ترجمات أجنبية

إندبندنت – انهيار المباحثات الإيرانية بتوقيع روسي- أميركي مشترك

إندبندنت ١٢-٣-٢٠٢٢م – بقلم كاميليا انتخابي فرد  *

أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن الحاجة لوقف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني في فيينا، بسبب “عوامل خارجية”.

وكتب بوريل تغريدة على “تويتر” قال فيها، “أصبح النص النهائي (المتعلق بإحياء الاتفاق النووي) جاهزاً إجمالاً ومطروحاً على طاولة المفاوضات. بصفتي منسقاً، سأستمر وفريقي في التواصل مع جميع المشاركين في خطة العمل المشتركة الشاملة، كما الولايات المتحدة، في سبيل التغلب على الوضع الحالي وإبرام الاتفاق”.

وضعت هذه الكلمات المبهمة الشعب الإيراني ومراقبين آخرين في العالم في حيرة من أمرهم: فما سبب توقف المحادثات، وهل وصلت كل القضايا التي أثيرت خلال عام تقريباً من المحادثات غير المباشرة بين الإيرانيين والأميركيين إلى حل بالفعل، ما قصده بالتحديد من عبارة “النص النهائي” الذي “أصبح جاهزاً ومطروحاً على الطاولة، هل توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق بشأن رفع العقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإيراني، وماذا عن تلك المفروضة على آية الله خامنئي ومكتبه، أم قبلت إيران بالشروط التي طرحها الاتحاد الأوروبي وتجاوزت الخطوط الحمراء التي حددتها بنفسها؟

قبل أسبوعين تقريباً فقط، وقبل أن تشن روسيا هجومها العسكري على أوكرانيا، لم تصدر أي أنباء عن التوصل لاتفاق جزئي حتى في شأن القضايا المذكورة أعلاه. كانت الجمهورية الإسلامية قد أعلنت على الملأ أنها لن تتجاوز الخطوط الحمراء التي حددتها، وطالبت برفع كل العقوبات وبالتزام الولايات المتحدة باستكمال الاتفاق في ظل الحكومات المستقبلية باعتباره شرطاً لإعادة إحياء الاتفاق الإيراني.

سوف نكون من السذاجة بمكان لو صدقنا أن “العوامل الخارجية” (التي تخمن الأغلبية بأنها مرتبطة بروسيا) هي السبب الرئيس لهذا التوقف في المفاوضات أو تعطيل محاولات إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.

مع تكثيف المحاولات الغربية لزيادة الضغط على روسيا، وفيما يلوح كذلك خطر حدوث مواجهة عسكرية مع الروس، يبذل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كل ما في وسعهما لتحميل روسيا مسؤولية كافة الصراعات الدولية.

شاب الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الكثير من العيوب. ولا أقول هذا بصفتي معارضة “للجمهورية الإسلامية”، ولا بصفتي متشددة في الغرب، إنما بصفتي خبيرة في الشؤون الجيوسياسية الإقليمية والعلاقات الدولية.

خلال الأشهر الأخيرة لولايته الثانية، حاول الرئيس أوباما إبرام هذه الاتفاق، وقد فعل ذلك حقاً على الرغم من انتقادات عديدة سابقة لسياسات الجمهورية الإسلامية في المنطقة ولأوضاع حقوق الإنسان داخل إيران.

لم تحبذ دول المنطقة ولا إسرائيل هذه الاتفاق. ولم يلبِ الاتفاق أياً من حاجات الشعب الإيراني.

حصل الاتفاق، ولكن دول الغرب لم تبدِ أي رغبة بالوجود في السوق الإيرانية. إذ من موقعها كديكتاتورية تستند إلى نظام أمني، لا تُعتبر إيران سوقاً موثوقة ومستقرة.

في أعقاب إبرام الاتفاق النووي الإيراني، لم تتحسن علاقات إيران مع الدول المجاورة. ولم تتقلص تدخلات إيران الإقليمية ولا التوترات التي تخلقها الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.

في عام 2013، عند انطلاق جولة جديدة من المحادثات النووية، طرحت إيران شرطاً أولياً لدخول المفاوضات: الالتزام بمسألة البرنامج النووي وعدم تخطي حدود هذا الموضوع.

شرع التفاؤل بشأن نتيجة المحادثات واحتمال تغيير السلوك الإيراني الأبواب أمام إبرام خطة العمل الشاملة المشتركة في عام2015 . وتم الاتفاق أخيراً.

ثم انسحب الرئيس الأميركي التالي، دونالد ترمب، من الاتفاق في عام 2018. علينا أن نطرح سؤالاً بسيطاً هنا: خلال الفترة التي مرت على الاتفاق عندها، وهي تتعدى السنتين، هل احترمت الدول الغربية وعودها بدعم استثمارات الدول الأجنبية في إيران، واستحداث المزيد من فرص العمل في البلاد؟

وهل تغير سلوك إيران في المنطقة، هل توقفت عن دعم ميليشيات الحوثيين في اليمن أو “حزب الله” في لبنان، ما الذي حدث بالنسبة لعلاقة إيران بالسعودية أو الإمارات أو البحرين؟

في ظل وجود النظام الحالي، وإن أخذنا بعين الاعتبار المقاربة السياسية والأمنية في إيران، إلى أي مدى يمكننا التصديق، منطقياً وعملياً، بأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أرادا فعلياً إعادة إحياء الاتفاق السابق؟ 

خلق البرنامج النووي الإيراني بعض الهواجس الحقيقية. لو صدقنا التقارير الصادرة عن المؤسستين الأمنية والعسكرية في الولايات المتحدة، لا يفصل إيران عن صناعة القنبلة النووية سوى بضعة أسابيع فقط. وإن كان هذا القلق موجوداً في الغرب، فهو موجود كذلك في الأوساط الصينية والروسية. إذ إن روسيا، حليفة “الجمهورية الإسلامية” التي يقدمها لنا الآن الاتحاد الأوروبي، كما الولايات المتحدة، باعتبارها العامل غير المباشر الذي أدى إلى انهيار المحادثات في فيينا، هي نفسها من بين المعارضين لتسليح إيران بالقنبلة النووية.

ما يقف وراء الهجوم الروسي على أوكرانيا هو خوف روسيا من حصول كييف على سلاح نووي (بما أنها تمتلك المعرفة لإنتاج الأسلحة النووية من جهة، والمفاعلات النووية الضرورية من جهة أخرى) كما انضمامها للاتحاد الأوروبي، مما يعني وجود دولة نووية على مقربة من الحدود الروسية.

من السذاجة اعتبار أن روسيا تقف وراء انهيار المحادثات مع الغرب، لا لشيء سوى أنها طلبت ضمانة بإعفائها من العقوبات مقابل توقيع الاتفاق.

دأبت موسكو على التصويت لصالح القرارات التي تدين إيران في مجلس الأمن التابع للأمن المتحدة. ولن تألو جهداً لمنع إيران من التحول إلى قوة نووية.

يجب النظر إلى المطلب الذي قدمته روسيا إلى الولايات المتحدة والغرب، بأن تُعفى اتفاقاتها التجارية والتقنية مع إيران من العقوبات، كما يُنظر إلى مخاوف الغرب الكثيرة بشأن عودة خطة العمل الشاملة المشتركة. وفرت روسيا للغرب الآن مخرجاً سهلاً من الطريق المسدود الذي وصل إليه في المحادثات النووية: يمكنه لوم موسكو.

علينا أن نتذكر بأن حظر السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران انتهى في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وسوف يدخل البند الموقوت حيز التنفيذ بحلول عام 2025. هذه مصادر قلق حقيقية بالنسبة للولايات المتحدة. 

في 11 يناير (كانون الثاني) 2022، وجه 110 أعضاء في الكونغرس رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. طلبوا فيها من إدارة بايدن أن تنسحب من محادثات فيينا. حصل ذلك قبل أقل من شهرين. طالبت الرسالة بوضوح بالتوصل إلى اتفاق من دون بنود تحديد مدة بعدها تستطيع استئناف التخصيب sunset clause [بند ينص على فترة سنة قبل استئناف التخصيب وتخزين اليورانيوم]. كما طلبت من الولايات المتحدة وشركائها أن تزيد الضغط على إيران، بحيث تدفعها لإيقاف أي تقدم في برنامجها النووي. وطلبت استخدام العقوبات التي ستؤدي إلى مفاوضات تنتهي بإبرام اتفاق أفضل وأكثر تشدداً لا يتضمن أي بند “موقوت”. 

وفر الهجوم الروسي على أوكرانيا، كما الصدام بين الولايات المتحدة والغرب من جهة ومطالبات روسيا الجديدة في إطار المحادثات الإيرانية من جهة ثانية، فرصة للجانب الغربي لكي يزعم أنه لا يمكن استمرار المحادثات. 

في ظل الظروف الحالية، لن يتسنى لإيران تحميل الغرب مسؤولية تعطيل المحادثات. فالوضع الراهن يميل لصالح الغرب والولايات المتحدة، وحتى روسيا والصين.

ليس من الواضح إلى متى قد تستمر الأزمة الأوكرانية، ولكن الارتفاع الحالي في أسعار النفط سيلبي بعض احتياجات النظام الإيراني الراهنة ومشاكله المالية.

إنما في المقابل، قد يؤدي تعطيل المحادثات النووية إلى تصعيد التوتر والخطوات الإيرانية الاستفزازية في المنطقة. وقد يكون الاستيلاء على السفن والتوتر في الخليج الفارسي ومضيق هرمز، وارتفاع وتيرة الهجمات الصاروخية وهجمات المسيرات التي يشنها الحوثيون على بلدان المنطقة جزءاً من الاستراتيجيات اللاحقة “للجمهورية الإسلامية” والحرس الثوري، لإبداء غضبهما من فشل الاتفاق الإيراني.

وفي هذا السياق، سوف ينظم الأوروبيون جولة جديدة من المباحثات مع إيران، لن تحتاج لمشاركة روسيا. وسيهتمون بالحد الأدنى من مطالب إيران والغرب. 

خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، سوف ترفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً جديداً حول الأسئلة التي أثيرت بعد ملاحظة مواد مشعة في ثلاث مناطق غير مصرح عنها. بعد الحصول على الإجابات من إيران، سوف يُرسل التقرير كاملاً إلى مجلس المحافظين  [في وكالة الطاقة النووية الدولية]. يمكننا، بعد ذلك، توقع انطلاق محادثات جديدة. ولن تتضمن هذه المحادثات، أي بند “موقوت” ولا إبطالاً لحظر توريد السلاح، ولكنها ستتضمن إعفاءات مصرفية ومالية، وتضع حداً لمقاطعة النفط الإيراني. وفي المقابل، سيكون البرنامج النووي الإيراني محدوداً وخاضعاً لإشرافالوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل.  

ببسيط العبارة، يمكننا القول، إن الهجوم الروسي على أوكرانيا فتح المجال لإغلاق الباب نهائياً على خطة العمل الشاملة المشتركة.

* رئيس تحرير اندبندنت فارسية

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى