أقلام وأراء

إميل أمين: حروب النانو… بشريّة في مهبّ الريح

إميل أمين 8-12-2025: حروب النانو… بشريّة في مهبّ الريح

على مشارف عامٍ جديد، تبدو البشريّةُ في مواجهة المزيد من التحَدّيات، لا سِيَّما في ظلِّ حالة السيولة الچيوسياسيّة، والنوازل العالميّة، المهدّدة لحالة السِّلْم العالميّ.

تبدو المخاوف المعروفة معقودةً بناصية الحرب التقليديّة، وبنوعٍ خاصٍّ العودة من جديد إلى سباق التسَلُّح النوويّ، وتكديس المزيد من الرؤوس الحاملة للموت شرقًا وغربًا، عطفًا على تسليح الفضاء وعسكرته.

غير أنّ هناك بابًا سحريًّا جديدًا، ربّما لم ينَلْ حظَّه من الاهتمام، رغم ما له من خطورة وتأثيرات على مستقبل البشريّة، إنْ سلبًا أو إيجابًا.

الحديث هنا يتناول شأن علم النانوتكنولوجي، بشِقَّيْه المدنيّ والعسكريّ، لا سِيَّما في ضوء تصاعد نبرة الحديث عن الأسلحة النانويّة وكيف لها أنْ تغيّرَ شكل العالم المعاصر ومعاركه القائمة والقادمة.

جاءت لفظة النانو من اللغة اليونانيّة القديمة، وتعني القزم، ومنها عرفت اللغة العربية لفظة “نَنّوس” أي الطفل الصغير، وفي كلّ الأحوال تفيد بقصّة الأجسام التي لا تُرَى بالعين المجرّدة، لكنّ آثارها واضحةٌ جدًّا، وبما يسمح للإنسانيّة بالترقّي وصعود معارج الفضيلة، أو العكس، أي التدحرج نزولًا إلى مزالق الهوان.

يبدو النانوتكنولوجي فتحًا علميًّا كبيرًا قادرًا على خدمة الإنسانيّة على صعيد الطبّ والزراعة والتجارة، وترقية شأن البشريّة، وبخاصّة فيما يتعلّق بصحّة النوع البشريّ، وإطالة عمر الإنسان، ويكفي أن يستمع المرء لما يقوله عالم الكمبيوتر والتقنيات المتقدمة الأميركي “ريموند كيرزويل”، عن إمكانيّة إطالة عمر الإنسان لأكثر من 450 سنة عبر روبوتات نانويّة تسير في شرايين الدم لتصل إلى المخّ، وتقطع طريق الأمراض والشيخوخة، لندرك ما الواقع الجديد الذي ينتظر الإنسانيّة.

لكنّ هذا الفتح الطبيَّ الإيجابيّ، يقابله على الجانب الآخر مخاطر هائلة غير محسوبة العواقب، ذلك أنّ ميكانيزمات النانو، يمكنها أن تفصل بين البشر، لتخلق منهم فريقَيْن مغايرَيْن، الأول مطوّر ومعدّل وراثيًّا، عبر أدوات نانويّة، تتيح قدرات خاصّة، من القوّة والسرعة، من مقاومة الأمراض ومجابهة الصعاب، بشر لا يتأثّرون بالبرد أو الحرّ، وقد يصل الحرّ حدَّ فقدان الجوع والشبع، وربّما العواطف، جيوش بشريّة أقرب إلى فكرة السايبورغ، أي نصف الآدميّ ونصف الآلة، وفريق آخر من البشر الاعتياديّين، المخلوقين ربانيًّا، وبدون تدخُّل بشريٍّ.

هنا يبدو التساؤل: “كيف يمكن أن يصبح حال البسيطة إذا وجد على سطحها هذان النوعان من البشر، وهل الصراع بينهما لا بدَّ وأن تجري به المقادير؟”

يخلق النانو على صعيد الحياة المدنيّة الكثير من التساؤلات عن الأحوال الاقتصاديّة والماليّة للبشريّة، وكيف ستمضي بها سبل الحياة.

منذ أسابيع قليلة تحدَّثَ الفتى المعجزة إيلون ماسك حديثًا بدأ للوهلة الأولى أنّه غير قابل للتصديق، ذلك أنّه تكَلَّم عن عدم الحاجة إلى العمل مستقبلاً، كما أنّه لن تكون هناك أهمّيّة للمال.

هذه التصريحات ليستْ عشوائيّة، وإنّما تبدو أقرب ما يكون لفكرة “التنبّؤات التي تسعى لتحقيق ذاتها بذاتها، لا سِيَّما إذا أصبح التصنيع الجُزَيْئيّ أمرًا واقعيًّا، ما يترك تأثيرًا غير مسبوق على الاقتصاد العالميّ.

هنا يفترض أن تطوَّرَ علوم النانوتكنولوجي، سوف تستطيع بناء أي شيء نحتاجه بضغطة زِرّ، وعليه ساعتها سيكون التساؤل: “ماذا سيحدث لجميع وظائف التصنيع حول العالم ؟”.

ومن جهةٍ ثانية كيف ستمضي الصناعات التقليديّة، إذا قدر لنا صناعة أي شيء باستخدام أجهزة النسخ، وأي مصير ينتظر عالم المال والعملات، وهل ساعتها سنكون أمام اقتصادٍ إلكترونيٍّ شامل تتحَكَّم فيه قلّةٌ من الأوليجارشيّة العالميّة فحسب؟

التساؤلات مثيرةٌ وخطيرة، غير أنّ الجانبَ المدنِيّ في هذا السياق، أقلّ بكثير في رعبه وهوله من الجانب العسكريّ، والذي ارتفعت الأصوات مؤخَّرًا منذرةً ومحذِّرةً من الأسوأ الذي لم يأت بعد من قبله.. ماذا عن ذلك؟

يمكن القطع وبدون الإغراق في التفصيلات، بأنَّ أسلحة النانوتكنولوجي كفيلةٌ بإغراق البشريّة في حالة عدم اليقين، وإدخالها في سراديب المجهول.

تبدو البداية من عند صناعة أسلحة مُصَغَّرة لا يمكن رؤيتها، وبكِمّيّات هائلة، ويمكنها مهاجمة أهدافها بدِقَّةٍ ولا تستطيع الأجهزةُ الدفاعيّة إعاقتها أو تعطيلها.

كما أنّه عبر تطوير علوم النانو، سيتم زراعة مواد ثانويّة في أجسام الجنود، بهدف زيادة نشاطهم وحيويّتهم، أو تزويدهم بملابس أشدّ صلابةً وأخفَّ وزنًا ولا يخترقها الرصاص.

الذين لهم دالة على علوم الفيزياء النوويّة، لديهم تساؤل: “هل من علاقة بين علم النانوتكنولوجي، وأبحاث علماء الحرب العالميّة الثانية، لا سِيَّما من الألمان؟”

غالب الظنِّ أنّ هناك بالفعل رابطًا ما، فالنانو كفيلٌ بإنتاج جُسَيْمات لا تُرَى بالعين المُجَرَّدة، ولا تتجاوز جزءًا من مليار من المتر، لها خاصّيّة إخفاء الأشياء من أمام الأعين.

هنا نبدو وكأنّنا أمام التجارب التي أجراها النازيّ في أربعينات القرن المنصرم، والتي عرفت باسم “المجال المغناطيسيّ الموحَّد”، حيث تمَكَّنوا من إخفاء قطعٍ حربيّةٍ بأكملها من أعين الأعداء.

ما تقوم به جزئيّات النانو، هو عينه ما تقوم به الأسفنجة التي تمصّ المياه، بمعنى أنّ تلك الجزئِيّات، تمتصّ كافّة التردّدات الضوئيّة والحراريّة التي تنعكس على العين البشريّة، فتسمح لها برؤية ما هو أمامها.

حروب النانو بدورها تبدو خطيرةً جدًّا، ذلك لأنّ مجالات الاكتشافات النانويّة تغير يومًا تلو الآخر من طرق الردع المتبادَل بين الأقطاب الدوليّة.

خُذْ إليك على سبيل المثال لا الحصر، في العام 2003، استطاعت الولايات المتّحدة الأميركيّة إنتاج قنبلة فراغيّة تصل في مقدراتها إلى القنبلة النوويّة، وأطلق عليها أمّ القنابل.

بعد اقل من خمسة أعوام، وبالتحديد في منتصف عام 2009، بلغ الروس حدًّا من التطَوُّر العلميّ العسكريّ، مَكَّنَهم من إنتاج قنبلة فراغيّة أطلقوا عليها “أبو كلّ القنابل”، وتصل في مقدراتها التدميريّة إلى أربعة أضعاف القنبلة الأميركِيّة.

القِصّة لا تتوَقَّف عند هذا الحَدِّ، ذلك أنَّهُ يمكن عبر أسلحة النانو عمل بلايين الأسلحة الفَتَّاكة، والتي تتحَرَّك وتعمل ذاتيًّا، ولا تتطَلَّب وجود الجنود البشريّين، بل يمكن برمجة تلك الأسلحة لتكون أدوات في حروب انتقائيّة، أو القيام باغتيالات بشريّة.

الكارثة وليست الحادثة، هي أن نستيقظ يومًا على أسراب من الطيور والفراشات وربّما الحشرات التي تتحَرّك من حولنا، ولا نستطيع تمييز ماهِيّتها، فقد يُخَيَّل إلينا أنّها كائناتٌ حَيَّة، في حين تكون حقيقتها أمر آخر، ولا تتجاوز جيوش من روبوتات النانو، الكفيلة بتسميم المياه، أو إبادة المحاصيل، بل يمكنها اختراق الأجساد البشريّة.

يتساءل المتسائلون عن مستقبل البشريّة، وبخاصّة حال وصول أسلحة النانو الرخيصة التكلفة، إلى أيدي الجماعات المارقة من الإرهابِيّين والخارجين عن القانون.

هنا يبدو نموذج فرانكشتاين بمثابة دمية أطفال، حال المقارنة مع ذلك الواقع المخيف والذي يحدثنا عنه بنوعٍ خاصٍّ عالم الفيزياء النوويّة الأميركيّة “لويس دي مونتي” من ولاية منيستوتا، في مؤلَّفه الشّيِّق: أسلحة الناتو: تهديد متنامٍ للبشريّة”.

هل البشرِيَّة في حاجة إلى كود أخلاقيّ جديد لمجابهة هذا الرعب المتنامي؟

للمرء أن يتخَيَّل حال اندماج النانو مع الذكاء الاصطناعيّ برًّا وبحرًا وجَوًّا، فانظرْ ماذا ترى.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى