إندبندنت: بين التساهل والتحدي: بريطانيا تتعثر أمام نفوذ الصين

إندبندنت 14-10-2025، مايكل شيريدان: بين التساهل والتحدي: بريطانيا تتعثر أمام نفوذ الصين

هل الصين عدو؟ إن احتكمنا إلى مستوى الكفاءة الذي كشفته قضية التجسس في وستمنستر، فلا أحد مؤهل بما يكفي ليقرر ذلك.
أصر السير كير ستارمر بأن حكومة المحافظين السابقة هي الملامة على انهيار قضية بارزة ضد رجلين متهمين بالتجسس لمصلحة الصين. فقد أسقطت الشهر الماضي الدعوى ضد كريستوفر كاش، الباحث السابق في البرلمان الذي عمل بصورة وثيقة مع النواب، وكريستوفر بيري- اللذين اتهما بتسريب أسرار إلى بكين ونفيا التهم الموجهة إليهما.
وقال المدعي العام ستيفن باركنسون إن النيابة العامة حاولت “على مدى أشهر طويلة” الحصول على الأدلة التي تحتاج إليها من الحكومة، والمتعلقة باعتبار الصين تهديداً للأمن القومي، كي تمضي قدماً في الملاحقة القضائية، إلا أن حكومة العمال لم تستجب.
وتثير هذه الأحداث تساؤلاً جوهرياً: إلى أي مدى ستذهب بريطانيا في التشدد أو التساهل مع بكين؟ ففي الشهر الماضي، وصف السير ريتشارد مور، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية “أم آي 6″، الصين بأنها تحد [أمني] مستمر، ووضعها في مرتبة واحدة مع روسيا وإيران. وحمل بكين مسؤولية مساعدة فلاديمير بوتين في شن الحرب على أوكرانيا.
ما حجم التهديد الأمني الذي تفرضه الصين على لندن؟
وقال في خطاب علني نادر “إن الدعم المتواصل الذي أولته الصين لروسيا، سواء على الصعيد الدبلوماسي أو على صعيد تزويدها بـ”السلع ذات الاستخدام المزدوج” – أي المواد الكيماوية “المصنوعة في الصين” التي تدخل في صناعة قذائفهم والمكونات الإلكترونية التي تدخل في صناعة صواريخهم – هو ما حال دون إدراك بوتين بأن السلام هو الخيار الأمثل له”.
ومع ذلك فنحن نعلم أيضاً بأن الرئيس شي جينبينغ اتصل ببوتين محذراً إياه من استخدام سلاح نووي تكتيكي في أوكرانيا، وفقاً لكتاب الصحافي الأميركي بوب وودوارد، وهو زعم لم ينفه أحد. وقد أقر مور بأن الصين “تقف على خط رفيع بين كونها فرصة وتهديداً” باعتبارها قوة عظمى تملك مقعداً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. أما رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية “أم آي 5” MI5، كين مكالوم، فكان أشد حذراً في كلامه. وقد قال العام الماضي “إن الصين مختلفة. فالعلاقة الاقتصادية بين البلدين تعزز نمو المملكة المتحدة، مما يشكل ركيزة أمننا”.
كذلك اختلفت نبرة مكالوم عن عام 2022، حين اعتلى المنبر برفقة رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي آنذاك، كريس راي، ليطلق ناقوس الخطر في شأن “عدوان الحزب الشيوعي الصيني”. فقد تحدث مكالوم عندها عن السرقة السرية ونقل التكنولوجيا من الشركات البريطانية واستغلال الأبحاث الأكاديمية وجمع المعلومات من مختلف شرائح المجتمع.
وكشف عن أن 50 طالباً لديهم ارتباطات بالجيش الصيني قد غادروا بريطانيا بعد تشديد الحكومة إجراءاتها. كذلك أفصح أن جهاز الاستخبارات الداخلية “أصدر تحذيراً في المملكة المتحدة في شأن شخص يعمل في مراكز أبحاث وفي الأوساط الأكاديمية بالتجسس، وكان هذا الفرد على تواصل دائم مع ضباط في الاستخبارات الصينية”.
وفي ما يتعلق بالحرب السيبرانية قال “تعرضت مجموعة واسعة من الأهداف الحكومية والتجارية إلى هجوم من ثلاث مجموعات تعتبر ‘تهديداً متقدماً متواصلاً’، وقد ربطتها الحكومة البريطانية بوزارة أمن الدولة الصينية”. والعام الماضي، رددت رئيسة مقر الاتصالات الحكومية، آن كيست-بتلر، قولها إن “الدولة الصينية” تشكل تهديداً سيبرانياً.
فما الذي تغير إذاً؟
تواجه حكومة ستارمر تضخماً اقتصادياً وموازنة متشددة وديوناً متزايدة وزيادة في الإنفاق الدفاعي ومشهداً سياسياً مفعماً بالسلبية، وهي عوامل تفاقمت بسبب ثلاثة أعوام من القتال على الجبهة الأوكرانية، وفوضى العهد الرئاسي الأميركي، وخطر اتساع رقعة الحروب في الشرق الأوسط وآسيا.
ويبدو أن مستشار الأمن القومي جوناثان باول قد أصبح المؤثر الرئيس في سياسة الانتظام مع الصين لحماية المصالح البريطانية وموازنة تحالفها مع روسيا وإقناع شي بعدم تحويل “محور المستبدين” إلى هجوم مشترك على النظام العالمي.
في رأيي، أن اللغة الجديدة المستخدمة في مواضيع الجواسيس إشارة إلى اتخاذ نهج أكثر ليونة بسبب تعاظم الأخطار. وهذا مصدر التردد في شأن “السفارة الصينية الضخمة” الجديدة في لندن والرفض المثير للسخرية لنشر تقرير مراجعة السياسة الصينية كاملاً — الذي يعتقد أنه وصل بالفعل إلى أيدي بكين — إضافة إلى الفشل القانوني الأخير الذي يمكن، لحسن الحظ، تحميل جزء من مسؤوليته للحكومة السابقة.
شهد تاريخ الدبلوماسي البريطاني سابقة من هذا النوع بين عامي 1939 و1941، حين تملقت وزارة الخارجية البريطانية إيطاليا واليابان بصورة مخزية مدفوعة بأمل عقيم إنما غير معيب بمنعهما من المشاركة في الحرب العالمية الثانية.
ويعتبر النقاد أن ذلك يصل حد انتهاج سياسة تجنب غير مشرفة، فيما يتساءل الدبلوماسيون “وماذا عساكم تفعلون بدلاً من ذلك؟”.
أما باول، المتخصص في التفاوض مع الخصوم — الذي سيظهر أمام البرلمان للمرة الأولى وسط تساؤلات عن دوره في انهيار المحاكمة — فقد تعامل من قبل مع مسؤولين صينيين خلف الأبواب المغلقة.
لكن أي شخص يتوهم أن العلاقات “الودية” مع الصين تمنحه موقعاً مميزاً، عليه أن يتأنى ويصغي إلى النصيحة الرسمية التي قدمها جهاز الاستخبارات الداخلية “أم آي 5” وأشار إليها مكالوم في خطاب عام 2022 “إن دافع أجهزة الاستخبارات الصينية لعقد علاقات مع الغربيين يتمثل في بناء ’صداقات‘ في المقام الأول: وبمجرد تكوين هذه ’الصداقة‘، سيستغلون هذه العلاقة بغية الحصول على معلومات غير متاحة للصين عبر القنوات القانونية أو التجارية، ومن أجل تعزيز مصالح الصين”.
ومما قاله أيضاً “وغالباً ما تتطور العلاقة مع الشخص المستهدف ببطء [فهم] شديد والصبر… والغاية من هذه الأساليب هي خلق شعور بالالتزام لدى الهدف، الذي سيجد صعوبة في نهاية المطاف في رفض تلبية الطلبات أو الخدمات التي ستطلب منه لاحقاً”.
إن الضعف لا يجدي نفعاً مع شي جينبينغ. فهو زعيم يجل القوة. وبما أنه لا يواجه أي قيود قانونية في الداخل، فلا ريب أنه سيستخدم كل الوسائل الممكنة لتحقيق أهداف نظامه، بصفته شيوعياً متمرساً. وتقع على عاتق الديمقراطيات مهمة استخدام القوانين المتاحة بحزم، وممارسة مكافحة تجسس فعالة بعزيمة سياسية قوية. حتى الآن، لم تجتز بريطانيا هذا الاختبار.
مايكل شيريدان، مراسل أجنبي مخضرم ومحرر الشؤون الدبلوماسية في “اندبندنت”، هو مؤلف كتاب “الإمبراطور الأحمر: شي جينبينغ والصين الجديدة في عهده”.