ترجمات أجنبية

إندبندنت – الحرب في أوكرانيا أثرت في مسار السياسة البريطانية

إندبندنت ٢-٣-٢٠٢٢م – بقلم جون رينتول

أحدث الغزو الروسي لأوكرانيا سلفاً آثاراً غير متوقعة في السياسة البريطانية . فهو قد وضع حداً في الوقت الحالي، لكل حديث عن تغيير حزب المحافظين لزعيمه. ليس هناك من يتوقع الآن أن يتسبب أعضاء البرلمان المحافظين بإجراء تصويت على الثقة في بوريس جونسون، حتى ولو قالت الشرطة إنها تعتقد أنه قد انتهك فعلاً القانون المتعلق بالتجمعات أثناء الاغلاق.

إن خرق القانون الذي قام المرء بإقراره، وقدم الملايين تضحيات من أجل الامتثال له، ليس بالأمر التافه [الثانوي]. لكن قد يبدو أن التفكير في تغيير رئيس وزرائنا بسبب “حفلات في المكتب” تافه [لا يعتد به]، فيما تحتدم الحرب في أوروبا. لن تندثر القضية نهائياً، لأن مواقف كثير من الناخبين قوية حيالها [شاجبة]، غير أن هذا ليس وقتها المناسب.

لقد أدهشتني بشدة تعليقات أعضاء في مجموعة نقاش من الناخبين الذين لم يقرروا بعد كيف سيصوتون كان قد جمعهم هذا الأسبوع جيمس جونسون، وهو خبير استطلاعات الرأي السابق في فريق تيرزا ماي من أجل برنامج “مات تشورلي تايمز راديو شو”. لم يعد معظمهم راغباً ببقاء رئيس الوزراء [في منصبه]، وشعروا بالغضب حين جرى تذكيرهم بالدفاع الذي كان قد قدمه حول التجمعات خلال فترة الإغلاق، ومفاده أنها كانت    “اجتماعات عمل”. وربما لا يقل أهمية، أن عديداً منهم كانوا يميلون إلى  كير ستارمر أكثر مما كان مألوفاً من أعضاء المجموعات التمثيلية حتى الآن، وذلك بفضل تعليقات زعيم حزب العمال على أوكرانيا.

وحذر جيمس جونسون من أن هذه المجموعة قد لاتكون نموذجية [عينة ممثلة]، لا سيما أنه تم جمعها مباشرة في أعقاب الكلمة التي وجهها ستارمر عبر التلفزيون، ومن خلفه اثنان من أعلام المملكة المتحدة، لشجب الغزو والدعوة إلى فرض عقوبات أشد صرامة ضد الرئيس بوتين. ليس من المعتاد أن يتذكر أعضاء مجموعة عينات تمثيلية كهذه أي شيء قاله زعيم المعارضة، وربما يكونون قد نسوه بالكامل في غضون أسبوع، لكن من جهة ثانية، يمكن أن يكون هذا دليلاً على حدوث تحول في الرأي العام أكثر عمقاً.

[ويعود هذا التحول إلى أسباب] ليس أقلها حصول تأثيرآخر جراء الغزو يتمثل في إضعاف الجناح الذي سيطر على حزب العمال قبل مجرد عامين.  فقد قام جميع البرلمانيين العماليين، وهم  11 نائباً و 3  لوردات، بشطب أسمائهم من على بيان لـ “تحالف أوقفوا الحرب”، يحاول أن يلقي باللوم على حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وعلى حكومة المملكة المتحدة  بسبب الأزمة، كانوا قد وقعوه. وجاء ذلك بناء على طلب من جيمس كامبل، كبير مسؤولي الانضباط الحزبي في البرلمان [عضو حكومة الظل].

مرة أخرى، قد يبدو هذا تافهاً في وقت يسقط الناس في أوكرانيا. لكن و بسبب سفك الدماء على وجه التحديد، فإن الاختلافات التي كان من الممكن تحملها في السابق بين الفصائل، من خلال الاستعانة بفكرة مفادها أن حزب العمال طائفة عريضة قادرة على استيعاب أطياف سياسية مختلفة، باتت حالياً غير محتملة.

إن جيريمي كوربين، وهو من مؤسسي “تحالف أوقفوا الحرب”،  وعضو في حزب العمال، لكنه لاينتمي إلى كتلته البرلمانية، متمسك بموقفه ويرفض أن يشطب اسمه من على البيان. وليس هناك الآن أمل بأن يترشح باسم حزب العمال في الانتخابات المقبلة. وهذا يوسع الفجوة بين حزب العمال بزعامة كوربين وبينه في ظل الإدارة الراهنة. وقد ألغى ستارمر هذا الأسبوع المؤتمر السنوي لجناح الشباب في الحزب، واسمه “العمال الشاب”، فقطع عنه التمويل، كما  فرض سيطرته على حساب هذا الجناح على منصة “توتير” بعدما نُشرت فيه تغريدة تنتقد “عدوان” “الناتو”.

ستلاحق ستارمر على الدوام “مشكلة كينوك”، بمعنى أنه كان مرة في حكومة الظل التي ترأسها كوربين، وقد دعا الناخبين حينها إلى جعل الأخير رئيساً للوزراء. وبالفعل كان كوربين قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح رئيساً للوزراء بالصدفة في عام 2017. ويعصى على الاحتمال مجرد التفكير في كيفية رده على غزو بوتين لو أنه كان الآن يشغل منصب بوريس جونسون. وتماماً، كما كافح نيل كينوك لإقناع الناخبين بأنه جدير بالثقة بما يتعلق بقضايا الدفاع، بعدما كان قد أيد سابقاً  الموقف القائل يجب أن تتخلى بريطانيا عما لديها من أسلحة نووية، فإن على ستارمر أن يعمل جاداً من أجل شرح أنه لم يكن حقاً يريد تحقيق ذلك السيناريو الكارثي.

لكن إذا كانت مجموعة هذا الأسبوع من مجموعات النقاش تدل على أن ستارمر أخذ يؤثر [أصبح وازناً] ويحقق اختراقات كزعيم قوي بما يتصل بالأمن القومي، سيتعين على حزب المحافظين أن يعود إلى السؤال الذي تم إرجاؤه بسبب الحرب. ففي مرحلة ما، سيكون لزاماً على النواب المحافظين أن يقرروا من يريدونه أن يقودهم إلى الانتخابات المقبلة: جونسون أم ريشي سوناك؟

غيرت الحرب أيضاً الجدول الزمني، كما عززت خصمهم. وقد زادت أيضاً من تعقيد موقف سوناك، كما أشار أمس [المعلق والمحلل] أندرو غرايس، وذلك لأنه إذا ارتفعت أسعار الطاقة إلى مستويات أعلى، وهو أمر يبدو نتيجة مؤكدة [للغزو]، فإن المالية العامة ستتعرض إلى مزيد من الضغط. ومن المرجح أن الأحداث ستطغى على الإجراءات التي سبق أن أعلنها وزير المالية البريطانية في محاولة منه لتخفيف وطأة الصدمة التي سببها ارتفاع فواتير الطاقة الأعلى.

إلا أنني جادلت، بعدما قرأت “محاضرة مايس” لسوناك، التي خطف عنها الضوء اندلاع الحرب يوم الخميس، بأن وزير المالية هو البديل الجدي الوحيد لذاك الذي لايزال على رأس عمله. والسؤال الذي سيبقى مطروحاً على الأرجح بالنسبة إلى نواب حزب المحافظين بعد الحرب، هو ما إذا كان بوسع جونسون على الإطلاق استعادة قدرته على كسب الأصوات.

ربما كان يتوجب عليهم أن يحذو حذو جونسون، فيكتب كل منهم مقالتين، واحدة حول السبب الذي يدعو إلى أن يقودهم جونسون إلى الانتخابات المقبلة، وأخرى عن السبب الذي يجعل سوناك رهاناً أفضل لهم. تم تأجيل موعد تسليم مقالاتهم على الأغلب لعام واحد، لكن لا يمكنهم تأجيله إلى ما لانهاية.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى