أقلام وأراء

إغلاق منظمات المجتمع المدني هو غيض من عنف الاحتلال جيشا ومستوطنين

بقلم: زياد  بو زياد

الإرهاب الحقيقي هو عنف المستوطنين وجيش الاحتلال وليس منظمات المجتمع المدني، في ظل غياب الأداء الوطني الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وبدء الانهيار الإداري والسياسي على كل الأصعدة. فما العمل؟
قرار وزير الأمن الإسرائيلي باعتبار ست منظمات مجتمع مدني فلسطيني من ضمنها منظمات تُعنى بحقوق الإنسان وتوثق الخروقات التي تمارس ضده وناشطة ومعروفة ومحترمة دوليا وإقليميا وعلى صعيد الوطن، هو قرار إن دل على شيء فإنما يدل على أن الاحتلال ألغى أي اعتبار سياسي للسلطة الفلسطينية وأنها لا وجود لها في حساباته، بل يتعامل معها على أساس أنها جسم أو مجموعة أجسام أوجدها الاحتلال لتخدم برامجه وتنفذ مخططاته.
بهذا المنطق يتصرف الاحتلال عندما يقتحم المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية دون استثناء ليغلق مؤسسات ومنظمات مجتمع مدني أو ليعتقل أشخاص أو ليهدم بيوت أو ليعرض عضلاته ومظاهر قوته واستهتاره بالطرف الفلسطيني بما في ذلك قريبا ً من المقاطعة أو من مقرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية وهو واثق وآمن من أي رد فعل متوقع.
وعملية اعتبار السلطة الفلسطينية غير موجودة ليست جديدة، بل بدأت منذ 2004 واستمرت في تصاعد تراكمي تقضم من صلاحيات السلطة وتغتال وجودها المعنوي وتشوه صورتها أمام شعبها الى أن وصلنا الى ما وصلنا إليه.
وإذا كان للاحتلال اليميني المتطرف مصلحة في التحلل من اتفاق أوسلو وإلغاء أية نتائج أو آثار ترتبت عليه، فإن علينا أن نعترف بأننا أسهمنا بقدر هائل في تحقيق الهدف الاحتلالي. وأننا قمنا وبشكل ممنهج في تفكيك السلطة وتدمير مؤسساتها وتبديد هيبتها وعمل المستحيل من أجل إفشالها.
لست مع من يطالبون بحل السلطة أو الغاء اتفاق أوسلو لأنني أعتقد الخلل ليس في السلطة وإنما فيمن استحوذ عليها وبدأ في تفكيكها وتفريغها من مضمونها جنبا ً الى جنب مع تفكيك وتفريغ منظمة التحرير الفلسطينية التي اختزلت في مسميات لمؤسسات مسلوبة الدور باتت رهينة بيد أشخاص وفقدت دورها القيادي المؤسساتي. وأنا أؤكد بأن علينا أن نتمسك ببقاء السلطة وبقاء المنظمة وأن نعمل بكل جهد ممكن لإعادة بنائها وإصلاحها من داخلها لأن لا بديل لهدمها سوى الدخول في تيه سياسي لا نهاية له.
لقد قامت السلطة الفلسطينية كخطوة على الطريق نحو بناء الدولة وقد خاضت القيادة لفلسطينية بقيادة ياسر عرفات صراعا ً مريرا مع الاحتلال خلال فترة التفاوض التي أعقبت أوسلو لتنتزع منه فرصة إتاحة بناء مؤسسات دولة على الطريق وفي مقدمتها انتخابات تشريعية ورئاسية والفصل بين السلطات، في حين كان الاحتلال يصر على أن تكون هناك هيئة واحدة تمارس كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحت مسمى “مجلس الحكم الذاتي”.
والذي ينظر اليوم الى ما آل اليه الوضع على الجانب الفلسطيني يرى أننا وبفعل أيدينا ألغينا مؤسسات الدولة بكل ما تعنيه من رمزية وحصرنا كل الصلاحيات في مجلس حكم ذاتي (هو ما نسميه حكومة) تماما ً كما أراد الاحتلال منذ الإعلان عن أوتونوميا مناحيم بيجن عام 1977 والتي لم تكن سوى تجسيد لفكرة زئيف جابوتنسكي في الثلاثينيات وهو الأب الروحي لحركة حيروت وللأحزاب التي تمخضت عنها وحملت أسماء متغيرة من حين لآخر ولكن بقيت بنفس المضمون والجوهر وهو اعتبار الأرض التي بين النهر والبحر هي أرض إسرائيل وأن الفلسطينيين هم غزاة يجب طردهم وتخليص الأرض كل الأرض منهم. فنحن وللأسف الشديد، وبدون أن نشعر، أصبحنا أداة لتنفيذ البرنامج التوسعي الاستيطاني بكل أبعاده.
صورتنا اليوم كئيبة وحزينة. فسرطان الفساد ينخر جسمنا والترهل الإداري يعمي أبصارنا ولا نرى أي جهد حقيقي لوقف انتشار سرطان الفساد وتخبط الأداء سوى اللجوء للأساليب البالية مثل تشكيل اللجان، والتي ليست سوى حبوب مخدر لم تعد تخدع أحدا. هذا على صعيد السلطة أما على صعيد المنظمة فقد تم تفريغها من مضمونها هي الأخرى وشل مؤسساتها واليوم نرى بعض مكوناتها ممثلا ببعض الفصائل تحاول أن تقفز منها قبل أن تغرق وتسارع لإنهاء دورها هي الأخرى. ولا ألوم هذه الفصائل بقدر ما ألوم من أوصلها الى ذلك.
وأنا لا أرى المشكلة محصورة في إغلاق منظمات المجتمع الفلسطيني، بل هي الوضع الفلسطيني برمته ومجمل العلاقة مع الاحتلال والطريقة التي تُدار بها هذه العلاقة. وأرى أن علينا أن نتوقف عند هذا القرار ونسأل أنفسنا: كيف يمكن وقف هذا الانهيار الذي تواجهه السلطة والمنظمة وإعادة وضع مركبة التحرر على الطريق الصحيح، وكيف يمكن أن نعيد لأنفسنا هيبتنا المفقودة، وكيف نستطيع تحقيق الحد الأدنى من التكافؤ مع الطرف الإسرائيلي الذي لا يرانا أمامه والذي يمضي في تفتيت ما كنا نعتقد أنه كيان وتحويله تدريجيا الى ما هو عكس ذلك. وكيف يمكن التوقف عن خداع أنفسنا باللهو على الهامش مع من لفظتهم إسرائيل من سياسيين سابقين ولم يعد لهم دور أو تأثير أو حتى وجود في الشارع السياسي الإسرائيلي.
الذي يتابع الأخبار كل يوم يجد أنه لا يمضي يوم واحد بدون عنف ضد أبناء شعبنا الفلسطيني من قبل المستوطنين والجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وأن هذا العنف الإسرائيلي الممنهج ضدنا يهدف الى كسر ارادتنا وسلب أرضنا وقتل أي حلم لنا بالحرية أو التحرر من الاحتلال ويضعنا على مسار التحول الى خدم وعبيد للاحتلال. ورغم كل ذلك ما زال هناك أناس يعتقدون بإمكانية التعامل مع الاحتلال، وتغيير سلوكه وممارساته.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي تفعله القيادة الفلسطينية إزاء هذا العنف الوحشي الممنهج سوى اصدار بيانات الشجب والاستنكار وتحميل إسرائيل مسؤولية ما يجري وغير ذلك من العبارات البلهاء التي فقدت معناها؟
لنتحلى بالجرأة التاريخية ونرفع صوتنا مطالبين القيادة بأن تتحمل مسؤوليتها سلبا ً أم إيجابا. وأعني أنها مطالبة إما بالاعتراف بأنها تتحمل مسؤولية ضياع الوطن والحلم والدولة وإما أن تتحمل مسؤولية قيادة شعبها نحو تحقيق حريته واستقلاله، من خلال عملية تغيير شاملة في البنية البشرية والهياكل الإدارية والسياسية سواء للمنظمة أم للسلطة وتمكين الشعب من الاختيار الحر لقيادته بناء على البرنامج الذي تطرحه.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى