أقلام وأراء

إميل أمين يكتب – عن أكبر تهديد لدولة إسرائيل

إميل أمين  12/7/2021

على الرغم من خطوات السلام التي جرت بها المقادير في الفترة الأخيرة، بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، إلا أن التساؤل يبقى حتى الساعة: “هل من تهديدات حقيقية تحدق بالدولة الإسرائيلية؟.

سوف يذهب ذهن القارئ لهذه السطور بشكل مباشر إلى أن التهديد الأكبر الذي يخيم فوق سماوات إسرائيل، يمكن أن يتمثل في صواريخ إيران الموجهة إليها تارة، أو من خلال وكلائها في غزة، أي جماعة حماس تارة أخرى، وقد تكون ترسانة صواريخ حزب الله في لبنان هي السبب، في حين يرى نفر آخر أن سوريا تبقى على عدائها، لا سيما وأن مرتفعات الجولان تبقى محتلة حتى الساعة.

كل هذه تبقى بالفعل عوامل خوف من المستقبل بالنسبة للكثيرين من علماء الاجتماع الإسرائيليين، غير أن المفاجأة الحقيقية، هي أن الجواب لا يسكن تلك المربعات المقلقة، بل ينام في أحضان الإسرائيليين أنفسهم كل يوم، ويشكل جزءًا من نسيجهم المجتمعي، ومن هنا تبقى الخطورة القائمة والقادمة.. ماذا عن ذلك؟.

قبل بضعة أيام كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية النقاب عن الجواب، إذ أشارت في تحليل مثير لها إلى أن التهديد الأساسي الذي يهدد البلاد يأتي من الداخل، وليس من خارج إسرائيل نفسها، حيث أكدت أن اليهود المتشددين  والمعروفين باسم طائفة الحريديم، هم الذين يشكلون التهديد الحقيقي على مستقبل إسرائيل.

من هم الحريديم أول الأمر؟.. ولماذا يشكلون هذا الخطر على الدولة العبرية؟.

في كلمات قليلة، الحريديم هم جماعة من اليهود المتدينين، قريبين الشبه جدا من الأصوليين، حيث يطبقون الطقوس الدينية ويعيشون حياتهم اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية، ويحاول الحريديم تطبيق التوارة في الداخل الإسرائيلي، وحريديم هي جمع لكلمة “حريدي”، وتعني “التقي”، وغالبا لها جذور في اللغة العربية من الفعل “حرد”، بمعنى غضب وبخل واعتزل الناس.

تركزت الأنظار في الداخل الإسرائيلي حول الحريديم مؤخرا لسببين إثنين، الأول يتعلق بتفشي جائحة كورونا، والثاني موصول بموقفهم من التجنيد والخدمة العسكرية في صفوف الجيش الإسرائيلي.

حين انتشر فيروس كورونا في الداخل الإسرائيلي دعا الحاخام  حاييم كانيفسكي، أحد كبار زعماء التيار الحريدي في إسرائيل  إلى مخالفة تدابير مكافحة كورونا، والمضي قدما في الصلاة  داخل المعابد، والسماح بالتجمعات، مهما كانت النتيجة.

لاحقا.. تراجع كانيفسكي عن دعوته، لكن بدا واضحا أنها كانت السبب في انتشار الفيروس بشكل أسرع وسط الذين ارتادوا المعابد والمدارس الإسرائيلية من أتباع الطائفة، وقد شكت الشرطة الإسرائيلية من أنها تواجه مصاعب في فرض تعليمات وزارة الصحة للحد من انتشار الفيروس في الأحياء ذات الأغلبية المتدينة، وخاصة في حي “مايه شعاريم” ومدينة براك، حيث تضرب الأصولية اليهودية جذورها منذ زمان وزمانين.

كارثة تلك الجماعات لم تتوقف عند مخالفة تعليمات وزارة الصحة الإسرائيلية فحسب، بل أنها تكاد تكون دعوة لانقلاب وجودي ضد الدولة الإسرائيلية، والذين لديهم علم من كتاب ما يجري في أروقة تلك الجماعات المتشددة إلى درجة التكلس والتحجر، يدركون تمام الإدراك أنها رافضة للدولة الإسرائيلية بشكلها المدني، وفي مقدمة  فصائلها تأتي جماعة لهفاة،  النسخة اليهودية من الدواعش، والتي تطالب بإلغاء القانون الوضعي، واستبداله بأحكام التوارة وشريعة موسى، ورفض الوجود العلماني أو المدني في الأفق العام للدولة الإسرائيلية، ناهيك عن رفضهم الشرس والقاتل لوجود الآخر المتمثل في الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين.

أما السبب الثاني من أسباب كارثية الحريديم، فقد لفتت إليه “جيروزاليم بوست” الأنظار في طبعتها الإنجليزية، ويدور حول رفضهم دخول الجيش الإسرائيلي أو الانتماء له بأي شكل من الأشكال منذ تكوين الدولة الإسرائيلية في العام 1948،  وحتى الساعة، وذلك على العكس التام من العلمانيين الإسرائيليين، الذين ينضمون للجيش في عمر الـ 18 عاما.

تبدو الإشكالية الحقيقية التي تؤثر على مستقبل دولة إسرائيل متمثلة في التوجه القاضي بكونها دولة يهودية، وقد شجعت  حكوماتها منذ البدايات هذا التيار، ولهذا بات الحريديم يشكلون نحو 10% من السكان اليهود في إسرائيل، وقد عارضوا الانضواء تحت خدمة العلم، وخوض حروب إسرائيل، ولهذا  جرى إعفاؤهم من الخدمة العسكرية، عبر تفاهمات عرفت بإسم “الوضع القائم”، وقضت بأن يدرس الشبان “الحريديم “، في المعاهد الدينية اليهودية لتدريس التوراة، ويحصلون على  مخصصات مقابل أن يكون عملهم الأساسي هو تعلم التوارة  والتعاليم الدينية اليهودية.
لا يتوقف شغب الحريديم عند نقطة بعينها، فقد شنوا مؤخرا  هجوما غير مسبوق على زعيم حزب “يمينا”، نفتالي بينيت، والذي أصبح رئيسا لوزراء إسرائيل بعد سقوط نتانياهو، على  خلفية تحالفه مع أحزاب من الوسط واليسار.

ما يجري في إسرائيل الآن هو صراع على الهوية، وهي مسألة دوجمائية عقدية أخطر من أي خلافات إيديولوجية، ومن هنا يتبدى التهديد الجذري لمستقبل دولة تصر على رؤية أحادية ذات توجه أصولي، وقد مهدت الأجيال السابقة الطريق لفكرة يهودية الدولة.

الوضع الكارثي الداخل في إسرائيل تنبهت له أصوات يهودية  خارجها، ومنها جناح “جي ستريت”، في الولايات المتحدة، لماذا؟.. وكيف؟.. إلى حديث أخر بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى