شوؤن دولية

إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية: كيف ستنتهي معركة الربيع بين أوكرانيا وروسيا؟

إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية 14-6-2023: كيف ستنتهي معركة الربيع بين أوكرانيا وروسيا؟

صرَّحت أوكرانيا، منذ عدة أشهر، باعتزامها شن هجوم مضاد بهدف استعادة الأراضي التي احتلتها القوات الروسية دون تقديم المزيد من المعلومات حول ماهية وطبيعة الهجوم وحجم العدة والعتاد الذي تم رصده لإنجاح هذه العملية. وتتعمد أوكرانيا اتباع نهج ضبابي في تعاطيها مع هذه القضية؛ حيث يقوم الجنرالات الأوكرانيون بالتخطيط في صمت، والإيحاء بالتصعيد واقتراب تدشين الهجوم المضاد. وعقب إخفاق الهجوم المضاد الذي قادته روسيا الشتاء الماضي، وعدم تحقيق أي نتائج إيجابية موسعة من وراء هذا الهجوم، يتوقع الخبراء الغربيون أن تقود كييف زمام المبادرة عسكريّاً، وتتوسع فيما يُطلِق عليه البعض هجوم الربيع المضاد بشكل مكثف الأسابيع المقبلة؛ لإلحاق خسائر كبيرة بالجيش الروسي، ومحاولة استعادة السيطرة على جزء كبير من الأراضي الأوكرانية الخاضعة للسيطرة الروسية حاليّاً. واللافت أن هذا الهجوم ظهرت مؤشراته خلال الفترة الماضية، لا سيما مع تصعيد كييف هجماتها على بعض الأراضي الروسية، وما استتبعته من هجمات روسية مضادة، ناهيك عن إعلان كييف استعادة بعض المناطق من السيطرة الروسية في الأيام الأخيرة.

خطوات استباقية

بعد عدة أشهر من التكهنات، أفادت مصادر عسكرية روسية بأن القوات الأوكرانية شنت هجمات على خمسة محاور في إقليم “دونيتسك” الخاضع للسيطرة الروسية في شرق أوكرانيا، وهو ما قد يشير إلى بداية الهجوم الأوكراني الذي طال انتظاره، إلا أن المعلومات في هذا السياق ما زال يسيطر عليها حالة من التضارب وانعدام اليقين. وبوجه عام، يبدو هجوم الربيع مرتبطاً بعدد من الملامح الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1– تبني أوكرانيا استراتيجية حروب الاستنزاف: حذر عدد من الخبراء العسكريين الروس على موقع “تليجرام” من بدء الحكومة الأوكرانية إرسال قواتها إلى الأراضي المتنازع عليها لحسم المعركة، كما شهدت الأسابيع الأخيرة بالفعل تكثيف الجيش الأوكراني عملياته النوعية ضد أهداف روسية، على غرار مستودعات الوقود، ومستودعات الأسلحة، وهي العمليات التي تهدف إلى استنزاف قدرات موسكو العسكرية، بعيداً عن توجيه ضربة مباشرة إلى الخطوط الأمامية للجيش الروسي، وهي خطوات في العادة تسبق إقدام الجيوش النظامية على اتخاذ خطوات موسعة باستخدام القوات البرية للقيام بعمليات موسعة، على غرار العملية التي تتطلَّع إليها كييف، والتي تستهدف استعادة الأراضي الخاضعة للقوات الروسية.

2– اعتماد الطرفين على سياسة التمويه والتضليل المعلوماتي: وعلى الرغم من إقدام كييف على تبني الخطوات السالفة الذكر، عملت الحكومة الأوكرانية على نفي بدء أي هجوم مضاد، كما نفت وجود أي نيةٍ لديها للإعلان عن هذا الهجوم بصورة رسمية. فضلاً عن ذلك، سعت كل من أوكرانيا وروسيا في حملات إعلامية مكثفة للتأثير على الرأي العام محليّاً وعالميّاً، وتضليل خصومهما بشأن خططهما القتالية القادمة. وقد جاءت المؤشرات الأولى على الهجمات المضادة الأوكرانية في الرابع والخامس من شهر يونيو للعام الحالي؛ حين أوردت العديد من التقارير معلومات تفيد بإقدام الجيش الأوكراني على تبني عدد من الخطوات التصعيدية؛ حيث أحرزت القوات الأوكرانية تقدماً في جنوب غرب مدينة “دونيتسك” التي تسيطر عليها القوات الروسية، كما أشارت تقارير أخرى إلى بدء القوات الأوكرانية بالتحرك بالفعل لاختراق الصفوف الأولى للقوات الروسية.

3– اتخاذ روسيا خطوات دفاعية استباقية: تشير التقارير المبدئية إلى أن القوات الأوكرانية تحرز تقدماً في بداية هجومها المضاد، لكن بشكل بطيء؛ وذلك لعدة أسباب؛ من ضمنها انتشار حقول الألغام في عدة أماكن متفرقة، وعدم امتلاك كييف تقديرات دقيقة لقدرات الجيش الروسي، ناهيك عن بحثها عن نقاط الضعف، والعمل على خلق المزيد من هذه النقاط قبل استخدام أقوى وحداتها وقوة نيرانها المدفعية؛ فقد بدأت القوات الروسية تستعد لهذه الهجمات عن طريق حفر خنادق مضادة للدبابات، ونصب حواجز وخطوط دفاع مسبقة الصنع.

4– تضمين أوكرانيا للداخل الروسي في خطتها الهجومية: وعلى الرغم من التحركات الاستباقية الروسية، تؤكد مصادر مطلعة على العمليات العسكرية القائمة في الداخل الأوكراني أن الأوكرانيين قد بدؤوا بالفعل يجرون اختبارات لقياس فاعلية الدفاعات الروسية. علاوةً على ذلك، تحاول القوات الأوكرانية تشتيت انتباه نظيرتها الروسية عن طريق توجيه ضربات عسكرية للداخل الروسي؛ حيث شنت الميليشيات المدعومة من أوكرانيا، في الأسابيع الأخيرة، غارات على مقاطعة “بيلجورود” الروسية، وهو ما أسفر عن مقتل عقيد في الجيش الروسي، وأجبر روسيا على توجيه عدد من قواتها للوجود في هذه المنطقة، والاهتمام بهذا الجزء من الحدود الذي كان هادئاً في السابق.

5– تخوف الطرفين من الخطوات التصعيدية الإضافية: يوضح الخبراء العسكريون أنه لربما يحاول كلا الطرفين إقناع الآخر بالهجوم لكي يبدو أمام المشهد العالمي بأنه الأضعف، كما أن المراحل التحضيرية للمناورات السرية والإلهاء قد بدأت جديّاً من كلا الطرفين، ويتضح ذلك في عمليات التخريب الواقعة على الحدود الروسية، والضربات الروسية الأوكرانية المتبادلة على مستودعات الأسلحة والذخيرة، ولكن بالرغم من ذلك، لا يمكن الجزم بأن هجوماً مضادّاً بدأ على نطاق واسع يشمل جميع أرجاء البلاد؛ فحتى القوت الراهن، يبدو أن كييف تركز ضرباتها على مناطق محددة؛ خشية تنفيذ هجوم موسع يكون له تداعيات معاكسة سلبية.

6– مراهنة طرفي الصراع على الاختراق المعلوماتي للخصم: يبدو أن طرفي الصراع يراهنان في الوقت الحالي على اختراق الخصم معلوماتيّاً؛ وذلك من خلال إيجاد شبكة من الجواسيس والعملاء يمكن أن توفر معلومات عن الخطط العسكرية الخاصة بكل طرف. لقد ظهرت مؤشرات ذلك الأمر مع التقارير التي تحدثت، في شهر يونيو الجاري، عن تجنيد أوكرانيا شبكة من العملاء والمتعاطفين معها داخل روسيا لتنفيذ أعمال تخريبية ضد أهداف روسية، وذكرت هذه التقارير أن كييف زودت عملاءها بطائرات مسيرة من أجل تنفيذ هجمات ضد أهداف روسية.

وفي مقابل هذه التقارير، ذكر تقرير للنيوزويك، في شهر مارس الماضي، نقلاً عن تحليل للمعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، أن روسيا جنَّدت “شبكة عملاء كبيرة” في أوكرانيا قبل تدخلها العسكري في فبراير 2022، وهي الشبكة التي تُواصِل روسيا الاستفادة منها. وبحسب التقرير، فإن هذه الشبكة لا تزال “نشيطة”، وتوفر تدفقاً ثابتاً من المعلومات الاستخباراتية البشرية للقوات الروسية.

مسار المعركة

اتخذ الجيش الأوكراني عدداً من التحركات يمكن أن تؤكد وبقوة بدء معركة الربيع على الأرض، إلا أن اتخاذ روسيا عدداً من التكتيكات والتحركات المضادة، قد يُصعِّب مهمة الهجوم الأوكراني المضاد، كما قد تمنع كييف عن تحقيق أي نوع من التقدم السريع؛ لذلك تشير الدلائل إلى أن هذه الحرب ستتحول إلى معركة استنزاف طويلة الأجل. وبوجه عام، يمكن القول إن مسار ونتائج معركة الربيع، إن جاز التعبير، سيكون مرتبطاً بعدد من العوامل الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1– مدى قدرة كييف على توجيه ضربات نوعية: أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية، في شهر يونيو الجاري، عن بدء نقل وحدات بحرية وقوات محمولة جويّاً من خيرسون إلى “زاباروجيا” و”باخموت”؛ هذا بالتزامن مع إعلانها أيضاً عن بدء قصفها مواقع عسكرية روسية، وإسقاط أربع طائرات روسية مسيرة خلال معارك حدثت في “خيرسون”، كما صرح العديد من الخبراء بأن الأسلحة التي تلقتها أوكرانيا من الغرب قد لعبت دوراً كبيراً في المعارك على الأرض، وأن ما يحدث الآن ما هو إلا مجرد بداية لعملية شاملة وموسعة لاستعادة الأراضي التي تستولي عليها القوات الروسية. 

2– نجاح أوكرانيا في استرداد مساحات واسعة من القوات الروسية: قال متحدث باسم أحد قطاعات الجيش الأوكراني في حديث تلفزيوني، إن أوكرانيا ستتمكن عما قريب من اقتطاف ثمار الهجوم الربيعي المضاد. وقد صرحت وزارة الدفاع الأوكرانية، يوم الاثنين الموافق 12 يونيو الجاري، بأن القوات الأوكرانية استعادت السيطرة على قرية أخرى في مدينة “دونيتسك” ليرتفع عدد القرى التي تمت استعادتها من أيدي القوات الأوكرانية خلال شهر يونيو إلى أربع قرى؛ هي: “ماكروفكا” و”بلاهوداتني” و”نسكوتشني” و”ماكريفكا”.

كما نشرت وحدة دفاع أوكرانية في الأيام الماضية مقاطع مصورة على موقع التواصل الاجتماعي “تليجرام”، تُظهر جنوداً أوكرانيين وهم يرفعون علم بلادهم على المباني الرسمية في قرية “نيسكوتشي” في “دونيتسك”. وقالت القوات الأوكرانية أيضاً إنه تم أسر عدد من الجنود الروس للحصول منهم على معلومات قد تساعدهم في استعادة الأراضي الأوكرانية، باعتبار ذلك جزءاً من عملية الهجوم المضاد، كما صرحت “هانا ماليار” نائبة وزير الدفاع الأوكراني بأن القوات لم تفقد السيطرة على أيٍّ من المناطق التي تمت استعادتها، وبأن القوات الأوكرانية قد تقدمت لمسافة تتراوح بين 300 و1500 متر في اتجاهين عبر الجبهة الجنوبية.

3– حدود نجاح التحركات الروسية المضادة: في مقابل ما صرحت به القوات الأوكرانية، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها تمكنت من التصدي لثماني هجمات للجيش الأوكراني في “دونيتسك”، وهجومين على محور “سوليدار وباخموت”، بالإضافة إلى ثلاث هجمات أخرى على محور “زاباروجيا”. وكانت موسكو أيضاً قد صرَّحت بأن أوكرانيا قامت بمحاولة فاشلة لمهاجمة السفينة الحربية الروسية “بريازوفي”، باستخدام ستة زوارق مسيرة عالية السرعة بينما كانت تقوم بدوريات على خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الرئيسية في البحر الأسود، وبأن السفينة ما زالت تمارس مهامها العادية، ولم تُصَب بأي ضرر.

وكانت مجموعة مركبات أوكرانية من طراز “برادلي” الأمريكية، تدعمها دبابات ألمانية الصنع، قد تعرَّضت للقصف أيضاً في السابع من يونيو؛ هذا بالإضافة إلى إظهار لقطات التقطتها طائرات مسيرة وبُثَّت على قنوات روسية، مركبات عديدة متضررة من جراء القصف الروسي. وفي الوقت نفسه، تقوم القوات الروسية ببناء دفاعات شديدة التحصين على طول خط المواجهة مع القوات الأوكرانية الذي يبلغ طوله 1000 كيلومتر، وحوَّلت القنابل الثقيلة من ترسانتها الضخمة التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة إلى ذخائر انزلاقية موجهة بشكل دقيق؛ لتكون قادرة على ضرب الأهداف بدقة. 

وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الروسي “بوتين” صرح، في 13 يونيو الجاري، أن أوكرانيا تكبدت خسائر هائلة في هجومها المضاد على المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا، وذكر أن “خسائر الجانب الأوكراني تقدر بـ160 دبابة، و360 مدرعة، وهو ما يعادل نحو 25% أو 30% من المعدات التي تسلمتها أوكرانيا من الخارج … وذلك فيما وصلت خسائر روسيا إلى 54 دبابة يمكن إصلاح بعضها ومعاودة تشغيلها”.

وعليه، يمكن القول إن هذه التحركات الروسية، وخاصةً نجاح موسكو في تدمير دبابات غربية الصنع تابعة للجيش الأوكراني، تؤدي – بشكل أو بآخر – إلى تعقيد حسابات المعركة، وتجعل من الصعب حسمها سريعاً، لا سيما أنها تثير شكوكاً هائلة بشأن حدود تـأثير الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا.

4– ابتكار موسكو آليات لاستنزاف القوات الأوكرانية: خلال الأيام الماضية، بدأت بعض التقارير تتحدث عن تطوير موسكو آليات لاستنزاف القوات الأوكرانية. ووفقاً لهذه التقارير – وهي محسوبة بصورة أساسية على خبراء عسكريين روسيين – فإن موسكو تتبنى تكتيكات دفاعية مرنة تقوم على إرهاق القوات الأوكرانية أكثر من استعادة الأراضي؛ حيث تنسحب القوات الروسية إلى المناطق الخلفية لإخراج المشاة الأوكرانيين من نطاق الدفاع الجوي الأوكراني وتغطية الحرب الإلكترونية، وبعد ذلك تهاجم القواتُ الروسية القواتِ الأوكرانية بالدبابات والدفاع الجوي من أجل منع القوات الأوكرانية من نشر عناصر دفاع جوي في المناطق التي تستعيدها حديثاً.

5– استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا: لا يمكن إغفال أن الدعم الغربي يمثل محدداً هامّاً في مسار المعركة الدائرة؛ فاستمرار الدعم يعني إعطاء كييف المزيد من الفرص للاستمرار في عملياتها. وفي هذا الصدد، يبدو أن الدول الغربية لا تزال متمسكة بخيار الدعم العسكري لكييف؛ فخلال الفترة الأخيرة، تزايد الحديث عن إمكانية تزويد الدول الغربية كييف بطائرات مقاتلة من طراز إف – 16، وهي جهود تتزعمها بريطانيا وهولندا، وتستهدف بناء تحالف دولي لتزويد أوكرانيا بالمقاتلات، كما جاءت المناورات الجوية “إير ديفيندر 23” لحلف الناتو في ألمانيا، التي وُصفت بأنها أكبر مناورات جوية في تاريخ الحلف، التي بدأت يوم 12 يونيو الجاري وتنتهي في 23 من الشهر ذاته، لترسل إشارات مفادها استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا؛ حيث صرحت السفيرة الأمريكية لدى ألمانيا “إيمي جاتمان” بأن المناورات تؤكد قوة التحالف، وترسل رسالة بهذا الأمر إلى الرئيس الروسي. وفي سياق ذي صلة، أشارت تقارير إعلامية إلى أن واشنطن تدرس تزويد أوكرانيا بقذائف يورانيوم مستنفد؛ كي تستخدمها في دبابات “أبرامز” التي ستُرسلها الولايات المتحدة إليها في الخريف القادم؛ وذلك بهدف تعزيز فاعلية دبابة “أبرامز” في مواجهة الدبابات الروسية.

6– سيطرة موسكو على قوتها البشرية العسكرية: لا تزال القوة البشرية العسكرية نقطة قوة رئيسية في الاستراتيجية العسكرية الروسية؛ إذ تمتلك موسكو قدرة كبيرة على حشد عناصر بشرية، سواء من مؤسستها العسكرية، أو من الفصائل والتشكيلات العسكرية غير الرسمية. واتساقاً مع هذه الفرضية، أعلنت موسكو، في 12 يونيو 2023، أنها وقَّعت عقداً مع مجموعة القوات الخاصة الشيشانية “كتيبة أحمد” من أجل تنظيم مشاركة الكتيبة في العمليات القتالية.

ومع ذلك، يبدو أن موسكو تواجه إشكالية فيما يتعلق بالسيطرة على الفصائل والتشكيلات العسكرية غير الرسمية؛ فقد ظهرت خلال الفترة الماضية مؤشرات صدام بين قوات “فاجنر” والقيادة العسكرية الروسية، حتى إن مؤسس “فاجنر” “يفجيني بريجوجين” رفض – بحسب تقارير إعلامية – التوقيع على عقد مع الجيش الروسي عقب صدور أمر – بحسب تقرير صحيفة الشرق الأوسط – ينص على أنه “يجب على جميع أعضاء وحدات المتطوعين أن يُوقِّعوا على عقود بحلول الأول من يوليو القادم؛ لإخضاعهم لسيطرة وزير الدفاع الروسي”.

7– تأثير استهداف البنية التحتية الحيوية: يؤدي استهداف البنية التحتية، وخصوصاً في أوكرانيا، إلى عرقلة مسار العمليات العسكرية الراهنة، وربما يؤدي إلى إطالة أمد الصراع؛ لأنه يجعل كل طرف يراجع حساباته قبل اتخاذ قرار بمهاجمة أي منطقة وتوسيع نطاق العمليات العسكرية. لقد ظهرت هذه الإشكالية مع انهيار سد “كاخوفكا” في السادس من يونيو؛ حيث تسبب الانهيار في حدوث فيضانات عارمة عبر مقاطعة “خيرسون”، وسط وجود مخاوف من حدوث كارثة بيئية. وقد وصف الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي”، الوضع قائلاً بأنه كارثة طبيعية وقنبلة موقوتة، وأن روسيا تتحمل مسؤولية جنائية، وأن الخبراء الأوكرانيين يحققون في الحادثة باعتبارها قضية تدمير بيئي إجرامي. وقد استمر ارتفاع منسوب المياه؛ ما أجبر أكثر من 1400 شخص على النزوح وترك منازلهم بعد أن غمرت الفيضانات البلدات والمدن والأراضي الزراعية المجاورة.

وتبادل طرفا النزاع الاتهامات بشأن تدمير السد دون أي دلائل؛ حيث ألقت موسكو اللوم على القوات الأوكرانية؛ إذ قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية “ديميتري بيسكوف” إن تخريب السد هو عمل مخطط له من قبل نظام “كييف”. لكن أوكرانيا، على الجانب الآخر، اتهمت روسيا بتخريب السد قبل أشهر لتغطية انسحابها من مدينة “خيرسون” في أكتوبر ونوفمبر الماضيين. وقال مستشار المكتب الرئاسي الأوكراني “ميخائيلو بوديلياك” إن هدف روسيا من هذا الهجوم هو خلق عقبات أمام تقدم أوكرانيا؛ فهي لا تسعى أبداً إلى نهاية عادلة لهذه الحرب.

8– تنبؤ نخب غربية بطول أمد الحرب: ليس من المرجح أن تؤثر الهجمات الراهنة على مسار الحرب بصورة جذرية في ضوء التعقيدات المحيطة بالصراع. وهذه التعقيدات دفعت البعض إلى توقع طول أمد الحرب؛ فعلى سبيل المثال، صرح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”، يوم 12 يونيو الجاري، بأن بدء مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا قد يكون عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع عقدها في شهر نوفمبر 2024. وذكر “بوريل” أنه يتوقع أن “الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ينتظر صدور نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2024، ولا ينبغي لنا انتظار بدء محادثات سلام بين موسكو وكييف قبل ذلك”.

في النهاية، تُظهِر التطورات على الأرض، بدء معركة الربيع التي تسعى من خلالها أوكرانيا إلى تحرير جزء كبير من أراضيها الخاضعة لسيطرة القوات الروسية؛ هذا بالتوازي مع عمل روسيا على تطوير استراتيجيات دفاعية جديدة للتعاطي مع التحركات الأوكرانية الحالية، وهو ما يُصعِّب إمكانية حسم طرف لهذه المعركة لصالحه خلال الصيف الحالي، ويُرجَّح دخول الحرب الروسية – الأوكرانية عامها الثاني على التوالي خلال فبراير القادم.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى