ترجمات أجنبية

إندبندنت: الأكثر أهمية في الانتخابات الفرنسية تأمين أصوات ميلانشون

إندبندنت ١٥-٤-٢٠٢٢م – بقلم ماري ديجيفسكي 

سلطت الاضواء بقوة على مارين لوبن، في أعقاب الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية. وإذا كانت فرنسا لتنتخب رئيسة من أقصى اليمين، أياً كانت الجهود التي بذلتها لتحسين صورتها ولتوسيع نطاق جاذبيتها، فسيكون لذلك عواقب وخيمة ليس فقط بالنسبة لفرنسا، بل أيضاً لأوروبا ولأجزاء أخرى من العالم.

غير أن التركيز المتواصل الذي لا يمكن إيقافه على لوبن، كان يميل إلى طمس اثنتين من السمات الأخرى لانتخابات الأحد، قد يثبت أن لهما القدر ذاته من الأهمية، ليس فقط بالنسبة إلى فرنسا، في حال عدم فوز لوبن. السمة الأولى هي أداء إيمانويل ماكرون ونموذجه من الوسطية السياسية، وتتمثل الثانية في الأداء القوي غير المتوقع لمرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلانشون.

أولاً، ماكرون. أنشأ قبل خمس سنوات المركبة الوسطية الخاصة به “إلى الأمام!” وامتطاها، ليصبح خلافاً لكل التوقعات أصغر رئيس فرنسي على الإطلاق. وعلى الرغم من كل الانتقادات الموجهة إلى انعزاله، وغطرسته، وعقدة “جوبيتر” [حسبانه أنه يمثل الخير المطلق] التي يعانيها، وكل ما عدا ذلك، فهو قد قدم أداءً أفضل من أدائه في الجولة الأولى سابقاً بنحو أربع نقاط (رفع نسبة أصواته من 24 إلى 27.6 في المئة). وفي الحقيقة فهو زاد حصته من الأصوات بأكثر مما فعلت لوبن (23.4 إلى 21.3 في المئة). وإذا  استطاع أن يفوز في جولة الإعادة في غضون أسبوعين، فسيكون أول رئيس يتمكن من الاحتفاظ بمنصبه لولايتين منذ جيل كامل. وإذا  قيمنا الأمر على أساس الأداء الانتخابي وحده، فلا بد أن ماكرون يبلي بلاء حسناً في أمر ما.

وخلال مسيرته، حول ماكرون حركته إلى حزب “الجمهورية إلى الأمام”، بالتالي أسس لنفسه قاعدة برلمانية. وهو، كما أظهرت نتائج انتخابات الأحد، فقد هزم الأحزاب الفرنسية التقليدية من يسار الوسط واليمين بشكل فعال، ما يجعل إمكانية عودتها موضع شك على الإطلاق.

ويبدو أن ماكرون، وهو مصرفي سابق ووزير في حكومة فرنسوا هولاند الاشتراكية، أدرك أن ثمة فائدة سياسية تُرتجى من جمع عناصر من اليمين واليسار معاً في فرنسا على الأقل. وفي الواقع، إن هذه الأوقات المتغيرة، التكنولوجيا الرقمية، والسكان الأكثر تنوعاً، والأعراف الاجتماعية المتبدلة، والمطالب بوجود سوق عالمية وأكثر من ذلك بكثير، كانت كلها تعني أن المعتقدات التقليدية الراسخة على الجانبين صارت بضاعة بالية، وأن نوعاً من المرونة الجديدة كان ضرورياً.

وهذا بالضبط ما يفعله بيان ماكرون الانتخابي لعام 2022. فهو يؤكد أهمية السيادة، سيادة فرنسا وكذلك سيادة أوروبا، علاوة على حماية قطاع الزارعة الفرنسية (من أجل اليمين)، في الوقت الذي يرغب فيه بمساعدة الشباب على الانخراط في قطاع الزراعة وجعل الفوائد الرقمية والبيئية محل مشاركة على نطاق أوسع، بما في ذلك تدابير لجعل العزل المنزلي والسيارات الكهربائية في متناول الأشخاص الأقل ثراءً بسهولة أكبر (مسألة ترضي اليسار).

ومن المثير للجدل أنه يريد رفع سن التقاعد الحكومي إلى الـ65 عاماً، وتحديث نظام التقديمات [الاجتماعية]، بما في ذلك تشجيع المتلقين، كما يقال أحياناً، على “رد شيء ما” [تقديم مقابل]. وهو يقترح أيضاً إلغاء رخصة التلفزيون، وجعل أجور المعلمين أفضل، وتوفير المزيد من الحرية للمدارس والجامعات، والمزيد من التعليم المهني الأفضل، والمزيد من التركيز على القانون والنظام. إن الموازنة [الجمع والتبادل] بين [برامج] اليسار واليمين واضحة.

لكنني أتساءل ما إذا كان هذا الخليط من اليمين واليسار والليبرالية الاجتماعية، مع عناصر انضباط السوق، وبعض التشديد على “الاستقلال” من مستوى الدولة فما دون، يذكركم بشخص ما؟ ألم يكن هذا بطريقة ما هو المزيج الذي جعل بوريس جونسون يفوز بولايتين كعمدة مدينة لندن اليسارية، ومن ثم ساعده بأغلبيته البرلمانية الحالية، وهو الذي يملي أجندة “رفع المستوى”، وقد يمكنه لهذا المزيج حتى الآن، أن يحقق له نصراً انتخابياً آخر، على على الرغم من كل إخفاقاته؟ ثم فكروا بماريو دراغي في إيطاليا، وهو شخص غير سياسي صار ناحجاً للغاية في تجاوز الانقسام بين اليسار واليمين، ولا يزال ماضياً في عمله، حتى إنه لا يمكن الاستغناء عنه ليصبح رئيساً، في الأقل ليس بعد.

حتى تستطيع علامة ماكرون التجارية الوسطية أن توفر له ولاية ثانية، سيحتاج في الأقل إلى بعض الأصوات من أحد مرشحي الجولة الأولى، ممن يمثلون مساراً مختلفاً تماماً، إن لم يكن متعارضاً مع خطه من التفكير السياسي. لقد اتضح أن جان لوك ميلانشون هو مفاجأة الحملة، وكانت هناك أوقات خلال عد الأصوات مساء الأحد بدا فيها وكأنه في تنافس حقيقي مع لوبن على المرتبة الثانية (وهذا كان من شأنه أن يغير المظهر العام لجولة الإعادة).

وحل في النهاية ثالثاً، لكنه جاء متخلفاً عن لوبن بفارق 1.2 نقطة فقط. والأكثر من ذلك، أنه بعيداً من الظهور بمظهر سياسي آفل ولى زمنه بعد أن وصل هذا المتمرد المستقل إلى المرتبة الرابعة في عام 2017، استطاع ابن السبعين عاماً أن يزيد حصته من الأصوات، بصورة هامشية أكبر من زيادة لوبن لحصتها، كما أنه اجتذب مزيداً من أصوات الشباب (من 18-34 عاماً) أكثر من أي مرشح آخر.

ولقد حظي بتأييد ناخبين في المناطق الأكثر فقراً والأقل حظوة. ولقد لاحظت، بالمناسبة، في كل من ليل في شمال فرنسا، ومارسيليا في جنوبها، أن الملصقات الانتخابية في معظم اللوحات الإعلانية في الأجزاء المتداعية في المدينة، قد تم تمزيقها أو تشويهها، باستثناء واضح وهو ملصقات ميلانشون. وقد اشتمل بيانه الانتخابي على العديد من المواقف اليسارية المتطرفة، وحتى الشعبوية، بما في ذلك اللجوء أكثر إلى استفتاءات [عامة] والإحتكام أكثر إلى المواطنين، والمزيد من التركيز على الشؤون المحلية بما يتعلق بأعمال الشرطة وبالمحاكم، وإعادة تأميم السكك الحديدية والطرق السريعة، ووضع سقف لأسعار الضرورات الأساسية، وعدم رفع سن التقاعد وزيادة الحد الأدنى من الأجور، والحق في الاستيلاء على بيوت فارغة، والمزيد من أماكن التعليم، بدءاً من دور الحضانة إلى الكليات.

ليس من الصعب رؤية أوجه شبه بين جيريمي كوربين يتجلى وبين نجاح ميلانشون المفاجئ. ولم يقتصر الأمر على تحديد القضايا التي تروق للناخبين الشباب في وقت لا يبدو فيه أن أي ناخب آخر قد خصهم بالاهتمام والتقدير الكافيين، بل هو يجسد مواصفات الانسجام الأيديولوجي نفسها، والدفاع عن المستضعفين ومثالية المساواة من النمط القديم التي اجتذبت ناخبين أكثر شباباً لإعادة اكتشاف كوربين، وهو بطرق شتى سياسي من عصر آخر. أما إذا كان هذا يبشر بإحياء اليسار المتشدد في جيل جديد، فهو أمر آخر.

لكن على ناخبي ميلانشون الآن حسم خيارهم، وهو الخيار الذي يمكنه أن يقرر نتيجة الانتخابات. وبعد أن استقطب ماكرون على ما يبدو العديد من الأصوات من التيار الرئيس لليسار واليمين في الجولة الأولى، فهو يحتاج إلى جزء من أصوات ناخبي ميلانشون حتى يفوز. وهذا هو الجانب الذي يمكن أن تسوء فيه الأمور.

وفيما حث معظم مرشحي الجولة الأولى الخاسرين أنصارهم على دعم ماكرون في الجولة الثانية، ولو كان ذلك فقط لإبعاد لوبن، فإن ميلانشون لم يكن جازماً بقدر مماثل. وإذ ناشد ناخبيه بعدم تأييد لوبن في أي ظرف من الظروف، فهو امتنع بشكل محلوظ عن التوصية بالتصويت لماكرون. وحتى ولو فعل ذلك سلفاً، أو لو يفعل في الأيام المقبلة، فإن تأثير توصيته يمكن أن يكون محدوداً. وقد يفضل الناخبون الأصغر سناً البقاء في البيت بدلاً من التصويت لمرشح ربما يعتقدون أنه لا يمثل مصالحهم، حتى ولو كان ذلك فقط في سبيل إبعاد لوبن. ومن جهة أخرى، من الممكن إغراء الناخبين الأكبر سناً والأكثر فقراً، بالتحول إلى تأييد لوبن، التي لطالما أعربت عن ترحيبها بجميع الأشخاص الذين يشعرون أن أحداً لايمثل مصالحهم.

  وستحدد المنافسة على أصوات ميلانشون معالم الحملة الانتخابية على مدى الأسبوعين المقبلين، وهي تطرح مشكلة على ماكرون ربما لم يتوقعها. فالحصول على بعض أصوات ميلانشون يقتضي منه مغازلة الشباب واليساريين، لكن إذا فعل ذلك، فهو قد يجازف بخسارة أنصاره من جناح اليمين الذين قد يتحولون إلى دعم لوبن. ستحتاج هوائياته السياسة إلى عملية ضبط دقيقة بحيث تصبح كما كانت حين رصدت الفجوة في الطيف السياسي التي صارت حركة “إلى الأمام”.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى