاهرين.

كما أن مهمة “الكاظمي” المعلنة المتمثلة في الحفاظ على سيادة العراق – من خلال تعزيز سيادة القانون ومنع الآخرين من استخدام البلاد كميدان للحروب بالوكالة – تستند إلى أسس ضعيفة، بالنظر إلى الإطار الإقليمي.

وفي ظل الظروف الحالية، يبدو من غير الواقعي توقع أي إصلاحات اقتصادية أو سياسية أو أمنية مهمة.

يفتقر “الكاظمي” إلى القاعدة السياسية والأدوات والوقت (إن لم يكن القدرة) لمعالجة الأزمات المتعددة التي يواجهها العراق وتنفيذ التغييرات الهيكلية، ناهيك عن تطبيع العلاقات مع (إسرائيل). ومع ذلك، فإن الظروف المواتية كافية لكي تدرس حكومته القضية بجدية، حتى لو كان خلفاؤه هم من سيأخذون المغامرة.

علاوة على ذلك، أشار “الكاظمي” إلى اهتمامه باستكشاف تحالفات براجماتية جديدة على الصعيدين الدولي (مع الولايات المتحدة ووأوروبا) والإقليمي، مع تجنب أي توترات مع إيران. ومن المفترض أن تركز الاستراتيجية على تحقيق توازن أفضل في البلاد وسط التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تفاقمت في بداية عام 2020 باغتيال الجنرال “قاسم سليماني”.

ضغوط واشنطن

بما أن واشنطن وبغداد انخرطتا في سلسلة من المحادثات الثنائية (في يونيو/حزيران وأغسطس/آب) للبحث عن حلول لدعم الاستقرار، فلن يغفل “الكاظمي” أنه في الوقت نفسه وقعت دولتان عربيتان اتفاقية دبلوماسية مع (إسرائيل).

وبالرغم أن السعودية لم تطبيع رسميا العلاقات مع (إسرائيل)، فقد بدا واضحا أن موسم العداء الصريح قد انتهى. وعلى المدى الطويل، سيكون هناك ضغط اجتماعي واقتصادي وجيوسياسي متزايد بالنسبة لدول مثل العراق للبحث عن “تسوية”. حتى إيران نفسها تواجه ضغوطًا داخلية متزايدة لتغيير سياستها الإقليمية لصالح حلول عملية للصعوبات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة.

لقد دخل الشرق الأوسط في مرحلة التحول، وقادت الولايات المتحدة تدمير الحكومات القومية العربية (البعثية في حالة سوريا والعراق، والناصرية في حالة ليبيا ومصر) والتي حشدت وقادت الجبهة المناهضة لـ(إسرائيل) في الوقت الذي دعمت فيه القضية الفلسطينية.

والآن، يمكن للجبهة المناهضة لـ(إسرائيل) أن تعتمد فقط على الفلسطينيين أنفسهم (رغم أنهم ما زالوا منقسمين)، وعلى الحكومات والحركات التي ترزح تحت ضغط العقوبات والمقاطعات، مثل الحكومة الإيرانية (وليس الشعب بالضرورة)، و”حزب الله” في لبنان (وهو نفسه تحت ضغط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل)، بالإضافة إلى قطر وتركيا.

عقبة السخط الشعبي

ومع ذلك، ستصطدم الخطط البراجماتية بالاعتراضات الأيديولوجية والشعبية. وقدأثار قرار الرئيس “ترامب” بالأمر بقتل اللواء الإيراني “قاسم سليماني” بالقرب من مطار بغداد الدولي في يناير/كانون الثاني عاصفة غضب في العراق.

وفي ذلك الوقت، دعا العديد من المشرعين العراقيين إلى طرد القوات الأمريكية، وشنت الميليشيات المدعومة من إيران حملة هجوم بالصواريخ والقنابل على نطاق صغير ضد السفارة الأمريكية والقواعد العسكرية العراقية التي تضم قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، لا يزال هناك جزء كبير من الرأي العام العراقي يشعر بالإهانة من القادة الأمريكيين، ويواصل العديد من العراقيين القول بأن الفوضى والفساد المالي وعدم الاستقرار في العراق هي نتيجة مباشرة للغزو والاحتلال الأمريكي.

وقبل أي تطبيع مع (إسرائيل) – وهو ما ستشجعه واشنطن بشكل واضح – سيرغب العديد من العراقيين في أن تدفع الولايات المتحدة تريليونات الدولارات كتعويض. ولكن، قد تربط الولايات المتحدة انسحاب قواتها من العراق (ومن الشرق الأوسط) بتطبيع العلاقات العراقية الإسرائيلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى